قضية “اعتبار الإسلام آخر دين سماوي متمثلا فيما أتى به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ناسخا لما قبله من الديانات السماوية”، من القضايا التي أصبح لها صدى في الآونة الأخيرة. خاصة بعد وجود من أصبح ينادي بوحدة الأديان والتحامها في نسق واحد.
وإذا كانت هذه الدعوى، على فرض “حسن نوايا أصحابها”، تنبثق من الحاجة إلى وأد النزاعات الدينية ونشر السلام، فهي في مختلف أبعادها تثير تساؤلات من شأنها أن تؤجج ما يُرجى له الكمون. ذلك أن الذين يحملون قضيتها لا نرى لهم حديثا إلا عن الإسلام وكيفية فك عراه وهتك مقدساته، دون أن يُسمع لهم صوت عند الحديث عن التناقضات التي تعج بها التحريفات التي أتت على لُبِّ باقي الديانات السماوية.
وفي هذا السياق يأتي مقال د.بوهندي متحدثا عن المعلوم من الدين بالضرورة، بنظرة تجعله مُبْهما غير مستبين. إذ يتحدث عن “مفهوم الإسلام من الإنسان بأنبيائه وكتبه وحكمته، يتسع إلى الكون بجميع مخلوقاته”.
فما هي أركان هذا المفهوم بحسب المقال؟
وهل فعلا “الإسلام” له امتدادات شمولية تصل حدود ضم كل الديانات في إطار واحد؟
يحدثنا المقال عن “أنّ مفهوم الإسلام من الإنسان بأنبيائه وكتبه وحكمته، يتسع إلى الكون بجميع مخلوقاته، وهو بذلك “دين الله شاملا للخلائق كلها، بما فيها الإنسان””، وبالتالي فإن النسخ للديانات السابقة والذي أكّده القرآن:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}، بأقوى تعبير وهو “الهيمنة” قد تجاوزه الكاتب في مقاله ولم يلق له بالا.
ولعل من الخوارم للدكتور في هذا المقال، أن يتحدّث عن ”الإسلام كدين لكل المخلوقات“، ليصبح الإسلام -بذلك- ليس سوى اسم يصلح أن ينطبق على بكتيريا صغيرة عائمة في عفن ميكروبي متوهج. وتكون بذلك “مُسْلِمَةً”!!
ثم قبل كل هذا، كتب في العنوان- أو تَحَذْلَقَتْ له الجريدة الإلكترونية التي نشرت له بعنوان-هذه حقيقة الآية القرآنية “إن الدين عند الله الإسلام” مُدَّعيا امتلاكَ حقيقة آيةٍ قرآنيةٍ بمجرد رأي شخصي منه، في الوقت الذي جاء ليحدثنا عن نسف ادعاء الحقيقة عند المفسرين للقرآن الكريم بأصوله التفسيرية المعتمدة التي امتدت طيلة أربعة عشر قرنا من الزمن لا يجادل فيها عاقلان.
لكن تجاوزا منا لشكليات القالب، هل يمكن الحديث عن معنى للإسلام بالمفهوم الجديد الذي أتى به الدكتور؟
ربما علينا بداية أن نحدد معالم أولية قبل الخوض في إيجاد أرضية أو رفضها لهذا المفهوم.
ومن أهم هذه المعالم، معرفة أن الدين الذي ارتضاه الله لعباده وبعث به أنبياءه هو دين واحد، وهو “دين الإسلام”.
﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ [آل عمران:19] والمراد به (الاستسلام لله تعالى وفق مراد الله وشرعه والذي أنزله على أنبيائه ورسله).
لذلك فقد اتفقت النبوات على الأصول العامة وهي أربعة تقريبًا:
الأول: توحيد الله.
الثاني: الأركان العملية الكبرى كالصلاة والزكاة والصيام مع الاختلاف في الشكل والمقادير.
فإذا كان الأصل الأول. والذي هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية مُنْخَرِماً في باقي الديانات السماوية، بما اقتضى إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام الخاتم، فهل تبقى من إمكانية جمع المتضادين؟!
الإسلام كدين توحيد، والنصرانية كدين تثليث، واليهودية كدين أنسنة الإله!!
إذن فالأمر جلي في عدم إمكانية هذا الطرح الجديد علميا، لكن المدلهمة البوهندية تَعْظُمُ وتستفحل في محاولتها التقول على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.. تقوُّله على الله جل في علاه، وادِّعاؤه المفضي إلى أنّ إنزال القرآن لم يكن إلا”عبثا“ -تنزّه ربنا عن ذلك- إذ لم تدع الحاجة إليه مادامت الديانات الأخرى قائمة بأصولها التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى.
فمن يطيق أن يحمل هذا الوزر على كاهله، مقبلا به على ربه؟!
هذا وقد عُلِمَ أنّ، مُدَّعي رؤيا لم يرها في منامه، سيُكلَّف الإتيان بها يوم لقاء الله. فكيف يكون حال من ادَّعى فهماً بكلام الله مخالفاً لمراد الله؟!
فإذن، وتجاوزا منا لكل تلكم الإستشهادات الموضوعة في غير مواضعها والمعارضة لقول الكاتب أولا، فإن الخلاصة حول هذا الموضوع هي:
“أن الإسلام هو دين الله تعالى الذي ارتضاه للعالمين، بعد تحريف بقية الأديان. وقد تكفَّل سبحانه وتعالى بحفظه من أجل هذه الغاية العظمى في صون شموليته وكماله وإتمام النعمة به وارتضائه لنا دينا واحدا لا تناقض فيه ولا تحريف.