برنامج «ضيف الأولى» وديمقراطية الذئاب، وكلاب الحراسة..
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
غابت الرقابة حلت التفاهة
ضيف الأولى في حلقة 21/2/2017 أبان بما لا يدع مجالا للشك أن الديموقراطية كآلية وسلوك لتنظيم المجتمع وضبط مناشط الناس جماعات وفرادى، يراد لها أن تبقى حكرا على لون وجنس وفئة اجتماعية كما كانت في اليونان.
وأنه لا يسمح أنسنتها وتبييئها لما في ذلك من خطر على بعض الأقوام والأعراق، وهو ما صارت تُصنع للتنظير له أحزاب وجمعيات، وتسخر وسائل الإعلام لإفراغه من بعده الإنساني بمزاعم من قبيل الانقلاب عليه بعد التمكن من السلطة عن طريق حرية الاقتراع وصناديق الانتخاب، لأن المصوتين أقصر نظرا وأقل علما ببواطن الأمر، لذلك فحريتهم مقيدة بتزكيتهم أسلوب عبوديتهم والاعتراف بتواتر جهلهم.
وهو ما عمل مقدم البرنامج الفضيحة وضيفه الموتور على قذف المشاهدين بما يحط من قيمتهم ويسفه اختياراتهم، وأنهم ضحايا قبول مساعداتهم بالزيت والسكر بدل اتباع أوامر أعوان السلطة واستغلال الفاسدين لخيرات الوطن وتمريرها للمستعمرين الجدد وبرادينهم.
لقد أبان حوار الطرشان في البرنامج الموتور الحاقد على الاختيار الشعبي لمن يمثله في البرلمان، أن الهدف من الحلقة هو إسماع الشعب المغربي ما يراد له السير فيه لتحقيق أحلام الفسدة، فالضيف لم يجب على الكثير من فلتات لسان المحاور التي أراد بها الظهور بمظهر الإعلامي المحايد، من قبيل: هم فرقوا على الناس لقفاف وأنتم فرقتم عليهم الكلام؟ تجولتم بالطائرات في البلاد، واستخدمتم أعوان السلطة، برنامجكم فقط مركز على محاربة هؤلاء لكن الشعب يدعمهم، المرجعية الإسلامية مرجعية الدولة بحكم الدستور.
تركت هذه الفلتات المقدمة للضيف معلقة، بل سحب عليها ضباب محاربة الهيمنة والتطرف وصفيق الكلام مما لا ينطلي على الشعب المغربي، الذي يعرف عدوه ويعرف كيف يعريه مثلما فعل أسلافه في الحركة الوطنية مع الخونة والعملاء في ثورة الملك والشعب وما قبلها وبعدها.
إنه لأمر مؤسف أن تبقى التلفزة المغربية تسخر من مموليها ومشاهديها بمثل هذا البرنامج المعادي لاختيار الأمة ومقدساتها المضمنة في الدستور، الذي يقر بأن الإسلام دين الدولة الرسمي، وغيره من المبادئ التي كانت “تمرمد” من قبل الضيف والمذيع.
بداية زرع التتفيه والتسفيه والاسخفاف باختيار الأمة (1913)
إن هذا التوجه الإقصائي غير المنضبط بأحكام الدستور والقواعد المنطقية في الحوار والاحترام الواجب للمشاهد الممول للتلفزة التي تؤدي للمذيع أجرته كمهني وليس كخصم، أحالني للمنطق الذي أسس لمثل ما سمعنا في هذا الحوار الفضيحة بداية القرن الماضي على دوي مدافع الغزو الفرنسي وحرائقه في طول البلاد وعرضها، والذي لخصه أحد عتاة ضباط الغزو “الكومندار أوكيست تريري” في مقال صادر له بـ”مجلة إفريقيا الفرنسية سنة 1913″، بعنوان: (انطباعات عن المغرب).
استعرض تيريري في المقال زيارة ليوطي لفاس سنة 1913 بعد سنة من مغادرته للرباط إثر تنصيبه مقيما عاما، حيث استقبل بطلقات مدفعية، لكنها كما يقول الكاتب طلقات ترحيب، مضيفا بعدما صار المعادون خاضعون، واصفا إياهم بـ(أن الذئاب قالت بأنه منذ 13 شهرا لم تعد ترى خرافا، وأن كلاب الحراسة راضية برؤية انتظام المعاش اليومي، وهو ما نريد العمل عليه لدوام استقراره).
وعليه يعتقد وفق قراءة هذه الملغمة أن ديموقراطية الذئاب لا تتحقق إلا بانعدام الخراف، ورضا كلاب الحراسة.
فهل ينضبط هذا التفسير للتقييس الذي وضعه الكومندار للمغاربة في مواجهة غزاتهم وبراطيزهم (مواليهم)؟
بعد مئة عام؛ هل يعاد الفعل؟
الحمد لله الذي لم يجعل السماء مغلقة في وجه المحلقين، والحمد لله الذي خلق للبشر قدرة على تحريك أعينهم وإدارة رؤوسهم، ولم يجعلهم يقادون كالبهائم باللجم، سواسية، برهم وفاجرهم، كبيرهم وصغيرهم.