بن شماش: الطبقة الوسطى بالمغرب لا تتجاوز 15 في المائة وإنصافها مسألة مستعجلة
هوية بريس – و م ع
نبه رئيس مجلس المستشارين، حكيم بن شماش، اليوم الأربعاء بالرباط، إلى الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية السلبية الناجمة عن تراجع قاعدة الطبقة الوسطى بالمغرب، مشيرا، استنادا إلى بعض التقارير ومنها التقرير الصادر عن البنك الدولي في سنة 2017 تحت عنوان” المغرب في أفق 2040، الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي”، إلى أن الطبقة الوسطى بالمغرب لا تتجاوز عتبة 25 في المائة من مجموع الساكنة،بل إنه مع مراعاة العديد من الأعباء والتكاليف الإضافية، على غرارغلاء العقار ، غلاء كلفة التعليم الخصوصي، ضعف وسائل النقل العمومية ذات الجودة، ضعف جودة المنظومة الصحية العمومية، التغطية الصحية المحدودة ومستويات عالية لمساهمات الأسر المعيشية في الإنفاق على الرعاية الصحية…. ، فإن هذه النسبة تتقلص إلى 15 بالمائة فقط ، وهو مايعادل حوالي 5 ملايين نسمة من إجمالي ساكنة تناهز 34 مليون نسمة.
وأبرز بن شماش، أن البنك الدولي ينطلق من فرضية أن الأسرة المعيشية يمكن أن تلج إلى الطبقة الوسطى عندما تتوفر على دخل للفرد الواحد يعادل 10 دولارات أمريكية في اليوم الواحد، أي 1,200 دولار أمريكي شهريا لأسرة مكونة من أربعة أفراد، وطبقا لهذه الفرضية، فإن 25 بالمائة فقط من ساكنة المغرب تنتمي إلى هذه الطبقة الوسطى؛ وهذه حالة فريدة من نوعها مقارنة بأهمية الطبقة الوسطى في الدول الناشئة (50 بالمئة في البرازيل أو تركيا أو في البلدان التي توفقت في إقلاعها الاقتصادي).
وقال بن شماش، في الجلسة الافتتاحية للمنتدى البرلماني الدولي الخامس للعدالة الاجتماعية، المنظم من طرف مجلس المستشارين،بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إن هناك الكثير من المؤشرات التي يمكن أن نعرف من خلالها مدى تآكل الطبقة المتوسطة؛ والتي من بينها تمدد الطبقة الفقيرة، أو اتساع الفجوة بين الطبقة العليا والطبقة المتوسطة، كذلك يوضح مؤشر آخر مدى تأزم الوضع، وهو المستوى المرتفع لمديونية الأسر، الذي سجل 30 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2017، 64 في المائة من المديونية قروض عقارية، و36 في المائة قروض استهلاكية، وهي نسبة مرتفعة كثيرًا مقارنة بالنسب العالمية، لكنها كذلك انعكاس لحجم الديون التي يعاني منها المغرب الذي يعتبر الأول عربيًّا وأفريقيًّا من حيث نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي
وأكد بن شماش، في افتتاح هذا المنتدى المنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، أن هذه الوضعية ستعيق ليس فقط الفئات الوسطى من لعب أدوارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمساهمة في تنمية وتطور البلد، بل لها أيضا انعكاس سلبي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لبلادنا، بل وهناك مخاوف من أن تُفضي هذه الوضعية الى نتائج وخيمة على مستوى التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي.
واعتبر رئيس مجلس المستشارين، أن إنصاف الطبقة الوسطى عن الأضرار الناتجة عن الأعطاب التي أعاقت المصعد الاجتماعي، مسألة مستعجلة لإنجاح أي نموذج تنموي، وبالتالي يجب أن يفتح النموذج التنموي الجديد الآفاق أمامها، وأن تكون حاضرة على مستوى مراكز القرار، سواء داخل الدولة أو في المؤسسات العمومية أو الجهات، وكذلك على مستوى استفادتها من عائدات النمو، ومن الفرص التي ستفتح من خلال العمل على تنزيل المساواة بين المواطنين، وتخليق الحياة العامة، والقضاء على جيوب ومشاتل الريع، وإشراكها في الحياة السياسية.
وأوضح بنشماش أن موضوع الطبقة الوسطى يشكل قضية مهمة وتحديا مجتمعيا ذا اشكاليات كثيرة ومتعددة، وهو موضوع محوري ويشغلنا جميعا وعلى كافة المستويات. وبالتالي، يضيف بن شماش، فإن الهدف من نقاشنا العمومي والتعددي اليوم هو إثارة انتباه مختلف الفاعلين، وخاصة من يوجدون منهم في مواقع صناعة القرار، إلى ضرورة الوعي بأهمية الطبقة الوسطى ودورها في المجتمع، غير أن هذا الوعي يجب أن يقترن بإرادة سياسية قوية تجعل هذه الطبقة في صلب نموذجنا التنموي المنتظر صياغته، على اعتبار أنها ستلعب دورا أساسيا في إنجاحه وأنه يجب الإيمان بأنه لا يمكن لبلادنا أن تحقق إقلاعها الاقتصادي وتحافظ على سلمها وتماسكها الاجتماعيين دون صيانة وتوسيع هذه الطبقة التي تشكل صمام أمان المجتمع والدولة.
وشدد بن شماش على أن الاهتمام بالطبقة الوسطى يقتضي صياغة استراتيجية تنموية جديدة، تتحدد أولوياتها وبرامجها طبقا لاحتياجات مختلف الفئات الاجتماعية وعلى رأسها الفئات المتوسطة، مع تشجيع النمو المستدام والمدمج، وإعادة النظر بشكل شمولي في آليات توزيع الثروة، بما في ذلك الآلية الجبائية والضريبية والتمويلية ومنظومة الأجور، وإقرار التدابير الضرورية لضمان تكافؤ الفرص والعدل والإنصاف والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. بالإضافة إلى التشجيع على المزيد من المشاركة في الحياة السياسية والمدنية، وإلى إصلاح المنظومة البنكية بما يضمن من تخفيف عبء الدين على الطبقة الوسطى وتشجيعها على الادخار والاستثمار.