بيان مثقفي المغرب حول سياسة التعليم والغزو اللغوي الاستعماري للمغرب (1970م)
هوية بريس – ذ. ادريس كرم
(يقول بيير بورني: الإستعمار الفرنسي غرس لغتنا في إفريقيا).
“يواجه المغرب منذ حصوله على الاستقلال سنة 1956، وبصفة خاصة منذ عشر سنوات، ضغطا استعماريا خفيا يرمي لإقرار وتثبيت وتعميم الوجود اللغوي الفرنسي في المغرب المستقل، وإعطاء هذا الوجود -الذي فرضته الحماية الفرنسية في عهدها- صفة الشرعية والاستمرار، لا في الإدارة المغربية والمصالح العمومية فقط، ولكن في ميدان التعليم وتكوين الأطر المغربية أيضا.
وبالرغم عن المعركة التي خاضتها المؤسسات العلمية والثقافية والنقابية والأحزاب الوطنية في المغرب بعد الاستقلال، وخاصة منذ المناظرة التاريخية التي نظمتها الدولة حول التعليم بمركز معمورة سنة 1964، تلك المعركة التي كانت تهدف إلى تحويل المؤسسة التعليمية الفرنسية التي خلفتها الحماية، إلى مؤسسة وطنية عربية اللغة، مغربية الروح والشخصية والأطر، فقد باءت بالفشل كل تلك الجهود، وبقيت المبادئ التي أجمعت عليها الأمة في سياسة التعليم وهي:
تعريب التعليم، ومغربة أطره، وتعميمه، حبرا على ورق، ورفض المسؤولون كل التصميمات التي وضعها الخبراء المغاربة لتحقيق التعريب ومغربة أطره، وكانت النتيجة التي انتهت إليها سياسة ازدواجية لغة التعليم، وإعطاء حصة الأسد للغة الأجنبية، بعد 14ع اما من تجربتها، هي إعلان فشلها:
تربويا
– لأن نسبة الذين ينهون بمقتضاها دراستهم الثانوية يقلون عن 2%،
– ولأنها لم تحقق تكوين الأطر المنتظرة منها للبلاد لا باللغة العربية ولا باللغة الأجنبية،
– ولأنها أدت إلى انخفاض مستوى التعليم في اللغتين معا.
واقتصاديا
– لأن نسبة النجاح المذكورة لا تعادل الخمسين مليارا التي تنفق على التعليم، والتي يؤدى منها ثلاثة وعشرون مليار للأساتذة الأجانب الذين يخرجون ثلث هذا المبلغ من البلاد بالعملة الصعبة.
وقوميا
– لأنها جعلت جل التعليم الثانوي تحت رحمة وتوجيه الأساتذة الأجانب، وأدت إلى تدعيم وترسيخ اللغة الأجنبية في الإدارة المغربية، فحلت عمليا وأساسا محل اللغة الوطنية لغة القرآن، وعملت على تشويه لغة التخاطب لدى الأجيال المتعلمة التي أصبحت تتكلم بلغة هجينة لا هي عربية خالصة ولا هي فرنسية خالصة.
ودينيا
– لأنها أضعفت القيم الخلقية والروحية لدى هذه الأجيال، واتجهت إلى القضاء على التعليم الإسلامي والعربي الحر.
لذلك كله، ولكون الشعب المغربي لا يريد بعد تحرره واستقلاله أن يظل مربوطا بعجلة أية دولة أجنبية، ويظل فكره القومي محتكرا للغتها، وإنما يريد أن يستوعب الحضارة الإنسانية العالمية بمختلف لغاتها الحية، وعن طريق التبادل الثقافي والعلمي والصناعي، دون أن يتخلى قيد أنملة عن لغته العربية، كلغة رسمية حية، في التعليم والإدارة والعمل اليومي،
فإن علماء المغرب، ومثقفيه، ورجال الفكر والإصلاح فيه، يرون من واجبهم القومي والديني بمناسبة الحوار المفتوح حول سياسة التعليم ومستقبله في المغرب:
أولا– أن يجددوا نصحهم وتحذيرهم من أخطار السياسة القائمة حتى الآن في مجال التعليم، والتي لم تحقق غير المزيد من فرنسة الأجيال المغربية الناشئة، وفرنسة لغة التخاطب المغربية وترسيخ فرنسة الإدارة والمصالح العمومية والخصوصية بالمغرب المستقل ومن شأن هذه الأخطار، إذا لم يوضع لها حد عاجل، أن تهدد وحدة وكيان ومستقبل الشعب المغربي، وأن تعرقل تقدمه وازدهاره وأمنه الفكري، وأخطر من ذلك اتجاه عزم المسؤولين اليوم إلى فرنسة التعليم الثانوي، وأن يقع الرجوع باللغة العربية القهقرى، أي إلى ما كانت عليه في عهد الحماية الفرنسية، مع أن الشعب المغربي آنذاك قاوم هذه السياسة بتقوية جهاز العربية الحرة، وتدعيم كيان جامعة القرويين.
ثانيا– أن يذكروا بأن التعريب الكامل العام في التعليم والإدارة والعمل والشارع، هو مطلب قومي أجمعت عليه الأمة منذ الاستقلال، وهو لا يتعارض بحال من الأحوال مع دراسة اللغات الأجنبية كلغات، ولا يتناقض مع رغبتنا جميعا في التفتح على حضارة القرن العشرين، وإنما يؤكد فقط رغبة الشعب المغربي في المحافظة على مقومات شخصيته الوطنية، ومن المعلوم أنه لا يمكن لهذه الشخصية أن تنمو وتزدهر إلا في إطار اللغة القومية، ولا يمكن للتعليم أن يصبح شعبيا وديموقراطيا ومزدهرا إلا باللغة القومية.
ثالثا– أن ينبهوا إلى التجني الذي يرتكب في حق اللغة العربية عندما يراد ربطها بالوضع الذي يوجد عليه العالم العربي اليوم، وبالنقص الذي يلاحظ في المصطلحات العلمية الحديثة، مع أنه لا ينكر أحد أن اللغة العربية كانت هي اللغة العالمية الوحيدة في العصور الإسلامية الزاهرة، وأن تخلفها اليوم في ميدان المصطلحات الحديثة لا يرجع لعجزها هي، بل لجمود المجتمعات العربية التي عليها أن تقوم بسد هذا في الميدان اللغوي، في نفس الوقت الذي تعمل فيه على سد نقصها في الميادين العلمية والصناعية، ذلك أن اللغات الحية، لا يمكن أن تتطور وتتقدم بمعزل عن الحياة والعلم والمجتمع، وإبعادها عن أن تكون لغة التعليم والإدارة والعمل، هي الطريق المفضية بها إلى الموت البطيء، لا إلى الحياة الخالدة.
رابعا– أن يؤكدوا أنه لا حل لمشاكل التعليم المستعصية إلا بوضع المبادئ التي أجمعت عليها الأمة، وهي:
تعريب التعليم في جميع المراحل وعلى جميع المستويات، ومغربة أطره، وتعميمه، موضع التنفيذ المخلص السريع، حسب “ميثاق للتعليم” وطبق “تصميم” محدد، يساهم في وضعهما، ويصادق عليهما الممثلون الحقيقيون للمؤسسات الوطنية كلها، على أن يكونا جاهزين للتطبيق ابتداء من أكتوبر 1970 المقبل، وأن يكونا مصحوبين بسياسة وتصميم مواز لتعريب الأجهزة والمصالح الإدارية المغربية كلها، وبدون ذلك سنواجه المزيد من الأخطار، والمزيد من المشاكل التي لا حل لها، وليست في صالح أحد في هذه البلاد.
وحرر في سادس عشر ربيع الأول عام تسعين وثلاثمائة وألف، ثالث وعشرى مايو سنة سبعين وتسعمائة وألف”.
انتهى البيان بنصه، يليه توقيع المصادقين عليه، والتي تبلغ حوالي 500 توقيع لعلماء ومفكرين وكتاب، وقادة أحزاب ونقابات واتحادات وجمعيات مهنية، على سبيل المثال السادة:
الشيخ المكي الناصري، محمد الجواد الصقلي، علال الفاسي، محمد بن الحسن الوزاني، عبد الرحيم بوعبيد، المهدي بن اعبود، عبد الله كنون، محمد بوستة، محمد إبراهيم الكتاني، ادريس الكتاني، عبد الكريم الخطيب، محمد بن عبد الله، عبد المجيد بن جلون، الفاروقي الرحالي، محمد داوود، أبو بكر القادري، علي يعته، عبد السلام بورقية، محمد ازنيبر، محمد الناصري، محمد لخصاصي، عبد الرزاق أفيلال، محمد الدويري، عبد الكريم غلاب، بنسالم الكوهن، مصطفى العلوي، محمد لحبابي، عزيز بلال، محمد كسوس، محمد بن البشير، اسماعيل العلوي، عبد السلام الهراس، عبد الوهاب التازي، عبد الكبير الخطيبي، فتح الله ولعلو، عبد الهادي مسواك، حمزة الكتاني، عبد الحق التازي، التهامي الوزاني، يوسف الكتاني.. إلى آخر القائمة الطويلة من الذين وقعوا على العريضة ومارسوا السلطة بعد ذلك، كل في مجال معين، من غير أن يلتفت للتوصيات التي صاغها ووقع عليها وتعهد بالدفاع عنها، ما عدا الأستاذ محمد الدويري الذي قام بتعريب وزارة التجهيز التي كان يديرها، فبقيت منقبة في تاريخه الناصع، مع أنها وزارة تقنية بامتياز.
من أين المصدر، جزاكم الله خيرا…