بنحمزة وعصيد.. وجها لوجه (1)
هوية بريس- محمد زاوي
1-المرجعية الحديثية في النقد
ينسب أحمد عصيد للدكتور مصطفى بن حمزة قوله: “من يسمع أحاديث البخاري أو يقرأها، فكأنه يسمعها من الرسول مباشرة”؛ فيردّ على ذلك بقوله إنه “لا يصح من حيث المرجعية الفقهية الإسلامية”، مستشهدا باعتراضات الذهلي والدارقطني والنووي وابن حجر والباقلاني وأبي حامد الغزالي وابن حزم والسيوطي والبغدادي والألباني… الخ.
وفي هذا ينبَّه عصيد إلى ما يلي:
– فما نسبه لابن حمزة، أو ما فهمه من كلامه، لا ينطق به المبتدؤون في علم مصطلح الحديث. فليس في البخاري المرفوعات فقط، بل الموقوفات أيضا؛ وكله من الحديث لا من السنة. وتعامل أهل التخصص مع المرفوعات، يختلف عن تعاملهم مع الموقوفات. فالأولى صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءت بشروط الصحيح: “الاتصال، والسلامة من الشذوذ والعلة، وعدالة وضبط الرواة”. أما الثانية فيميز العلماء بين ما جاء منها في الغيبيات والتوقيفيات، وما جاء في غيرها. وهذا مما لن يغفله ابن حمزة وقد وعاه مبتدئة الحديث.
– ولا يُحمَل كلام الدكتور ابن حمزة على وجه التحقيق العلمي دائما، لأن السجال ليس بين العلماء، بل هو خطاب يوجهه الدكتور للعامة في شرط التداعي على السنة والبخاري؛ ولا يستقيم أن تتم مناظرة بين طرفين التفاوت بينهما كبير. ليس كلام ابن حمزة موجها للمتداعين على “البخاري”، بل لمن قد يفتن بهم. أما أولئك فلا تخصص أتقنوه، لا في علم الحديث (وعلوم الشريعة عموما)، ولا في علوم أخرى. وإلا فأين بحوثهم واجتهاداتهم فيما يدعون، أي في الاقتصاد والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ واللسانيات والفيلولوجيا وغيرها… فيم سيناظرهم ابن حمزة إذن؟
– أما الاعتراض على “البخاري” ونقد “البخاري” فلم يمنعه الفقهاء وعلماء الحديث، بل إن البخاري نفسه لا يقول به. ولكن، من له حق نقد الحديث؟ وما مسالك ردّه؟ في هذا يتكلم الدكتور ابن حمزة، فيقصد بكلامه من لا يتوفرون على شروط الاجتهاد في مسائل “الجرح والتعديل” و”نقد المتن”. هؤلاء ليسوا هم الدارقطني ولا ابن حجر ولا البغدادي ولا الألباني… الخ.
– ومن أتى بهم عصيد كحجة على ابن حمزة، قائلا إنهم عقبوا على البخاري ونقدوه؛ ليسوا سواء، بل منهم من بضاعته في الحديث أضعف من باعه في الأصول والمنطق والفقه والكلام (الإمام الغزالي)، وقد وجِد في كتبه ضعيف الحديث والتي لم يوجد لها أصل (في “الإحياء”).
بعد ذلك ينتقل عصيد للقول: “معظم أحاديث البخاري آحاد، ويعرف د. ابن حمزة أن الحديث الآحاد مشكوك فيه”. وهذا خطأ فادح في علم المصطلح، ليس صاحبه بأهل للرد على الدكتور ابن حمزة. فالأحاديث الآحاد، ومنها المشهور (مَروي ثلاثة) والعزيز (مروي اثنين) والغريب (مروي واحد)/ باصطلاح ابن حجر العسقلاني في “نخبة الفكر” لا البيقوني في “البيقونية”، (الأحاديث الآحاد) صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك تكون حجة لا في العبادات والمعاملات والأخلاق فحسب، بل في العقائد أيضا. فمن أين جاء عصيد بقوله: “مشكوك فيها”؟
ويسأل عصيد الدكتور ابن حمزة: “هل يعتبر البخاري شخصا من البشر أم من غير البشر؟”، ثم يقول: “فإذا كان البخاري من البشر فعمله بشري يحتمل الصواب والخطأ، ما يعني قابليته للنقد والتصويب”. ولا نظن أن ابن حمزة ينزع البشرية عن البخاري، فذلك ما لم يفعله حتى أشد المرتبطين بالأثر والحديث كالألباني مثلا. الاختلاف حول: “من هو مؤهل لنقد الحديث؟”. والذين تحدّهم المعايير المتداولة والمعتادة، أي ألا يقبل على نقد الحديث إلا أهل الحديث؛ أولئك يبحثون عن مبررات ومسوغات لعملهم خارج تلك المعايير. أما فقهاء الحديث، فيفحصون الحديث بمعاييره، ويرون في البخاري صاحب رواية ومعيار. فإما يفندون روايته، وإما معياره؛ وكله بمعيار وخاص بأهل الصنعة.
(يتبع)