بولوز: يلزم حكومة صاحب الجلالة أن تتصرف في السلطة والحكومة والوزارات ومؤسسات الدولة بما يراعي الإسلام وشريعته

20 أبريل 2025 11:33

 هوية بريس – حاوره: عبد الصمد إيشن

1ــ هل يستقيم أن يعيش المغرب بهذا التناقض الواضح، حيث إن الإسلام دين الدولة لكن ما زالت المحرمات تمول الخزينة العامة؟

فعلا هو سؤال حارق ومؤلم، كيف يكون الإسلام دين الدولة ولا تزال المحرمات من ربا وعوائد الخمور والقمار تمول خزينته؟

ذلك أن المعنى الواضح لدين الدولة الرسمي الإسلام هو التزام بمقتضيات دين الإسلام: عقيدة وعبادة وشريعة ومعاملات وأخلاقا وآدابا، ولا معنى للتنصيص في الدستور على إسلامية الدولة غير هذا المعنى، وقبل ذلك هو مقتضيات واقع السواد الأعظم من أفراد الشعب المغربي ومؤسساته، ومقتضياته تاريخه وأصالته، وأيضا من مقتضيات شعار المملكة الموفق بهذا الترتيب: الله، الوطن، الملك.

ومعنى أن يكون الله أولا في شعار مملكتنا أننا نراعي الإيمان بالله وجودا ووحدانية وكمالا، ونراعي كلامه وأحكامه عز وجل في كتابه الكريم والعظيم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته عليه الصلاة والسلام، وفقه ذلك كله بدءا مما أجمع عليه علماء الأمة إلى اجتهاد الأئمة الأعلام وعلى رأسهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى والذي اختاره المغاربة عبر تاريخهم الطويل إماما لمذهبهم الفقهي، وذلك أيضا من مقتضيات الكلمة الثانية في الشعار: الوطن، والمقصود هنا ساكنو الوطن من الغالبية العظمى من المسلمين فيراعى دينهم وشريعتهم وتاريخهم وهويتهم وأصالتهم وعاداتهم الجميلة وتقاليدهم العريقة فلا يحكمون بغير شرع ربهم وسنة نبيهم.

وكذلك من مقتضيات الكلمة الثالثة من الشعار: الملك والذي صرح غير ما مرة بأنه بصفته أميرا للمومنين لا يمكنه أن يحل حرام ولا أن يحرم حلالا، وبالتالي يكون مما يجب أن يلزم حكومة صاحب الجلالة أن تتصرف في السلطة والحكومة والوزارات ومؤسسات الدولة بهذا المقتضى فتراعي الإسلام وشريعته وتمثيل جلالة الملك في كل ذلك وتسير على منهجه ونهجه فلا تجعل الحرام مصدرا للميزانية ولا تدخله في موارد الدولة وخزينتها وتجعل ذلك من الخطوط الحمراء التي لا يقترب منها إلا ما دخل في حكم الضرورة القصوى التي يفتي فيها المجلس العلمي الأعلى ويبدي رأيه الشرعي في الحالات الاستثنائية جدا، والتي يرفع فيها الجواز عند ارتفاع الاضطرار كما يلجأ الفرد الى أكل الميتة ولحم الخنزير وهو يستحضر قول ربه: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا ليضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} الانعام 119، وقوله تعالى في سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

قال بو جعفر الطبري إمام المفسرين: “يعني تعالى ذكره بقوله: “فمن اضطر”، فمن حَلَّت به ضَرورة مجاعة إلى ما حرَّمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله -وهو بالصفة التي وصفنا- فلا إثم عليه في أكله إن أكله”، وتقاس باقي المحرمات على هذا من خمر وقمار وربا وغيرها.

ولا يفتح باب المحرمات في أقل من ذلك من الأحوال العادية فضلا عن الحاجيات والكماليات، وفي الحلال بحمد الله ما يغني ويكفي.

وهذا عندنا إيمان وعقيدة، قال تعالى: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} الجن:16، وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأعراف: 96.

كما أنه من عقيدتنا أكل الحرام من غير ضرورة معتبرة مصيبة في ذاته ومحق للبركة وفتح لباب البلاء وغضب الرب ولعنته والحرب من الله تعالى، قال سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276]؛ قال العلماء: يمحق الربا؛ أي: يُذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما أحدٌ أكثرَ من الربا إلا كان عاقبَةُ أمرِه إلى قِلَّةٍ” ‏‏إسناده صحيح: أخرجه ابن ماجه (2279).

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278-279].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يُقَالُ يومَ القيامة لآكل الربا: خذ سلاحَك للحربِ، قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] ‏‏حسن: أخرجه ابن أبي حاتم (2920). .

قالَ العلماءُ: إنَّ الحربَ تنشأُ عن العداوةِ، والعداوةُ تنشأُ عن المخالفةِ، وغايَةُ الحرْبِ الهَلاكُ، ومَنْ عَادَى الله يُغلَبُ ولا يفلِحُ.

وقد لعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الرِّبَا ومؤكِلَه، وكاتِبَه، وشاهِدَه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومؤكِلَه” أخرجه مسلم (1597). .

ولعن الله عزَّ وجلَّ من باعَ الخمر أو اشترَاها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لُعِنَتِ الخمرُ على عشرةِ أوجهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتصرِها، وبائعِها، ومبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليه، وآكلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقِيها” إسناده حسن، وهو صحيح بطرقه وشواهده: ‏‏أخرجه أبو داود (3674)، وابن ماجه (3380)، وأحمد (2/ 25).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أتاني جبريلُ، فقال: يا محمدُ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ لعنَ الخمرَ، وعاصرَها، ومُعتصِرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومُبتاعَها، وساقِيها، ومُستقِيها” إسناده حسن: أخرجه أحمد (1/ 316)، وابن حبان (5356)، والحاكم (4/ 145).

وقال تعالى في القمار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، وقد حرم الشرع هذه الآفة لما فيها من مصائب على الأفراد والمجتمعات.

فالقمار يجعل متعاطيه يعتمد في كسبه على المصادفة والحظ، والأماني الفارغة وليس على العمل والجد وكد اليمين، وعرق الجبين، واحترام الأسباب المشروعة. وهو أداة لهدم البيوت العامرة، وفقد الأموال في وجوه محرمة، وافتقار العوائل الغنية، وإذلال النفوس العزيزة.. وهو يورث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين بأكل الأموال بينهم بالباطل، وحصولهم على المال بغير الحق. ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويدفع بالمتلاعبين إلى أسوأ الأخلاق، واقبح العادات.

والقمار هواية آثمة تلتهم الوقت والجهد، وتعوّد على الخمول والكسل، وتعطل الأمة عن العمل والإنتاج. كما يدفع صاحبه إلى الإجرام لأن الفريق المفلس يريد أن يحصل على المال من أي طريق كان، ولو عن طريق السرقة والاغتصاب، أو الرشوة والاختلاس. وفيه آثار نفسية مدمرة من مثل ما يورث القلق، ويسبب المرض ويحطم الأعصاب، ويولّد الحقد، ويؤدي في الغالب إلى الإجرام أو الانتحار أو الجنون أو المرض العضال. ويدفع القمار المقامر إلى أفسد الأخلاق كشرب الخمور وتناول المخدرات، وأتعجب من دولة وحكومة ووزارات تعلم هذه الآثار المدمرة لهذه الآفات من الخمر والربا والقمار على المجتمع والأفراد وتصر على الترخيص لها والسماح بها وأخذ الايرادات والضرائب عنها، فالحرام حرام في عينه وحرام في أرباحه ومختلف إيراداته.

وفي عقيدتنا أن أكل الحرام وملأ الميزانية وخزينة الدولة به سبب في حلول النقم، والعقوبات العامة على الأمة، وزوال نعم الله عليها في اقتصادها وأمنها؛ فللمكاسب المحرمة آثار سيئة على الدولة والمجتمع والأفراد، تنزع البركات، وتفشو العاهات، وتحل الكوارث والنقم.

2ــ ما هي السبل المدنية والحضارية والسياسية الكفيلة بمحاربة هذا النوع من المحرمات التي تمول خزينة الدولة؟

إغلاق باب الحرام عن ميزانية وخزينة الدولة وحده كفيل بفتح باب البركات والخيرات، وضمن ذلك تكريس الشفافية في المداخل والمصاريف ومنطق العدالة الاستثمارية ومقاومة الرشوة والزبونية وترسيخ العدالة الضريبية فكيف إذا رافق ذلك: تصالح مع هوية الشعب وأصالته ووقع إعادة الاعتبار للغته حتى يفهم بوضوح وينخرط بحماس في مشروع التنمية فيبوء العربية مكانها المناسب في تدريس العلوم وإدارة الشركات وفي خطاب الإدارة للمواطن وتستبدل اللغة الفرنسية باللغة الانجليزية في الانفتاح على العالم وعلى منتجاته العلمية والإبداعية، وما الطفرة التي عرفتها روندا في إفريقيا عنا ببعيدة بمجرد نبذ الفرنسية واعتماد الانجليزية، ولابد من ترشيد الاقتراض فيتقلص إلى أدنى حد ممكن، ونعتمد أكثر على إشراك الرأسمال الداخلي في مشاريع كبرى، ويتم تشجيع وتوسيع الأبناك التشاركية لتكون بديلا كاملا للأبناك الربوية ما دام لمعظم الأبناك الحالية نوافذ لهذه الأبناك التشاركية فنتخلص من الربا بسلاسة ومن غير هزة مربكة، ونحيي أمر الزكاة في شقها الرسمي ونجعلها مؤسسة مستقلة بحيث تعفي الدولة من كثير من النفقات الاجتماعية للفئات المعوزة والهشة.

وبلغة أهل هذا الشأن يمكن للمغرب أن يستغني في موارده وخزينته عن الحرام من الربا والخمر والقمار وغيرها من الموبقات بما يلي:

الاستثمار في الرأسمال البشري، بالنهوض بالتعليم الجاد والمفيد النافع في التنمية والتدريب المهني: لتأهيل الشباب لسوق العمل وجذب الاستثمارات ذات القيمة المضافة.

تشجيع ريادة الأعمال: عبر تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ترشيد النفقات العامة، بخفض الدعم الموجه: واستبدال دعم المواد الأساسية (مثل المحروقات) بتحويلات نقدية مباشرة للفئات المستحقة.

تحسين كفاءة القطاع العام: تقليل الهدر المالي وتبسيط الإدارة.

إصلاح صندوق المقاصة: لتخفيف العبء عن الخزينة العامة.

تحسين الإيرادات الضريبية

توسيع القاعدة الضريبية: مكافحة التهرب الضريبي ودمج الاقتصاد غير المهيكل.

إصلاح النظام الضريبي: لجعله أكثر عدالة وفعالية، مع دعم الفئات الضعيفة.

رفع كفاءة الجباية: عبر الرقمنة وتعزيز الشفافية.

تعزيز النمو الاقتصادي.

جذب الاستثمارات الأجنبية: عبر تحسين مناخ الأعمال وتسهيل الإجراءات الإدارية وتقديم حوافز ضريبية.

تنمية القطاعات الإنتاجية: مثل الصناعة (خاصة السيارات والطاقات المتجددة)، والزراعة الحديثة، والخدمات اللوجستية.

الاستثمار في البنية التحتية: مشاريع الطرق، الموانئ، السكك الحديدية (مثل القطار فائق السرعة “البراق”)، والمطارات.

تنويع مصادر الدخل.

السياحة الثقافية والتاريخية النظيفة، بتعزيز قطاع السياحة عبر الترويج للمغرب كوجهة متعددة الثقافات (ساحلية، ثقافية، رياضية صحراوية جبلية..).

الصادرات: زيادة صادرات السيارات، الفوسفاط، والمنتجات الزراعية (مثل الحمضيات والخضروات).

الاقتصاد الرقمي والابتكار: دعم الشركات الناشئة وتشجيع التكنولوجيا المالية.

تطوير القطاع المالي.

تعزيز الأسواق المالية: جذب الاستثمارات.

الاستفادة من الشراكات الدولية.

الاتفاقيات التجارية: مثل اتفاقية التبادل الحر مع البلدان العربية والاسلامية والإفريقية والأسيوية وأمريكا الجنوبية وذلك قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حرصا على الندية وتجنبا للهيمة.

الحذر من التمويلات الدولية بما لا يفقد البلاد استقلالها مع الزمن: والبحث عن التعاون الحقيقي بمنهج رابح رابح..

تعزيز الطاقات المتجددة.

مشاريع الطاقة الشمسية والريحية: لجعل المغرب مركزًا إقليميًا للطاقة الخضراء وتقليل فاتورة الطاقة.

العمل على رفع احتياطيات النقد الأجنبي (بفضل الصادرات وتحويلات المغتربين) بما ينمي الناتج المحلي الإجمالي بشكل تدريجي، ويحسن التصنيف الائتماني للمغرب دوليًا.

ثم الاجتهاد المبدع في إيجاد الحلول الناجعة للبطالة والفوارق الاجتماعية والقطع مع الريع، ومن شأن هذا كله أن يغني بلادنا عن مجرد التفكير في هذه الخبائث من خمر وربا وقمار وغيرها، فما كان داء ماديا ومعنويا لا يمكن أبدا أن يكون دواء.

ــــــــــــــــــــــــــــ

*د. محمد بولوز: باحث في العلوم الشرعية وعضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. شكرا لك على هذا المقال . لكن الضريبة حرام و أبواب الحلال لا حصر لها . يكفي منها ما ذكرت في مقالتك وكما أشرت فبالبركة يربو القليل.

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة