بهرجة الاحتفالات والإجهاز على ما تبقى من الأمازيغية

14 يناير 2025 19:48

هوية بريس – د. محمد الراجي

كثير من المتتبعين الغيورين يرون أن الحكومة غير جادة في تنمية الثقافة الأمازيغية، إن لم نقل تحاربها، بخطى حثيثة، من خلال محطات عديدة إعلامة وسياسية واقتصاد وتعليمية واجتماعية.

إن ترسيم الاحتفال ب “السنة الأمازيغية” (السنة الفلاحية)، وترسيم تقويم جديد باسم الأمازيغ، الذي روجت له وسائلها وعملت على ترسيخه بكل وسائل الدعم الرسمية، لم يكن فيه هدف الحكومة أن تنمي الثقافة الأمازيغية، وإنما على ما يبدو، هو تقليد لدولة الجزائر ومزايدتها فيه؛ حيث هي التي كانت دائما في هذا المجال سباقة ومبادرة بسبب الضغوط الخارجية والداخلية: سبقت بترسيم الاحتفال بعطلة السنة وبأجرة مؤدى عنها، سنة 2018، لتحذو حكومتنا حذوها سنة 2023؛ والجزائر سباقة بإقرار تدريس الأمازيغية، بدون أثر لجدواه على أرض الواقع، وقس على ذلك كل الخطوات الشكلية التي تنزلها الحكومة بطريقة مشوهة، وبدون جدوى في تنميتها.

إلى حد الآن، لا نجد أثرا لتدريس الأمازيغية في بعض المؤسسات، إلا تشويه حقيقتها، والتشويش على لغة الأم؛ ولا نجد “النشطاء” أنفسهم لهم القدرة على التواصل بها كتابة، ولا نجد المسؤولين في جميع الإدارات والمحاكم يستعملونها، ولا نجدهم يستعملونها في خطبهم وندواتهم، في انتظار أن تفعل ذلك الجزائر، ثم سيضطرون لمزايدتها؛ كل هذا بعد ربع قرن من إقرارها وتدريسها؛ ولا نجد لها تدوينا في الاوراق النقدية في انتظار أن تدونها الجزائر في نقودها لتحذو حكومتنا حذوها، كالعادة في هذا المجال، وهكذا كلما دخلت الجزائر جحر ضب تدخله حكومتنا، ومعها كثير من ادعياء “نشطاء الأمازيغية” ، إلا جحور المجالات التنموية التي تتفوق فيها وتتصدر فيها عن بلدنا الرتب الأولى.

إن كثيرا من المسمين بالنشطاء الأمازيغ، هم أبعد الناس عن الأمازيغية؛ وكل دفوعاتهم عن الأمازيغية هي من أجل الاسترزاق وخدمة الأجندة العالمية المشبوهة، ولا يختلفون في شيء عن القوميين العروبيين، من المشرق إلى المغرب، المدعين للعروبة والعربية.

لقد شاركت في مناسبات عديدة عددا من كبراء “النشطاء” في الندوات حول الأمازيغية، فرأيتهم، برفقة أبنائهم، لا يكلمونهم إلا بالفرنسية أو الدارجة، وإن المتحدثين منهم، بدون استثناء، في وسائل الإعلام والندوات، يعجزون عن الحديث بأمازيغية خالصة، وكل كلامهم هو 98 في المائة أو أكثر من كلمات اللغة العربية؛ ومن المضحكات أن أحدهم، ممن صدع رؤوسنا، بلسانه العربي الفصيح، بشن الحرب على العربية والاسلام، لم يجد ما يعنون به ديوانه الشعري “الامازيغي” إلا بكلمة “أنعيبار” بكل دلاتها العربية؛ وأتحدى أي واحد منهم أن يتكلم بأمازيغية خالصة ولو بنسبة 40 في المائة، ناهيك عن أكثر من ذلك.

إن اختزال الثقافة، عربية كانت أو أمازيغية، في الحفلات والمهرجانات والفولكلور والبهرجة، ما هو إلا لعبة خبيثة في حربها والإجهاز على ما تبقى منها.

وأما الثقافة الأمازيغية بكلامها ولسانها ونطقها، وكتابتها الأصيلة، وكذلك بمنطقها الأصيل، كما هي قديما في أصقاع البلاد ومدارسها العتيقة، ومخطوطاتها ونحوتاتها القديمة، فهم بها إلى الزوال؛ لتبقى وظيفة الأمازيغية، التي يروجون لها، أشكالا، ورسوم زخرفة للأماكن ولعناوين المذكرات، لا يفقه الناس منها شيئا، وأيضا لتصير إلى بهرجة العصيدة وبدعها الحديثة المشوهة لحقيقة الرجل والمرأة الأمازيغيين، لا أكثر من ذلك.

رحمة الله على الأمازيغية الأصيلة برحمة أصولها وشعرائها وعلمائها القدامى الأفذاذ.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M