بنكيران.. الغائب الحاضر في المشهد المغربي
هوية بريس – متابعات
على غير عادته بإبداء الرأي في الشأن العام، توارى رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران، عن المشهد السياسي منذ أشهر، ولم يعد يدل بتصريحات، أو ينقل تعليقاته بتقنية البث المباشر بوسائل التواصل الاجتماعي.
غياب أثار الكثير من التساؤلات والتكهنات، حيث يعده البعض مجرد “خطوة للوراء من أجل خطوتان إلى الأمام”، لا سيما مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المزمعة العام المقبل.
فيما يرى آخرون، أنه تواري، جاء بسبب الهجوم الذي يتعرض له “بنكيران” الأمين العام السابق لحزب “العدالة والتنمية” (قائد الائتلاف الحكومي) بين الفينة والأخرى، رغم عدم تقلده مناصب سياسية أو حزبية منذ إعفائه من رئاسة الحكومة (2017)، وهو ما جعل الرجل يختار الخروج من اللعبة السياسية.
الغريب أنه رغم تواري بنكيران عن الأنظار، إلا أن اسمه يظل حاضرا في المشهد السياسي بسبب قوة مواقفه السابقة.
ففي الوقت الذي تسابق البلاد الزمن لدعم الفقراء والمتضررين من تداعيات كورونا، يستحضر نشطاء كيف كان بنكيران سباقا في الدفاع عن الدعم المالي للفقراء، أثناء محاولته تشكيل الحكومة عام 2017.
أسباب الغياب
بعدما كان بنكيران يختار بدقة متى يخرج للعامة، خصوصا في ظل اندلاع نقاشات تهم الرأي العام، كما وقع إبان التصويت على قانون فرنسة التعليم، غيّر رئيس الحكومة السابق من استراتيجيته التواصلية، واختار التواري عن الأنظار إلى حين.
عبد الصمد بلكبير، الباحث في العلوم السياسية، يفسر صمت بنكيران، وخاصة خلال أزمة كورونا، بحرص الرجل على “عدم التأثير على المبادرة الملكية التي كان لها دور كبير في محاربة كورونا، من خلال الإعلان عن صندوق للدعم، بالإضافة إلى ترك فرصة للحكومة في تدبير البرنامج الملكي للعمل بهدوء”.
وقررت السلطات المغربية منتصف مارس الماضي، إنشاء صندوق خاص لمواجهة كورونا، بمبلغ 10 مليارات درهم (مليار دولار)، لتمويل تأهيل المنشآت الصحية، ولدعم قطاعات أكثر تضررًا من الفيروس، كالسياحة، والتخفيف من التداعيات الاجتماعية للجائحة.
وبحسب بلكبير، الذي تواصل مع بنكيران مؤخرا، فإنه طرح على رئيس الحكومة السابق “أسئلة بخصوص الوباء، خصوصا الأسئلة ذات الطبيعة الإنسانية، وذات البعد الديني، وهو ما يقتضي على بعض رجالات الدولة (مثل بنكيران) تقديم أجوبة عنها”.
ويقول بلكبير في حديثه لوكالة “الأناضول”: “وعدني بنكيران أنه سيفعل، ويدلي بتصريحات بهذا الخصوص، إلا أنه بقي على نفس الموقف بلزوم الصمت”.
وهو ما يمكن تفسيره بحسب بلكبير، “إما أن جهات (لم يحددها) طلبت منه ذلك، وإما أنه فضل الانسحاب تحضيرا لما يمكن أن يقع في البلاد، التي ممكن أن تكون في حاجه إليه مستقبلا”.
ويعتبر بلكبير، أن “حضور بنكيران من خلال مواقفه يعتبر أمر ضروري، بالنظر إلى احتمالات الردة في البلاد من الناحية الديمقراطية، إذ لاحظنا مؤخرا دعوات إلى حكومة تكنوقراط”.
ويلفت الباحث المغربي إلى أن “غياب بنكيران أحدث فراغا كبيرا في المشهد السياسي”.
ويقول إن “بنكيران استطاع، من خلال ترأسه سابقا للحكومة المغربية، مصالحة المواطنين مع السياسة، بل ساهم في إشراك عدد كبير منهم في العمل والنقاش السياسي، في الوقت لذي يُنفّر بعض السياسيين، المواطنين من السياسة”.
وخلال ندوة في ديسمبر الماضي، أرجع بنكيران، احتجابه عن الأضواء إلى “أسباب شخصية وحزبية” (لم يوضحها)، لافتا إلى أن كلامه يزعج البعض (لم يحددهم).
وسبق لقياديين في “حزب العدالة والتنمية”، أن انتقدوا تصريحات إعلامية لبنكيران، وطالبوه بعدم التدخل في قرارات الحزب، حتى لا يؤثر على القرارات الحكومية نظرا لما يتمتع به من مكانة رمزية لدى الأعضاء.
ورغم ذلك، يقول عبد العزيز أفتاتي، القيادي بـ”العدالة والتنمية”، في تصريح للأناضول إن “صمت بنيران يحمل في طياته أيضا رسائل”.
ويضيف أفتاتي: “من الممكن ألا تكون هناك ضرورة لتصريحاته في هذا الوقت، ويمكن أن تكون هناك ضرورة ومقرون ذلك بصمت، وذلك في حد ذاته رسالة”.
مستقبل الرجل
وكان بنكيران، يخرج بتصريحات لا سقف لها بين الفينة والأخرى، خصوصا في ظل القضايا الكبرى التي تستأثر باهتمام الرأي العام، مثل “فرنسة” التعليم أو قضايا فلسطين.
ففي يوليو، انتقد بنكيران، حزب العدالة والتنمية، بعد مصادقة لجنة برلمانية على مشروع قانون يعتمد الفرنسية في التعليم، ويتعلق الأمر بقانون لإصلاح التعليم، تسمح إحدى بنوده بتدريس بعض المواد باللغة الفرنسية.
وبحسب مراقبين، فإن طريقة تصويت أعضاء “العدالة والتنمية” على اختيار الأمين العام لحزبهم، يمكن أن تعيد بنكيران إلى رئاسة الحزب.
خصوصا أن كل عضو من أعضاء المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب) يختار 3 أسماء، ويصعد 3 أسماء الأكثر حصولا على الأصوات إلى المرحلة النهائية التي تشهد تصويتا نهائيا.
وفي هذا الصدد، يعتر أفتاتي، أن “الاتجاه الإصلاحي لا يمكن اختصاره في أشخاص وزعامات، في حين يبقى أداء المؤسسات محدودة”.
وبحسب المتحدث، فإن “حزب العدالة والتنمية بمثابة مدرسة ينبغي لها أن تستمر في كل الأحوال، ولا يمكن أن ترتبط بأشخاص أو بمرحلة معينة”.
ويوضح أن “ربط المؤسسة برجل معين أو بأشخاص، يكن له نوع من التنويم لهذه المؤسسة”.
وفي نفس الوقت، يذهب أفتاتي إلى أن “الأمور الإصلاحية تتم بالزعامات والأشخاص بدون شك، ولكن تتم أيضا بالمؤسسات والعمل الجماعي وتجديد النخب والأساليب”.
ويلفت إلى أن حزبه “يضم أكثر من جيل في هيئاته، إذ تضم الأمانة العامة مثلا أكثر من جيل، بما فيهم الشباب”.
ومنذ عام 2008 شغل بنكيران منصب الأمين العام لـ”العدالة والتنمية” لولايتين متتاليتين، قبل أن يرفض المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب)، تعديلات على قانونه الداخلي تسمح له بالترشح لولاية ثالثة، أواخر 2017.
وفي تلك الفترة، قاد بنكيران “العدالة والتنمية”، للمرة الأولى في تاريخه عام 2011، إلى تصدر الانتخابات البرلمانية.
وبينما تراجعت أسهم الإسلاميين في المنطقة، تحت وطأة التحركات المناهضة لثورات “الربيع العربي”، تمكن الحزب من تصدر انتخابات 2016، ما جعل بنكيران رقما صعبا في المعادلة السياسية بالمملكة.
وبين عامي 2011 و2017، تولى بنكيران رئاسة الحكومة، قبل أن يتم إعفاؤه من جانب عاهل البلاد، عقب تعثر تشكيله لحكومة جديدة، بعد تصدر حزبه نتائج الانتخابات في أكتوبر 2016.
ووفق “الأناضول” منذ تاريخ إعفاء بنكيران، في 17 مارس 2017، من تشكيل الحكومة، فقد حزبه الكثير من بريقه، وجرت مياه كثيرة تحت جسر الحزب، حيث شهد إحدى أكبر الأزمات في تاريخه، بعد تصاعد حدة الخلاف بين قياداته حول قراءة الحزب للحظة السياسية التي تعيشها المملكة، والنتائج التي أدت إليها.
قضى غرض و مشا يستراح مسكين.
يقول “حبب المغاربة في السباسة،”
العكس هو الصحيح
المغاربة كرهوا السياسة و أبغضوا مراهقي السياسة مدمني الكراسي و التعويضات و المصالح الشخصية و اشمأزوا من شيء اسمه “العدالة و التنمية” و من وجوهها.