بحلول 7 غشت الجاري، أصبح قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات على إيران ساري المفعول.
هذه العقوبات تشمل: تجارة الذهب والمعادن النفيسة إلى إيران، وشراء أو حصول إيران على الدولارات الأمريكية، وحظر التعاملات المتعلقة بالعملة الإيرانية.
وكذلك عقوبات أخرى على قطاع السيارات والمركبات وشراء الطائرات، مع استثناء صادرات الأدوية والأجهزة الطبية والمواد الغذائية.
منذ عقود تفرض واشنطن عقوبات اقتصادية على طهران، تم رفعها بعد توقيع الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني، عام 2015.
الاتفاق وقعته إيران مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، بريطانيا وفرنسا) إضافة إلى ألمانيا.
وفي 8 مايو الماضي أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات على إيران، بداية من 7 غشت الجاري.
ومن المخطط له أمريكيا أن تبلغ العقوبات ذروتها في 4 نوفمبر المقبل.
بعد انتخاب ترامب رئيسًا، خريف 2016، تبنى سياسة مناهضة لإيران بدت أكثر حزما من أسلافه، بمن فيهم جورج بوش الابن (2000: 2008).
وبوش هو من وضع إيران ضمن ما عرف آنذاك باسم “محور الشر”، الذي ضم إيران إلى جانب العراق وكوريا الشمالية.
** تنسيق أمريكي مع الحلفاء
تنسق الولايات المتحدة سياساتها المناهضة لإيران مع إسرائيل ودول أخرى، منها دول خليجية، وهي: السعودية والإمارات والبحرين.
في حين لا تبدو الدول الخليجية الأخرى، وهي الكويت وقطر وسلطنة عمان، ضمن الدول التي نسقت معها واشنطن في إقرار العقوبات.
وتلتقي الولايات المتحدة والدول العربية الحليفة وإسرائيل على ضرورة اعتماد استراتيجية الضغوط الاقتصادية، لخفض الصادرات النفطية الإيرانية إلى أدنى مستوياتها.
وكذلك استبعاد الشركات والمؤسسات المالية الإيرانية من التجارة الدولية، التي تعود بالإيرادات إلى الميزانية الإيرانية.
ويقول هؤلاء الحلفاء إن نسبة من هذه الإيرادات تذهب إلى تمويل الحرس الثوري الإيراني المشرف على الأنشطة الإيرانية في الخارج.
منذ الانسحاب من الاتفاق النووي، تدعم السعودية والإمارات والبحرين الاستراتيجيات الأمريكية، وفق ما أسماه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بـ “مقاربة بومبيو”، في إشارة إلى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو.
وهذه المقاربة تعتبر أن “توحيد الجهود هو الطريق الصحيح لتدرك طهران عبثية تغولها وتمددها” في المنطقة (الشرق الأوسط)، التي عانت من خطاب وفعل إيراني لا يحترم السيادة والشأن الداخلي.
وترى البحرين، وفق وزارة خارجيتها في 21 مايو الماضي، نفسها “في موقع واحد مع الولايات المتحدة في مواجهة الخطر الإيراني، والتصدي لمحاولات إيران لتصدير العنف والارهاب”.
بينما أعلن العراق، حليف طهران، في 7 غشت الجاري، أن العقوبات الأمريكية “ظالمة إلى حد كبير”، و”لن يتفاعل معها”.
لكنه في الوقت نفسه “سيلتزم بالعقوبات لعدم تعريض العراقيين للضرر ولحماية الشعب العراقي”، من منطلق أن العراق “لا يستطيع الخروج عن المنظومة الدولية الخاصة بالاقتصاد العالمي”.
** حرب اقتصادية
شكلت زيارة بومبيو للإمارات، في 10 يوليوز الماضي، محطة فارقة في السياسات الإماراتية الهادفة إلى تعاون ثنائي أوثق في مكافحة الإرهاب ومنع تمويله، بما فيه من جانب إيران.
كما دفعت الإمارات باتجاه فرض عقوبات جديدة على إيران، رغم حجم التجارة الكبير بين أبوظبي وطهران.
أدى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي إلى تفاقم حدة أزمة الاقتصاد الإيراني، وهو ما بدا واضحا في تراجع أسعار صرف التومان (الريال) الإيراني إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية.
قبل بدء الاحتجاجات الشعبية الإيرانية، نهاية ديسمبر 2017، بلغ سعر صرف التومان الإيراني 42000 تومان مقابل كل دولار أمريكي.
في حين تراجع إلى 65000 قبل إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، ليصل إلى 120000 تومان في السوق السوداء (الموازية).
وتبرز الحرب الاقتصادية المعلنة من الولايات المتحدة ضد إيران بشكل واضح في قطاعي النفط والمال.
وسيكون لإعادة فرض العقوبات تأثير حقيقي في انخفاض عمليات بيع وشراء النفط الإيراني.
إضافة إلى حزمة انعكاسات على النظام المصرفي الدولي، الذي سيقلص تدريجيا حجم تعاملاته مع إيران ووقف التبادل المالي بالعملة الإيرانية.
من المتوقع أن تستجيب دول مجلس التعاون الخليجي للعقوبات الأمريكية من منطلق العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة، التي تؤمن مظلة حماية أمنية للدول الخليجية الست.
وستجد بعض الدول، مثل قطر وسلطنة عمان والكويت، نفسها في موقف بالغ الدقة في خرق العقوبات المطبقة على الدول أو الشركات التي تتعامل مع إيران.
** تراجع التجارة الإيرانية- الخليجية
تراجع إجمالي حجم التبادل الإيراني مع دول مجلس التعاون الخليجي، بعد قطع السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران، يناير 2016.
وأدى قطع العلاقات الدبلوماسية إلى تدهور العلاقات الاقتصادية بين البلدين وكذلك بين إيران والبحرين، فيما انخفضت بشكل واضح مع سلطنة عمان والكويت.
وتمتلك الإمارات علاقات تجارية مع إيران بلغت نحو 11 مليار دولار، عام 2017.
وتشترك قطر مع إيران في أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، وترتبط معها بعلاقات اقتصادية زادت بشكل واضح بعد الأزمة الخليجية، يونيو 2017.
وتحتاج قطر إلى تخطي تداعيات المقاطعة التي فرضتها عليها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ضمن الأزمة الخليجية.
ويتركز احتياج قطر على استخدام المجال الجوي الإيراني في بعض رحلاتها الجوية، واستيراد مواد غذائية وأساسية لسد احتياجاتها كبديل عن دول المقاطعة.
وبلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران من جهة والإمارات والعراق والكويت وقطر والبحرين والسعودية من جهة ثانية نحو 24 مليار دولار، في 2017 والربع الأول من 2018.
وهو ما يمثل زيادة 17 بالمائة مقارنة بعام 2016، أي بفائض عوائد لإيران بلغت 3 مليارات دولار.
** اتهامات إيرانية للإمارات
تدعم الإمارات العقوبات الأمريكية متعددة الجوانب على إيران.
وخلال الأشهر القليلة الماضية اتخذت الحكومة الإماراتية سلسلة إجراءات، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ضد الشبكات المالية الإيرانية المشتبه بارتباطها بأنشطة الحرس الثوري الإيراني.
ونقلت وسائل إعلام عالمية، في 12 يوليوز الماضي، عن وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، سيجال مانديلكر، أن بلادها نجحت بالتنسيق مع الإمارات في “تفكيك شبكة لصرف العملة كانت تنقل ملايين الدولارات إلى فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني”.
في مقابل ذلك، اتهمت إيران، على لسان القائد في الحرس الثوري ناصر شعباني، يوم 6 غشت، الاستخبارات الإماراتية بالضلوع في زعزعة العملة الإيرانية، بحسب وكالة فارس الإيرانية.
الوكالة نقلت عن شعباني أن السلطات الإيرانية اعتقلت 13 متهما بالتلاعب بسوق العملة الأجنبية في إيران، كانوا على صلة بجهاز الاستخبارات الإماراتي، وكانوا مكلفين بشراء الدولار حتى ولو بأسعار مرتفعة ونقله إلى مدينة السليمانية شمالي العراق.
لذلك يمكن القول:
سيكون من المهم لدول مجلس التعاون الخليجي أن تحصل على تأكيد أمريكي بتقديم ما يكفي من الضمانات بعدم السماح لإيران بتهديد حركة الملاحة الدولية في الخليج العربي.
وكذلك عدم السماح لطهران بتنفيذ تهديداتها المتكررة بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره نفط دول مجلس التعاون الخليجي والعراق.
يعتقد مسؤولون أمريكيون أن تخفيف العقوبات الدولية على إيران في عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما (2009-2017)، وفر لطهران عائدات مالية إضافية.
وهي عائدات يقول هؤلاء المسؤولون إنها أتاحت لطهران فرصا أكبر لتعزيز تدخلاتها الإقليمية وتمدد نفوذها عبر دعم القوات الحليفة لها في بلدان المنطقة، وفقا للأناضول.
السلام عليكم . عليكم بمعالجة مشكل في صحيفتكم .المقالات لا تظهر كامله