شهدت العلاقات الثنائية بين المغرب والأردن، في الآونة الأخيرة تقارباً لافتاً، حيث كان من أبرز تجلياته القمة الثنائية التي عقدت في الدار البيضاء بين العاهلين الملك محمد السادس، والملك عبد الله الثاني، في 28 و29 مارس الماضي، وما تلاها من تداعيات على الساحة العربية والإسلامية والدولية.
ولتحليل هذه التداعيات توجهنا إلى الكاتب والمحلل السياسي المغربي بلال التليدي بأسئلة يبرز من خلالها أبعاد هذه العلاقة، وهذا التحالف المغربي الأردني.
هوية بريس:ما هي العوامل والأسباب الرئيسة لهذا التقارب بين المغرب والأردن؟
ثمة أكثر من عامل يفسر التقارب المغربي الأردني، أولها ما يتعلق بتطابق وجهات النظر والمواقع منذ أكثر من ثلاث عقود، فالمغرب والأردن يدخلان منذ مدة في دول محور الاعتدال، وقد كان لهما دور مهم في تقريب وجهات النظر داخل منظومة العمل العربي، وكان لدورهما أثر في إنتاج المبادرة العربية التي تعتبر لحد الآن الحد الأدنى للموقف العربي المشترك بشأن قضايا الشرق الأوسط وبشكل أخص قضية تسوية الصراع العربي الصهيوني، ثاني هذه العوامل، أن الملكيات بعد الربيع العربي وضعت تحت تهديد الاستهداف أو الابتزاز الأمريكي، وأن المغرب والأردن معا، نظرا لدورهما الاستراتيجي، كانا مطلوبين من قبل دول الخليج لتوسيع مؤسسة مجلس التعاون الخليجي، وأنهما كانا ينسقان جهودهما في هذا الاتجاه لولا التخلي الخليجي عن عضويتهما، ثالث هذه العوامل، وهو المتغير الجديد الذي برر رفع العلاقة بين البلدين للدرجة الاستراتيجية، وهو تهميش دور الأردن في الشرق الأوسط وتعريض المغرب للحرج من جراء تسابق بعض الدول الخليجية بشراكة مع مصر للقيام بأدوار مفترضة في صناعة واقع جديد للشرق الأوسط (صفقة القرن) يضر بوضع الأردن ويحرج المغرب باعتبار ملكه رئيسا للجنة القدس، إذ يجري التنسيق وصياغة واقع للقدس يختلف عما قررته المبادرة العربية والاتفاقيات الدولية، إذ يعتبر أي مسعى لمزيد من التهويد لقدس مضرا بوضعية المغرب الاعتبارية بصفة ملكه رئيسا للجنة القدس.
هوية بريس:إلى أي حد يمكن اعتبار هذه القمة تحولا في العلاقة المغربية-الأردنية مع دول الخليج؟
ليس هناك من خيار أمام البلدين سوى الاتجاه لتطوير العلاقة بينهما وتنسيق جهودهما في مواجهة مساعي عزلهما وتعريضهما للحرج، فاليوم تمتد استراتيجيات بعض دول الخليج لتهديد قواعد التوازن الاستراتيجي للمغرب في منطقة المغرب العربي، فالتدخل في ليبيا لجهة تقوية حفتر ليسيطر على الأراضي الليبية، يضر بكل الجهود التي بذلها المغرب من أجل المصالحة بين الأطراف في ليبيا، ومن شأنه أن يخلق بؤر توتر تضر بالاستقرار في المنطقة، كما أن دخول الإمارات على خط التطورات في الجزائر، والاستفزاز الخليجي للمغرب في قضيته الترابية في عدد من المعالجات الإعلامية في قنوات رسمية مقربة لصناع القرار السياسي في السعودية والإمارات، كل ذلك يدفع المغرب للتفكير في استراتيجيات جديدة لفك العزلة ومواجهة هذه السيناريوهات، والأمر نفسه بالنسبة للأردن التي كانت تشكل طرفا رئيسا في كل عملية تسوية، وكانت فاعلا رئيسا في التهدئة، فأصبح دورها هامشيا وغير مرغوب فيه في المنطقة، فضلا عن وجود سيناريوهات تضر بالمصالح الأردنية في ترتيب خارطة المنطقة ووضعية الصراع العربي الصهيوني.
هوية بريس:لماذا كانت دول الخليج مهتمة بتوطيد العلاقة مع المغرب والأردن؟
اهتمام دول الخليج بتطوير العلاقة مع المغرب في السابق كان يدخل ضمن سياق أمني وسياسي ودبلوماسي وديني، فالعلاقات المغربية الخليجية كانت ترتبط بتحصين منظومة الأمن الخليجي، وبإرساء قواعد علاقات دولية ضمن المجموعة العربية ترعى هذا الاعتبار الأمني، فالتوسع والامتداد الإيراني في المنطقة، افترض تنسيقا عربيا ممتدا لعب فيه المغرب دورا استراتيجيا، كما أن الاعتبار تحصين الجبهة السنية، ووقف التمدد الشيعي في المنطقة العربية كان يفترض تقوية هذه العلاقة ورعايتها، أما بالاعتبار السياسي، فالمغرب لعب دورا مركزيا في وقف التمدد الناصري العروبي في المنطقة والذي كان يستهدف الأمن الخليجي في المنطقة، كما لعب المغرب دورا رئيسا في إبقاء المبادرة في صناعة الحد الأدنى من الموقف العربي المشترك في جهة محور الاعتدال، فضلا عن الاعتبارات التجارية والاستثمارية والعلاقات الثنائية المتبادلة، فقد شكل المغرب منصة خصبة للاستثمارات الخليجية، كما أمد دول الخليج بعمالة فنية مدربة، كما وضع المغرب خبرته الأمنية أمام دول الخليج، وساهمت قوى الأمن المغربية في تقوية البعد الأمني لاسيما في الإمارات.
هوية بريس:هل من الممكن أن تولد هذه الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والأردن ضغوطا على البلدين؟ وإن كانت هناك ضغوطات، ما هي السياسة التي يمكن أن ينتهجا المغرب والأردن كرد فعل؟
ليس بالضرورة، فهذه الشراكة هي احتياطية وليست هجومية، تقوم تنبيه صناع القرار العربي، لاسيما منه الخليجي والمصري، بأن التواطؤ صناعة سيناريوهات تجهز على المشترك العربي الذي تم التعبير عنه في المبادرة العربية، والتدخل في بعض المناطق لزعزعة استقرارها كما هو الحال في منطقة شمال إفريقيا، يمكن أن تكون له مفاعيل سلبية على الأمن الخليجي وعلى المصالح العربية المشتركة، كما يشكل في ذات الوقت رسالة تحذيرية تنبئ عن وجود خيارات أخرى يمكن أن يلجأ إليها المغرب والأردن في حالة الإصرار على ضرب مصالحهما.
هوية بريس:ما هي الرسالة أو الرسائل التي يمكن استخلاصها من تصريح وزير الخارجية المغربي: “مستعدون للتنسيق مع دول الخليج لكن ليس حسب الطلب”؟
وزير الخارجية المغربية استثمر مناسبة بناء العلاقة الاستراتيجية بين المغرب والأردن، للكشف عن موقف المغرب اتجاه السعودية والإمارات، فقد تعمد ناصر بوريطة أن يصف العلاقات مع هذين البلدين بكونها تاريخية وعميقة، دون أن يذكر بالطابع الاستراتيجي لها كما كان يفعل في السابق، مما فهم منه توصيف طبيعة العلاقة في الماضي، وليس الحال والمستقبل، كما أنه كشف عن جوهر التوتر مع هذه الدول، والتي ترجع إلى أسباب منهجية، ترتبط بشكل بناء العلاقة وشكل تعامل السعودية والإمارات مع المغرب، فالواضح من خلال تأكيد وزير الخارجية المغربي لأكثر من مرة على الطابع السيادي للدولة المغربية، أن السعودية والإمارات تريد التعامل مع المغرب كما ولو كان دولة تابعة تقوم بما يطلب منها في سبيل الحصول على مليارات من الدولارات.
لم يكشف السيد بوريطة بالتحديد عن نوع الطلب الذي وجه للمغرب، ووضع كمحدد للعلاقة بينه وبين السعودية والإمارات، فقد أكد أكثر من مرة أن المغرب لا يمكن أن يوضع تحت الطلب، وأن العلاقة بينه وبين دول الخليج ينبغي أن تبني على الرغبة المتبادلة، لكن واضح من خلال إشارته للخلاف المغربي السعودي والإماراتي حول قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالأخص الأزمة الليبية، أن كلفة مسايرة الطلب السعودي والإماراتي، تهدد المصالح الاستراتيجية للمغرب سواء في وضعه ودوره في الشرق الأوسط وبالأخص القضية الفلسطينية وقضية القدس تحديدا، أو دوره في المصالحة في ليبيا، ومحاولة تحصين الاستقرار في شمال إفريقيا، وليس من المستبعد أن يكون جزء من الطلب السعودي الإماراتي مهددا لقاعدة الاستقرار السياسي داخل المغرب، ما دام محدد الحقد والكراهية للإسلاميين هو ما يطبع السياسة الخارجية السعودية والإماراتية في تعاملها مع العالم العربي وتحولاته الديمقراطية، فقد أبان المغرب لمرتين عن عدم مسايرة للرهانات السعودية الإماراتية في التعاطي مع الإسلاميين، وذلك سنة 2013 الذي تزامن مع خريف الديمقراطية في العالم العربي، وسنة 2017 الذي تزامن مع انتهاء الولاية الأولى للإسلاميين، وتصدرهم لنتائج الانتخابات في انتخابات 7 أكتوبر 2016.
إلى اللحظة لا تزال العلاقات المغربية الخليجية (السعودية الإماراتية) في وضعها الجامد، ويبدو من خلال تلويح المغرب باستعداده للبحث عن بدائل، أن ثمة شروطا مغربية تنتظر إجابة، وأن الإعراض السعودي والإماراتي عن هذه الشروط، والإمعان في الاستفزاز والابتزاز، أملى على المغرب أن يتجه إلى لغة التصعيد، قد يتساءل البعض عن خيارات وبدائل المغرب، ودرجة قوتها في مواجهة الأوراق السعودية الإماراتية، والمرجح استقراءا لخيارات اعتمدها المغرب في تدبير بعض التوترات الدبلوماسية مع بلدان تمتلك أوراق ضغط أكبر كفرنسا، أن أوراق اعتماده في الرد، لن تظل مقتصرة عن توجهات لمحاور دولية (قطر – تركيا أو حتى إيران) تضر بمصالح السعودية والإمارات في المنطقة، وتعوض الاستثمار الإماراتي والسعودي، وإنما قد يلجأ في حالة الإضرار بمصالحه الحيوية لخيارات جد مؤلمة، قد تؤثر في إعادة صناعة أوضاع داخلية بهذين البلدين.