بنكيران يكتب: احتضار الخطابة وموت الخطيب

15 سبتمبر 2025 22:37

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

لو تأملنا في قصة الخطيب المُقال في واقعة المقامة الطوطية بشيء من الإنصاف والكرامة، لتبين لنا أن القائمين على الحقل الديني لا يريدون خطباء أحرارا ذوي فكر حي ورؤية ناضجة، بل يصرون على تحويلهم إلى دمى مبرمجة، تتحرك وفق ما خُطّ لها سلفا، فلا تملك إرادة ولا اجتهادا خارج الحدود المرسومة لها.

فالخطيب المقال لم يعتل منبر الجمعة، ولم يلق خطابا رسميا في مسجد، وإنما كتب رأيا على صفحته الخاصة في فيسبوك، رأيا يندرج في صميم حقه الطبيعي كإنسان حر، مسلم، مواطن، مثقف، ومسؤول. وقد صاغه بلغة مؤدبة، بعيدة عن السب والقذف. ومع ذلك، اعتبره أولياء الشأن الديني قد تجاوز الخطوط الحمراء وتمرد على البرنامج المرسوم، وكأن الخطيب ليس سوى دمية، وهل ينتظر من الدمى أن تتحرك خارج السرب!!؟؟

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة ما دامت الغطرسة والشطط يحكمان المشهد في وزارة الأوقاف. فأنا نفسي أحد الخطباء الذين أُقيلوا بعد عقدين من الخطابة، لا لشيء سوى أنني تحدثت على جداري في فيسبوك عن قضايا اعتبروها ـ بوصاية جائرة ـ ذات طابع سياسي!!!

وحتى لو فرضنا جدلا أنها ذان طابع سياسي، أين المشكل!!؟ هل الإسلام فيه فصل بين الدين والسياسة!!!؟

ومتى كان الحديث عن غلاء الأسعار سياسة!!!؟، أو الحديث عن التضييق على مرافق المساجد أيام كورونا وقد فتحت جميع مرافق الدنيا سياسة!!!؟

ومتى كان الحديث عن اللغة العربية في التعليم والمستوى الضعيف لنتائج التربية والتعليم سياسة!!؟

ومتى كان الفساد الاخلاقي في المؤسسات سياسة!!!؟

وهل الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي عن هذه الموضوعات ذات الطابع السياسي حسب تعبيرهم خطأ يستدعي العزل والإقصاء من منبر خطبة الجمعة!!!؟

هذا، وإذا أضفنا إلى سلوك الإقصاء أو ما يمكن تسميته إلى المنهج الطوطي في التعامل مع الخطباء… قلت إذا أضفنا إلى ذلك مشروع الخطب الموحدة بما يعتريه من قصور شديد في تغذية الناس بالزاد الروحي والوعي السديد، مقابل تضييق على تكميم أفواه الخطباء في الفضاءات العامة ووسائط التواصل، أدركنا أننا أمام مشهد معلن لاحتضار الخطابة وموت الخطيب الشرعي.

والأدهى والأحزن أن بعض الخطباء انجرفوا -عن قناعة أو عن خوف- للدفاع عن هذا النموذج الممسوخ للخطيب الدمية، وكأن الأمر لا يعنيهم، مع أنه يمس لب رسالتهم وكرامتهم وحرية دينهم. ويا للعجب، أن ترى خطيبا يتسابق إلى التخلي عن دوره الرسالي، ويتحول بملء إرادته إلى دمية صماء، ثم يكسو ذلك بتأصيلات أوهى من بيت العنكبوت!!!

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة