باحثون: الإسلام حارب العنصرية وسائر أشكال التمييز بين البشر
هوية بريس – متابعات
قرر الإسلام في أصليه القرآن الكريم والسنة النبوية أن البشر متساوون في أصل خلقهم، فبعد أن خلقهم الله من ذكر وأنثى وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا، محذرا من أن يتمايز بعضهم على البعض بالعرق، أو أن يفخر بعضهم على بعض بالنسب.
وكان مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته الجامعة في حجة الوداع: “يا أيها الناس إن ربكم واحد، لا فضل لعربي على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب”.
ولأن الله تعالى جعل الناس مختلفين في أعراقهم وأنسابهم ولغاتهم، وهو ما لا يد لهم فيه، فإنه سبحانه بعدله لم يجعل شيئا من ذلك سببا من أسباب التفاضل والتمايز بينهم، بل أقام التفاضل بينهم على سبب هو من كسب أيديهم واختيارهم، المعلن عنه في قوله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 23].
ووفقا للباحث والداعية المصري، الدكتور محمد الصغير، فإن “من الركائز الأساسية لدعوة الإسلام منذ فجر بزوغه محاربته للعنصرية والطبقية وسائر أنواع التمييز باللون أو الجنس أو العرق، وأكدّ تلك المعاني في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، فلا مفاضلة بين الناس إلا بالتقوى والعمل الصالح”.
وأضاف: “ومن المعروف أن الإسلام وضع جملة من التشريعات كخطة محكمة لمعالجة الرق والعبودية التي كانت منتشرة قبل بعثة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، كما أرشد أتباعه إلى معاملة العامل أو الخادم معاملة الأخ لأخيه كما قال الرسول “إخوانكم خولكم – أي خدمكم إخوانكم – جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تلكفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم”.
وتابع حديثه لـ”عربي21″ بالقول: “كما اعتبر الإسلام كل صور التمييز والعنصرية من صفات الجاهلية، وعندما عيَّر أبو ذر رضي الله عنه -وهو بالمناسبة رواي الحديث السابق- سيدنا بلال بلون أمه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنك امرؤ فيك جاهلية”، فطبق أبو ذر ذلك عمليا مع خدمه فيما بعد، كما يذكر ذلك من روى عنه هذا الحديث فيقول “لقيت أبا ذر بالَّربذة، وعليه حُلة، وعلى غلامه حُلة، فسألته عن ذلك، فقال إنّي ساببت رجلا، فعيرته بأمه، فقال لي النبي: “يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية”.
وبيّن الصغير أن الإسلام “جعل التقوى هي معيار التفاضل بين الناس، ولا يكون الإنسان تقيا إلا إذا كان لين الجانب، شديد التواضع، يبذل المعروف، ويقابل السيئة بالحسنة، وبعد ذلك كله فكرامته ورفعته عند الله، وليست على رقاب الناس”.
ولفت إلى أن “ظهور العنصرية أو التمييز في المجتمع، أو عند بعض أفراده دليل على بقاء رواسب الجاهلية، وأنه لم يتم التطهير الكامل من أدرانها وأوضارها، وعندها تظهر الصفات التي تورد صاحبها المهالك كالكبر والغرور والبطر، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه “لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” ثم بين حقيقة الكبر فقال “الكبر بطر الحق وغمط الناس”.
من جهته، انتقد الأكاديمي والباحث المغربي في الفكر الإسلامي، الدكتور حفيظ هروس “التمييز على أساس الدين”، واصفا إياه بأنه “لا يقل خطورة عن التمييز على أساس اللون وإن كانا جميعا يستمدان من عقدة التفوق والاستعلاء، سواء كان استعلاء دينيا أو استعلاء عرقيا”.
وتابع في منشور له عبر صفحته على “فيسبوك”: “التمييز على أساس (الديني) يمكن أن يولد من القبائح ما يولده التمييز على أساس اللون أو أكثر، وأكبر شاهد على ذلك الحروب الدينية التاريخية وما رافقها من الفظائع من كل الطوائف الدينية” مشيرا إلى ما يشهد على وجود هذا التمييز اليوم في الكيان الصهيوني، إذ مع الإقرار بيهودية إسرائيل أصبح كل المواطنين الآخرين من الديانات المخالفة غير مرغوب فيهم، ويتم التعامل معهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية على أقل تقدير”.
ونبه على أن “الشيء نفسه في تعامل إيران الشيعية مع أهل السنة، أو تعامل الدول السنية مع الأقليات الشيعية” مشددا على أن “التمييز بين الناس الذين خلقهم الله سواسية يجب أن يكون مذموما على أي أساس كان”.
بدوره، قال الباحث الأردني، المتخصص في الحديث النبوي وعلومه، الدكتور محمد أبو عبده: “سار الصحابة من بعد رسول الله على هديه، فقال عمر رضي الله عنه مقولته المشهورة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟، وكذا قال الصحابي ربعي بن عامر (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد”.
ولفت أبو عبده إلى أن “الحضارة المعاصرة لم تتخلص من أصناف العبودية المقنعة وغير المقنعة، بل وضعت بعض القوانين لاستعباد الناس، وقمع حرياتهم” متسائلا “ماذا حصل مع السكان الأصليين لأمريكا واستراليا وأمريكا اللاتينية”؟ ليجيب “إنما كانوا عبيدا لما سمي بالمستكشفين الذين تاجروا بالسكان الأصليين، وقاموا ببيعهم كعبيد حتى وقت قريب في الستينات من القرن المنصرم”، على حد قوله وفق ما أورده لـ منبر عربي 21.
وذكر أبو عبده أنه “رأى من العنصرية المقيتة في أمريكا ما يدمي القلب من معاملة أصحاب البشرة السوداء، فمثلا لو كان هناك حي سكني يقطنه جماعة كلهم من البشرة البيضاء، وجاء رجل أسود البشرة ليسكن في هذا الحي فسترى بأن السكان البيض يبدأون بالرحيل من هذا الحي بسبب وجود جار أسود البشرة يسكن في حيهم”.
وحذر من الآفات التي تنتج عن التمييز والعنصرية، والتي من أشدها خطرا “إيجاد الطبقية المجتمعية التي تنعكس على نفسية أفراد المجتمع الواحد سواء كان مسلما أم غير مسلم، وهي من أهم أسباب وقوع الجرائم، وانتشار الفوضى في البلاد عند أدنى شرارة لقيامها.. وهو ما يحدث في أمريكا اليوم، ويرجع سببه الرئيس إلى تراكم الطبقية، وانتشار التمييز العنصري المنتشر ظاهرا وباطنا في المجتمع الأمريكي”.
وأنهى كلامه بالاستشهاد بما خاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم أهل بيته مؤكدا لهم أن الذي ينفعم هو عملهم لا نسبهم، فيقول لهم: “لا يأتيني الناس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم فإن لا أغني عنكم من الله شيئا”، فالعمل المقرب إلى الله هو أساس التفاضل والتنافس، وليس الجنس أو اللون أو حتى القربى من رسول الله”.