بربك يا هذا! أتدافع عن بائع متجول؟؟!

26 أغسطس 2025 22:29

هوية بريس – عبد الله العبولي

لا أنسى ذلك اليوم الذي كنت جالسا فيه ووالدي في أحد المقاهي الشعبية، نحتسي شايا مع بعض الحلويات، نتحدث في مختلف المواضيع، حتى لم يعد هناك ما نتحدث فيه، فأخذ كل منا هاتفه وبدأ يتصفح، لا ندري كم من الوقت بقينا على تلك الحال، في ذلك العالم البغيض، الذي تقضي فيه الساعات الطوال، تجول بين أخبار الناس ومشاكلهم، لا مقدما للحلول، ولا مغيرا للأقدار، فقط تضيع الأوقات في شيء في الغالب لا يعود عليك بالنفع.

وبينما أنا هائم في ذلك العالم، إذ بأبي يلفت نظري لفيديو على هاتفه على الفيسبوك، لرجل يقول لرجل آخر بصريح العبارة، “كادافع على بائع متجول؟”، لم أستوعب لحظتها ما قال، كان الفيديو قصيرا جدا، فعاد ليشتغل من جديد، كانت نفس الجملة التي سمعتها في بادئ الأمر عادت لتغازل أذني كالمومس القبيحة، ما أحببت غزلها ذاك إطلاقا، أردت أن أدقق النظر وأعيد الفيديو مرة أخرى، وهو الذي لم يتأخر، فقد أعادت نفس الجملة اللعينة غزلها ذاك الذي يشبه الوسوسة، كنت مركزا هذه المرة، فركزت في الصوت والصورة، فزادت قبحا، حيث أن القائل كان يرتدي زيا أزرق جميلا لامعا ظهر بوضوح تحت أشعة الشمس وكانت قبعته التي تشبه لاقط الأقمار الصناعية مثبتة فوق رأسه بإحكام، فأعطته هيبة لم يكن ليستحقها بسبب ما قال، بقيت مصدوما لوقت طويل، أحاول فهم وجهة نظره التي ما كانت لتعد وجهة نظر أساسا، وأحاول تبرير ما خرج من فمه آنفا، حاولت جاهدا، لكنني لم أستطع…، أن أنظر إلى شخص بهذا القدر من التعالي… وأعده شيطانا لعينا لا يفوقه أحد شرا فقط لأنه يجر عربة بها ما يجني منه لقمة عيشه؟؟ أن يُنظر إلى البائع المتجول على أنه واحد من أراذل القوم إن لم يكن الأرذل؟ فتح ذلك القول في ذهني تساؤلات عديدة قابلت بعضها بجواب غير منطقي ومساير للقول ذاته، والبعض الآخر استحييت من أن أبدي له جوابا، فمهما كان الجواب ما كان ليفي كمية الغباء في السؤال.

ومذ ذلك الحين وأنا أخاطب والدي (مازحا طبعا) بأسلوب الشرطي ومحاكيا لمنطقه، بمقولات مثل:

كيف شعورك وأنت بائع متجول؟

أيسمح للبائع المتجول بالكلام؟

كيف يجرؤ البائع المتجول أن يتوفر على مسكن ولو بالكراء؟

ألا تعتقد أنك تنفست اليوم بما يكفي بالنظر لكونك بائعا متجولا؟

ألا تشعر بالخجل وأنت تمشي بين الناس وأنت بائع متجول؟

ألا يوجد مسجد خاص بالبائعين المتجولين؟

كم من صلاة تصلون في اليوم أيها الباعة المتجولون؟

كيف يجرؤ البائع المتجول على إبداء رأيه؟

كونك بائعا متجولا هذه وصمة عار في جبينك ستصاحبك حتى وأنت بلباسك العادي. وأشياء كثيرة من هذا القبيل.

ومن حديثي مع والدي الذي أفخر به كونه بائعا متجولا، أدركت أنني أيقنت منطقه ذاك (الشرطي)، بل وفقته شرا بإتقان عظيم، وكانت تلك وجهة نظر الأحول، وجهة نظر من يرى الأمور رأسا على عقب.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة