بذل النصح والتوجيه إلى الوالد النبيه

12 يناير 2025 21:19

هوية بريس – إسماعيل المرغادي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن كل والد عاقل يحب الخير لأولاده، ذكورا كانوا أو إناثا، ويرجو أن يصيروا صالحين مصلحين وأن يكونوا على قدر من التربية والعلم ليكونوا نافعين لأنفسهم ووالديهم وأمتهم.

وكثير من الآباء اليوم يشتكون من ضعف تحصيل أبنائهم المعرفي وضعف مستواهم التربوي وقلة نصيبهم من المعرفة بهُوِيَّتهم ودينهم. ومدارسنا اليوم للأسف، رغم كونها لا تخلو من خير وفائدة، لا ترقى إلى تحقيق ما يصبو إليه كثير من العقلاء الذين يحملون هم أبنائهم وأبناء أمتهم ووطنهم، وذلك من الناحية التربوية الأخلاقية، حيث صار نصيب تربية الأطفال وتعليمهم مبادئ دينهم الإسلامي وهويتهم ضئيلا، وقد كنا قبل عشرين سنة أو أكثر يتخرج التلميذ من الابتدائية وقد حفظ من القرآن الكريم سبعة أحزاب كاملة حفظا متقنا وكان أطر المدارس من مدرسين وإداريين يحرصون على تربية التلاميذ على الأخلاق الفاضلة ويمنعونهم من السلوكات المنحرفة الغريبة عن دين المغاربة وهويتهم الإسلامية، أما اليوم فإنك تجد التلاميذ يتخرجون من الابتدائي ولا يحفظون الحزب الستين ولا نصفه، ولا تسَلْ عن المستوى الذي انحدرت إليه أخلاقُ وسلوكاتُ كثير منهم.  وكذا من الناحية العلمية المعرفية، حيث تجد في المتعلمين جهلا كبيرا بأيسر المسائل والمبادئ الأساس من مختلف العلوم، وضعفا في المستوى القرائي والتعبيري، رغم التطور التكنولوجي وسهولة الوصول إلى المعلومة وتطور الوسائل التعليمية. وهذا موضوع كبير له أسباب مختلفة ويحتاج إلى تظافر الجهود والرغبة الصادقة في الإصلاح.

لكن قصدي من هذه المقالة هو توجيه الآباء إلى العمل على علاج هذا الواقع وتعويض النقص الحاصل، بما هو مستطاع ومتاح. وأول ذلك أن تكون لدى الوالد رغبة صادقة ونية صالحة في هذا الإصلاح، وأن يكون همًّا يشغل باله وقضيةً تستأثِر بنصيب كبير من اهتماماته.

ومن السعي أيضا في العلاج أن تضع أيها الوالد برنامجا لتربية أبنائك وتعليمهم ما ينفعهم مما لا تتاح لهم الفرصة لتعلُّمِه في المدارس، حسب ما يتيسر لك ويتوافق مع ظروفك ومشاغلك. لذلك أقدِّم لك هذه النصائح والتوجيهات التي تعينك في ذلك عسى أن تنتفع بها وينتفع بها أبناؤك.

أولا: اعلم أن تربية أبنائك تنبني على تربيتك فاجتهد في تربية نفسك وتعليمها مع تربية أبنائك وتعليمهم، واجتهد في التخلص من عاداتك السيئة لتكون قدوة لأولادك فإن التربية بالقدوة أنفع طرق التربية.

ثانيا: اعلم أن ما تطلبه من صلاح أبنائك في هذا الزمان الذي ينفتح فيه الصغير والكبير على عالم مليء بأنواع من الفتن والأفكار المنحرفة الهدامة،  شرف كبير وهدف نبيل عظيم، فلابد من الصبر ليأتيك النصر.

ثالثا: حافظ على الصلاة المفروضة فإنها أعظم ما تحرص عليه، واصطحب أبناءك معك إلى المسجد واحرص على أن لا يضيعوا الصلاة، وإذا بلغوا العاشرة فلا تتسامح معهم في أمر الصلاة، عملا بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعا: احرص على أن يكون لك حظ من القرآن تتعاون مع زوجتك وأولادك  على حفظه وتفسيره، وأقترح عليك الأحزاب الخمسة الأخيرة من المصحف، فاجعل لك حلقة منزلية، مرة في الأسبوع على الأقل، في حفظ هذه الأحزاب بعد تصحيح تلاوتها.

خامسا: اجعل مجلسا في تفسير ما تحفظه بتفسير مختصر معتمد عند أهل العلم، مثل “التفسير الميسر”، أو “تيسير الكريم الرحمن”.

سادسا: مجلس السيرة النبوية في البيت روضة غناء، فاجعل مجلسا أسبوعيا في قراءة كتاب من كتب السيرة، مثل “الرحيق المختوم”، وستجده إن شاء الله مجلسا ماتعا ينشر السرور في البيت ويحبب أولادك في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستمتع فيه بمجالسة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وتنهل من سيرهم ومواقفهم وأخلاقهم وتضحياتهم.

ومن لم يجرب ليس يعرفُ قدرَه… فجرِّب تجد تصديقَ مـا قد ذكرناه.

هذا وينبغي التنبه عند قراءة هذه الكتب إلى تجاوز بعض المسائل وترك قراءتها، مما لا يناسب الأطفال أو قد يسبب حرجا، مع قلة فائدته بالنسبة لهم، مثاله: ذكر أنواع الزواج في الجاهلية وبعض ما كانوا عليه في هذا الباب، فإن فيه أمورا لا ينبغي في نظري ذكرها للأطفال في مثل هذا المجلس العائلي.

سابعا: ساعد أبناءك على تعلم المواد الأساسية من البرنامج المدرسي، والتي تكون مفتاحا لباقي العلوم، مثل اللغات والرياضيات، واعتن عناية خاصة باللغة العربية واجتهد في تحبيبها لأبنائك. ويمكنك أن تجعل سبورة في البيت تعتمدها في شرح المسائل واترك لأبنائك الفرصة للسؤال والمناقشة وربما تصحيح شيء تخطئ فيه.

ثامنا: لا تبالغ في تحميل أبنائك همَّ الحصول على العلامات والنقط الجيدة، خاصة في سلكي الابتدائي والإعدادي، وليكن همهم التحصيل والنهل من العلوم وكثرة القراءة لما هو نافع ومفيد، وإذا فعلوا فلا شك أن النقط الجيدة ستأتي تَبَعا.

تاسعا: حافظ على الأذكار فإنها حصن لك ولأبنائك من الشرور، وفيها صلاح للقلوب وتربية للنفس وتزكية.

عاشرا: أهلك وأولادك يحتاجون إلى أوقات يروِّحون فيها عن النفس ويلعبون فيها باللعب المباح، فلا تستثقل اصطحابهم للتنزه أحيانا، وشارك أبناءك في لعِبِهم، واعلم أنها ستكون لحظات لن تمحى من ذاكرتهم وستغرس في نفوسهم محبة لك وتقديرا.

الحادي عشر: احرُس أبناءك من أصدقاء السوء ومن شرور الأجهزة الإلكترونية، وربِّهم على مراقبة ربِّهم في علانيتهم وخلوتهم. وعلمهم هذا الحديث العظيم الذي رواه عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: “يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”.[1]

الثاني عشر: اعلم أن النجاح في كل ما تقدم لا يمكن إلا بأمر عظيم وهو توفيق الله تعالى ومعونته فأكثِرْ من الالتجاء إليه والاستعانة به سبحانه.

واعلم أيها الوالد الكريم أنك ستجد ثمار هذا البرنامج وأمثاله طيبة مباركة إن شاء الله، لكن بعد صبر وعدم استعجال. وهو علاج لكثير من الآفات التي تفسد البيوت والأولاد كإدمان الهاتف المحمول والأجهزة الإلكترونية، والعنف والخصومات التي تقع بين الأبناء وربما بين الزوجين.

أسأل الله تعالى أن يصلح حالنا وأولادنا وسائرِ المسلمين. والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] رواه الترمذي وأحمد وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M