بعد مغادرة زعيم “البوليساريو”.. أزمة الرباط ومدريد إلى أين؟
هوية بريس – وكالات
41 يوما قضاها زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي في إسبانيا، قبل أن تعلن مدريد مغادرته البلاد، بعدما أثارت استضافته بـ”هوية مزورة” للعلاج من فيروس كورونا، أزمة غير مسبوقة مع المغرب.
وتسارعت الأحداث منذ دخول غالي إلى إسبانيا في 21 أبريل الماضي، لتزداد حدة التوتر عقب تدفق حوالي 8 آلاف مهاجر غير نظامي بين 17 و20 ماي الماضي، من المغرب إلى مدينة سبتة.
والثلاثاء، أعلنت الحكومة الإسبانية، أن غالي سيغادر البلاد، على متن طائرة مدنية من مطار “بامبلونا” (شمال)، معلنة أنها أشعرت المغرب بالموضوع، وهو ما تم بالفعل بعد ساعات.
وجاءت المغادرة بعد رفض القضاء الإسباني الحجز المؤقت على غالي، بعد استدعائه للاستماع إليه في قضايا تتعلق بـ”جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان”، بحسب وسائل إعلام مغربية وإسبانية.
وفي السنوات الماضية، رُفعت ضد زعيم “البوليساريو” شكاوى لدى المحاكم الإسبانية بتهمة ارتكابه “جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان”.
أصل المشكل
قال أستاذ العلاقات الدولية، العمراني بوخبزة، لوكالة الأناضول، إن “المغرب كان واضحا، أصل المشكل ليس هو تواجد غالي فوق التراب الإسباني، بل هو الطريقة التي تم إدخاله بها، دون إخبار الطرف المغربي، وبأوراق مزورة وبهوية مزيفة”.
وأضاف الأكاديمي في جامعة “عبد المالك السعدي” بمدينة تطوان: “أصل الإشكال غير مرتبط بشكل مباشر بهذه القضية (دخول أو خروج غالي)، وإنما مرتبط بمواقف إسبانيا من المصالح المغربية، وخاصة ما يتعلق بقضية الصحراء”.
وأردف: “المغرب كان واضحا، يطالب الآن إسبانيا بتوضيح موقفها من القضية، وخاصة أن هناك أطراف داخل الحكومة الإسبانية، تناصب العداء للمغرب، وتتجه نحو التأثير على القرار داخل الاتحاد الأوروبي”.
وخلص الخبير المغربي إلى أن “خروج غالي من إسبانيا، لن يحل المشكل ولن يخفف من حدة الأزمة”.
وتابع: “طالما أن إسبانيا لم تجب بعد عن الأسئلة التي طرحها المغرب، والمتعلقة بالموقف من قضية الوحدة الترابية للمملكة (إقليم الصحراء)، فلن تجد الأزمة طريقها نحو الحل”.
قصة ثقة
وقبل إعلان حكومة مدريد عن التخطيط لخروج زعيم “البوليساريو” من إسبانيا والعودة للجزائر، بنحو 24 ساعة، أرسل المغرب رسائل إلى جارته الشمالية، تؤكد أن الأزمة “ليست مرتبطة بحالة شخص”.
وقال بيان لوزارة الخارجية المغربية، في 31 مايو الماضي، إن “الأزمة لا تبدأ بوصوله (زعيم البوليساريو) مثلما لن تنتهي بمغادرته”.
وزاد البيان: “إنها وقبل كل شيء، قصة ثقة واحترام متبادل، تم الإخلال بهما، إنها اختبار لموثوقية الشراكة بين المغرب وإسبانيا”.
ويرى العمراني بوخبزة، أن “الثقة ليست مرتبطة بأن غالي دخل بشكل غير قانوني، وخلسة، ودون إخبار المغرب، بل بكون إسبانيا تقوم بممارسات ومواقف تعادي مصالح الرباط”.
وأردف: “في الظاهر تعلن إسبانيا أن ملف الصحراء بيد الأمم المتحدة، لكن في إطار الممارسة، نجد أنها تعادي مصالح المغرب وتساوم مصالح المملكة مع أعدائها”.
وتابع: “المسألة لا ترتبط بشخص، والمغرب يتساءل بشكل واضح، هل يمكن الثقة في إسبانيا وهي تقوم بممارسات أصبحت مكشوفة، ضد مصالحه”.
واستطرد قائلا: “لا يمكن الاعتماد على شريك يخدم أجندة بالتعاون مع أعداء المغرب”.
واستدرك بوخبزة: “سيكون من الصعب إعادة بناء الثقة مع الإسبان، ولربما هناك أطراف إسبانية تطالب بإعادة بناء الثقة، وذلك يحتاج إلى مواقف واضحة وإلى أعمال على أرض الواقع”.
الرغبة في التهدئة
في نفس يوم إعلانها مغادرة زعيم “البوليساريو” لأراضيها، أعلنت الحكومة الإسبانية، رغبتها في عودة العلاقات مع المغرب إلى طبيعتها.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة، ماريا جيسوس مونتيرو، في تصريحات صحفية، إن بلادها تأمل في عودة العلاقات مع المغرب إلى طبيعتها في “الساعات المقبلة”، حسبما نقل موقع “إل بايس” الإسباني.
وجاء الموقف الإسباني في أعقاب رفض المحكمة العليا الإسبانية، احتجاز غالي، على خلفية اتهامات تتعلق بـ”التعذيب” وارتكاب “مجازر إبادة”.
الحل الأنسب
المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، سعيد الصديقي، اعتبر أن مغادرة غالي إسبانيا هو “الحل الأنسب” للأزمة السياسية بين الرباط ومدريد.
وأفاد الصديقي، في حديث للأناضول، بأن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قد أشار في بداية الأزمة، إلى أن “سفيرة المغرب لدى مدريد لن تعود إلا بعد مغادرة غالي الأراضي الإسبانية”.
وتوقع تراجع حدة الأزمة مع مرور الأيام، “وستعود العلاقات الإسبانية المغربية إلى عهدها في فترة وجيزة”.
كما اعتبر الخبير المغربي، أن هذا الحل (مغادرة غالي) “توافق عليه المغرب وإسبانيا”.
واستدرك قائلا: “رغم التعاون الكبير الاقتصادي والأمني بين الدولتين، فإن العلاقات ستظل دائما معرضة لمثل هذه الأزمات”.
وتابع الصديقي: “توجد اعتبارات تاريخية وسياسية مختلفة تعرض العلاقات بين البلدين لمثل هذه الأزمات، من بينها الإرث الاستعماري واستمرار احتلال سبتة ومليلية، ثم الموقف الغامض لإسبانيا من قضية الصحراء”. (عن الأناضول).