بعد مناظرته مع عصيد.. لحلو يمثل جيلا جديدا من المثقفين

23 يوليو 2025 20:43

هوية بريس – سعيد حجي

تابعت المناظرة التي جمعت أحمد عصيد بمحمد طلال لحلو، فوجدت نفسي أمام مشهد لا يعكس فقط اختلافا في الأفكار، بل في أدوات التفكير ذاتها. المناظرة بدت غير متكافئة منذ اللحظة الأولى، لا من حيث السن أو التجربة، بل من حيث المنهج: شاب يتحدث من منطلق اقتصادي علمي محض، بلغة تحليلية رصينة، في مقابل خطاب أدبي إنشائي يسبح في بحر من التعميمات والمواقف الأيديولوجية المسبقة…

طلال لحلو لم يكن مجرد طرف في مناظرة، بل كان يمثل جيلا جديدا من المثقفين: المثقف الباحث، لا المثقف المتكلم. لم يكتف بالقراءة، بل انغمس في البحث العلمي في عمقه، حاملا أطروحته للدكتوراه من بريطانيا حول التمويل الإسلامي والاقتصاد الأخلاقي، واضعا نصب عينيه سؤالا جوهريا: هل يمكن للإنسان أن يبني اقتصادا عادلا دون أن يتجرد من قيمه؟ لقد كتب، لا ليناقض الغرب، بل ليفهمه، ليفكك آلياته من الداخل ويقترح بديلا لا يقوم على الربح وحده بل على التوازن: بين المادة والمعنى، بين السوق والإنسان…

مناظرة واحدة كانت كافية لتكشف أن “المثقف العضوي” الحقيقي، بتعبير غرامشي، ليس من يصرخ أكثر، بل من يعرف ما يقول ولماذا يقوله. طلال لحلو لم يكن يرد على عصيد فقط، بل كان يضع أمامه مرآة لفشل خطاب “التنوير التلفزيوني” الذي لم ينجح يوما في إنتاج بديل، بقدر ما اكتفى بنقد القديم…

بلغة الاقتصاد، كان طلال يُوازن المعادلة. وبالمنطق العلمي، كان يُعيد تعريف المعنى وسط فوضى الشعارات.

لقد كان واضحا أن الحوار بين رجل ينهل من لغة السوق والمؤسسات، وآخر يلوذ بالأدبيات المجردة، يشبه حوارا بين من يتحدث بلغة الهندسة ومن يرد بلغة الشعر. وشتان بين من يبني بناء ومن يصفه فقط…

طلال، الذي ألف كتبه بعد بحث دقيق، مثل “La Crise parfaite”. لم يكتب ليُدافع عن تصور ديني ضيق، بل ليضع بديلا شاملا يقارب الاقتصاد من منطلق أخلاقي وفلسفي، كما كان يفعل بعض مفكري مدرسة فرانكفورت، الذين ربطوا الاقتصاد بالمعنى والوجود..

أطروحته المصنفة ضمن أفضل البحوث في علم الاقتصاد لم تأت من فراغ. لقد كان ينقب في سؤال العصر: لماذا فشلت الرأسمالية في ضمان الكرامة للإنسان؟ وهل البديل الإسلامي قادر على أن يقيم ميزان العدالة دون أن يسقط في فخ البقاء على الجمود؟ كانت إجاباته ناضجة، علمية، وواقعية…

في زمن المثقف الذي يتماهى مع الإثارة، جاء طلال لحلو ليُذكرنا أن الكلمة الجادة ما زالت ممكنة، وأن العقل المتزن لم يمت، وأن النقاش الجاد لا يصرخ، بل يقنع…

ربما كانت هذه المناظرة مجرد لحظة إعلامية عابرة، لكنها في عمقها شكلت فاصلا بين زمنين: زمن الشعارات، وزمن الأثر…

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة