بعد أن صفق له عصيد.. التوفيق بات في حاجة ماسة لمراجعة خطته

بعد أن صفق له عصيد.. بات التوفيق في حاجة ماسة لمراجعة خطته
هوية بريس – متابعات
مجددا أثار الناشط المثير للجدل “عصيد” الجدل بعد ظهوره في مقطع مصوَّر يثني فيه على مشروع أحمد التوفيق، المتعلق بخطة تسديد التبليغ التي ترجمت عمليا في توحيد خطبة الجمعة بمساجد المغرب.
إشادة عصيد بهذا التوجّه دفعت بعض المحليين للتساؤل: هل الخطبة الموحدة وسيلة لحماية المجتمع من خطاب التطرف، أم أنها محاولة لإفراغ المنبر من روحه الأصيلة وتحويله إلى قناة رسمية يصرف عبرها خطاب إداري محض؟
الخطاب المزدوج
من الطبيعي أن يتفق أي علماني مع مبدأ تحييد الدين عن السياسة، لكن اللافت أن عصيد، الذي يرفع باستمرار شعار فصل الدين عن الدولة، يجد نفسه هذه المرة في صفّ الدولة التي تمارس أقصى درجات التدخل في الدين، عبر صياغة خطب موحدة وإلزام آلاف الأئمة بإلقائها حرفيا. هنا يظهر التناقض: فكيف لمن يدعو عادة إلى حرية الاعتقاد وحرية الضمير أن يصفق لإجراءات مركزية تضبط تفاصيل الممارسة الدينية وتحوّلها إلى واجب إداري؟
الإجابة تكمن في الخطاب الأيديولوجي والبحث عن متمسك لتبرير خطاب الكراهية. فبالنسبة لعصيد، كل ما يضعف حضور الدين، ويُضعف الحركات الإسلامية هو مكسب للتيار العلماني. لذلك لا يجد غضاضة في دعم تدخل الدولة في المجال الديني، حتى ولو تناقض ذلك مع قناعاته حول حرية الاعتقاد وفصل الدين عن الدولة. إنها براغماتية أديولوجية سياسية، ولكنها تكشف حقيقة المرجعية الفكرية.
مخاطر تسييج الحقل الديني
وزارة الأوقاف قدّمت مشروع تسديد التبليغ باعتباره إصلاحا ضروريا لضبط خطاب المساجد، حتى لا تستغلها تيارات تعتبرها مناوئة ومنافسة لها. لكن التجربة الميدانية كشفت إشكاليات حقيقة في هذه الخطة، من ضمنها: توقيف الخطباء، وإقصاء أصوات منتقدة، ومنع الحديث عن كل مفاسد الوقت أو قضايا الساعة السياسية والاجتماعية والثقافية..
هذه الممارسات تعكس خطرا أكبر هو تسييج الحقل الديني عبر أدوات إدارية، ما يحوّل المسجد إلى مؤسسة بيروقراطية فاقدة للروح والوظيفة التربوية الأصيلة.
كما تسهم ذات الممارسات في زعزعة الثقة بين المصلين والمؤسسات الدينية الرسمية. حين يستمع المصلون لنفس الخطاب المتكرر، المنفصل عن قضاياهم اليومية، ما يفقدهم الارتباط بالمنبر الرسمي، ويدفع ببعضهم إلى البحث عن خطابات بديلة.
الإلحاد المغلَّف
لا ينبغي في هذا النقاش إغفال جانب آخر يتمثل في تغلغل التيار اللاديني عبر المفاهيم. فحين يقول عصيد مثلا بأن أولويتنا ليست غزة وفلسطين بل محاربة الغش والرشوة، فهو لا يعبّر فقط عن ترتيب أولويات اجتماعية؛ بل يعيد صياغة وظيفة المسجد من فضاء جامع يتفاعل مع هموم الأمة إلى فضاء أخلاقي ضيق لا يتجاوز حدود الوعظ الفردي. هذا الاختزال يخدم أجندة فكرية ترى أن الدين لا مكان له في النقاش السياسي أو القضايا المصيرية.
بهذا المعنى، فالخطاب العلماني أو الإلحادي لا يهاجم الدين دوما بشكل مباشر، بل يتسلل عبر شعارات مثل الحياد، والأخلاق، وتجديد الخطاب، حتى ينتهي إلى إقصاء الدين من الفضاء العام. وعندما يجد هذا الخطاب دعما مؤسساتيا، كما هو الحال مع وزارة الأوقاف، يصبح جزء من سياسة رسمية قد تُعيد تشكيل هوية المجتمع على المدى البعيد.
في الختام
إن إشادة شخص مثل عصيد، سبق له أن وصف رسائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالإرهابية، بخطة التوفيق تكشف أن معركة الخطبة الموحدة ليست مجرد خلاف حول مضمون ديني، بل هي صراع على شرعية من يملك حق الحديث باسم المجتمع: هل هو الإمام، أم الوزارة، أم العلماني؟ لكن الأكيد أن المساجد، إذا تحولت إلى نشرات رسمية، ستفقد دورها كمؤسسات جامعة وفاعلة ومؤثرة.
إن حماية الدين من التوظيف السياسي لا تعني وضعه تحت الوصاية الإدارية، ولا تعني أيضا إقصاءه من المجال العام والسماع للوشاية العلمانية، ما نحتاجه اليوم هو إصلاح يحقق التوازن؛ ويعطي مجالا أوسع لحرية العلماء والخطباء والوعاظ، وذلك حتى يلامسوا هموم الناس وحاجياتهم، ويقوموا بدورهم الديني والحضاري والإصلاحي.



