بهدوء: ليلة يناير وقصة شيشونغ..
هوية بريس – إبراهيم أيت باخة
أدركنا آباءنا وأجدادنا يحتفلون بليلة يناير= ئيض إيناير، يجمعون الأطفال ويتحفونهم بأنواع الفواكه الجافة ونحو ذلك، ويصنعون أكلة (تاكلا)، مع اختلاف بحسب عرف كل منطقة، ولست أناقش هنا موقف الشرع من هذا الاحتفال، لكن القاعدة معلومة عند المسلم: يقبل من العادات ما لا يخالف الشرع: فإذا كان التقويم والتأريخ بالنسبة لأي أمة مطلبا يرتبط بالهوية والكيان، وهو ما لا يعارضه الشرع، ففي المقابل لا يصح من المسلم أن يستمرئ مجموعة من السلوكات التي تخدش عقيدته وأخلاقه وعبادته، بل تخدش حتى في اتزانه وسلامة تفكيره، وتجعله خرافيا مكبلا بمجموعة من الأساطير، والأمثلة كثيرة …
غير أن الذي أحب أن ألفت إليه القراء هاهنا: علاقة ئيض يناير بالملك شيشونغ، هل ثمة علاقة تاريخية بينهما أم لا؟ حتى إذا أردنا أن نناقش القضية، يكون تصورنا لها تصورا صحيحا.
الواقع أن السجالات الحاصلة اليوم كأنها -من الطرفين- تقر بوجود هذه العلاقة، وتؤكدها، بل تعتبرها أمرا مسلما متجاوزا، وربما يؤثر هذا في المواقف المتخذة من القضية سلبا وإيجابا.
غير أن التاريخ لا يسعف هذا الطرح … فمن هو شيشونغ؟ وما علاقته بالأمازيغ؟ وما علاقته بالتقويم الأمازيغي أو الفلاحي؟:
كثير ممن سمع ولم يتبين الحقائق، يظن أن الملك شيشونغ كان ملكا أمازيغيا حاكما على بلاد الأمازيغ، ثم إنه في يوم من الأيام توسعت دولته، وقوي عزمه؛ فقاد جحافل الأمازيغ وجيوشهم، وبلغ بهم بلاد مصر، واستطاع أن يبسط سيطرته على الحكم، وأن يضم بلاد النيل إلى حكمه ويسقط حكم الفراعنة، ثم ليحتفل بهذا النصر في ليلة يناير ويبدأ التقويم الأمازيغي منذ ذلك الوقت.
والحقيقة أن شيشونغ أمازيغي ينحدر من بلاد ليبيا، هذا من حيث النسب الأصلي، وإلا فإنه ولد بمصر، ونشأ بها، وكذلك أبوه وجده إلى الجد الخامس الذي قدم من بلاد الأمازيغ.
عاش شيشونغ حياة المصرين وصار كاهنا في معابد الفراعنة، ثم تتدرج في مراتب الحكم حتى وصل إلى سدته وعين فرعونا سنة 950 قبل الميلاد، وقيل إنه استولى على الحكم وقضى على الفرعون الذي سبقه.
أسس شيشونغ الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين التي سميت بالأسرة الليبية، وبلغ حكمه شأوا كبيرا، واستطاع التوسع جهة بلاد الشام وضم فلسطين ولبنان والسودان وغيرها، وأخباره مذكورة في التوراة، وقيل إنه معاصر للنبي سليمان عليه السلام، لكنه في النهاية فرعون يحكم بلاده بالنظام الفرعوني، ولم يبسط سلطته على بلاد الأمازيغ، وأمثاله كثيرون من الذين وصلوا إلى مناصب عليا في دول أخرى كمصر وروما وغيرهما، والخلاصة أنه أمازيغي ولم يكن ملكا أمازيغيا حاكما على الأمازيغ، لا قبل الفرعونية ولا بعدها، والفرق بينهما واضح.
وأما التقويم الأمازيغي أو الفلاحي فكذلك لم يكن -تاريخيا- قد بدأ مع هذا الحدث، أقصد: لا يوجد في المصادر التاريخية ما يثبت أن الأمازيغ بدأوا عد السنوات عام اعتلاء شيشونغ لعرش مصر، بل لا يعرف أن التقويم الأمازيغي كان سنويا (عد السنوات)، كما هو حال العرب قديما، يعدون الأيام والشهور، ولا يعدون السنوات بشكل تراكمي، ولا توجد وثيقة تاريخية مؤرخة باعتلاء شيشونغ عرش مصر.
والمعروف أن التقويم الأمازيغي يرجع أصله إلى التقويم الروماني اليولياني الذي بدأ اعتماده 45 قبل الميلاد، أي بعد عهد شيشونغ بقرنين، وأما مصر فقد كان الفراعنة يعتمدون التقويم المصري القديم الذي فيه 13 شهرا، وهو الذي كان يعتمده شيشونغ، حيث لم يعمم التقويم اليولياني إلا قبيل الميلاد.
لكن لا بأس أن يتوافق الأمازيغ على حدث ما يجعلونه مبتدأ تأريخهم، فذلك من الأمور التي تخص كل أمة، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما قرر بمعية الصحابة أن يجعل للمسلمين تأريخا خاصا بهم، وربطه بالهجرة بأثر رجعي، بعد تداول تطارح فيه الصحابة أحداثا مختلفة من السيرة النبوية.
وأول من ربط بين التقويم الأمازيغي وقصة شيشونغ هو الباحث الجزائري عمر نقادي، حيث اجتهد في وضع رزنامة أمازيغية، رأى من وجهة نظره أن تربط بذلك الحدث، وأصدر أول تقويم سنة 1980، ثم انتشر في الأوساط الأمازيغية، وهو كذلك من طور حروف تيفيناغ التي اعتمدها الـ IRCAM فيما بعد.
وبما ذكرناه أعلاه نعلم أن ئيض يناير في الأصل منفصل تماما عن قصة شيشونغ، وإن كان لابد من وضع تقويم أمازيغي، فلا أقل من توافق الأمازيغ عليه من مختلف الهيئات، لاختيار الحدث الأنسب، فوجهات النظر تختلف، وأحداث وانتصارات وأيام الأمازيغ أكثر من أن تختزل في حدث واحد عليه اعتراضات كثيرة حتى من جهة التاريخ والثقافة والأرض، وإن حصل أن توافق الناس على اعتماد قصة شيشونغ بداية للتقويم الأمازيغي، فلا بد أن تفرغ من كل الأبعاد الدينية والاعتقادية، حفاظا على الأمن العقدي لهذا الشعب الأمازيغي المسلم، الذي رضي هذا الدين وخالطت بشاشته قلوبهم، وصار ثقافتهم وكيانهم وتاريخهم.
وأختم بالتأكيد على أن العادات خاضعة للشرع الحنيف فحسنها حسن وقبيحها قبيح، ولابد من تصحيح ما كان فاسدا منها وبيانه للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فليس كل من تلبس بعادة يكون – بالضرورة- مستوعبا لأبعادها، مدركا لحقيقتها، والحمد لله رب العالمين.
ما الدليل على كلامك الانشائي هذا ؟!
تنقض رواية الأمازيغ وتاتي برواية معارضة دون اي دليل على صدقها