بيت المغرب بالقاهرة 1938م
هوية بريس – ذ. إدريس كرم*
يعتبر بيت المغرب بالقاهرة أول مؤسسة رسمية ثقافية مغربية منظمة خارجية، في تاريخ المغرب الحديث، وقد تم إقامته من طرف الخليفة السلطاني بتطوان مولاي الحسن بن المهدي، مصدرا لذلك ظهيرين، أحدهما يتعلق باختصاصات المؤسسة، والثاني خاص بإدارتها، وقد خصصت الجامعة الأزهرية للبعثة مشرفا مساعدا لمندوب الخليفة لاختيار مقر لها، فكان أن اختارت قصرا في جهة الدقي بالجيزة تم إعداده ليفِيَ بالغرض، وأطلق عليه “دار المغرب الأقصى”، وفي ما يلي نص الظهيرين:
الظهير الأول: يعلم من هذا المرسوم الخليفي الشريف، والأمر العلي المنيف،أنه نظرا لما نحمله من حب وإخلاص لوطننا العزيز وشعبنا المفدى، ونظرا لما نحسه من الحاجة الماسة إلى تثقيف أمتنا ثقافة واسعة، وتهذيبها تهذيبا شاملا، ونظرا لما جرت عليه تقاليد عائلتنا المالكة، خصوصا في عهد سلطاننا المعظم المرحوم مولاي الحسن بن محمد من إرسال البعثات العلمية إلى الخارج، ونظرا لما نسعى إليه من إحياء الروابط التاريخية الوثيقة التي تربط وطننا المغربي بالمملكة المصرية الشقيقة، ونظرا لما تتقلده مصر في العصر الحاضر من زعامة العالمين الإسلامي والعربي، زعامة لا منزع فيها، ونظرا لثقتنا الكبرى باستعداد الحكومة المصرية الموقرة لمساعدة أمتنا المغربية في نهضتها، وبعد الحصول على المعونة الخالصة من جانب الدولة الاسبانية الجديدة التي لا تألوا جهدا ولا تدخر وسعا في فتح أبواب النهضة والتقدم أمام محمييها المغاربة، وبعد مراجعة ظهيرنا القاضي بإنشاء المعهد الخليفي للأبحاث المغربية الصادر في 27 ذي القعدة 1355ه الموافق 8 فبراير1937م نأمر بما يأتي:
الظهير الأول:
الفصل الأول: تنشأ في المملكة المصرية الشقيقة مؤسسة مغربية ثقافية صرفة ملحقة بمعهدنا الخليفي في تطوان، وموضوعة تحت رقابته المباشرة تدعى “بيت المغرب”.
الفصل الثاني: تؤلف هذه المؤسسة الثقافية من أقسام ثلاثة:
أ- قسم لتركيز جميع العلاقات الثقافية والروحية؛ وهذا القسم يدعى “مكتب التبادل الثقافي بين مصر والمغرب”.
ب- وقسم لإيواء الطلبة الذين يدرسون في المعاهد المصرية على حساب الميزانية العامة لمنطقتنا الخليفية، وهذا القسم يدعى “مقر البعثة المغربية”.
ج- وقسم لعرض بدائع صناعتنا وفنوننا المغربية، وهذا القسم يدعى “معرض الفن المغربي”.
الفصل الثالث: يكون مدير بيت المغرب في مصر بجميع أقسامه نفس مدير المعهد الخليفي بتطوان، وله التفويض التام ليعين مديرا مساعدا له يقوم مقامه عند غيبته، وكذلك جميع الموظفين اللازمين لسير هذه المؤسسة سيرا حسنا، كما أن له حق العزل لمن يرى عزله مناسبا. ومدير بيت المغرب نفسه يحدد الاختصاصات ويعين المسؤوليات المتعلقة بكافة موظفيه، ويعين الأجور المناسبة لكل منهم حسب اجتهاده الخاص.
الفصل الرابع: يكون مكلفا بكل قسم من أقسام بيت المغرب مساعد خاص يعمل طبق تعليمات المدير، ويكون مسؤولا عن تسيير قسمه بكيفية مرضية.
الفصل الخامس: قسم مقر البعثة المغربية؛ يكون مكلفا بهذا القسم مساعد خاص، ومهمته هي إعداد كل ما يتوقف عليه أفراد هذا القسم من ناحية دراستهم ومعيشتهم، وكذلك مراقبة سلوكهم الشخصي والمدرسي، ولإمكان الالتحاق بمقر البعثة المغربية والاستمرار داخله يلزم أن يكون الطالب مسلما مغربيا مستحقا للمساعدة، ذا تدين وفضيلة واستعداد وذكاء واجتهاد وقيام بجميع الواجبات المدرسية، وأن يحصل في نهاية كل سنة دراسية على نتائج عملية محسوسة، مع الخضوع التام للنظام الداخلي المقرر للبعثة، ويمكن أن يلتحق بمقر البعثة المغربية بعض الطلبة المقيمين بمصر متى كان أصلهم مغربيا وكان استعدادهم حسنا واستحقاقهم للمساعدة ثابتا، وإذا لم تساعد بعض الظروف على التحاقهم به كان من الممكن تقديم مساعدة أو مكافأة شهرية لهم على شرط التزام العودة إلى المغرب بعد إنهاء الدراسة للعمل في المنطقة الخليفية.
الفصل السادس: قسم مكتب التبادل الثقافي؛ يكون مكلفا بهذا القسم مساعد خاص آخر، ومهمته هي اتخاذ التدابير المناسبة لاختيار الأساتذة المتخصصين في التعليم وانتدابهم للتدريس في مدارس المنطقة الخليفية ومعاهدها الثقافية، واستدعاء علماء محاضرين لإلقاء محاضرات نفيسة في المواد التي تخصصوا فيها، واقتناء كل الكتب والمراجع الضرورية لمعاهد المنطقة وخزائنها العامة، واستنساخ أو تصوير كل ما يمكن استنساخه أو تصويره من المخطوطات المفيدة للثقافة المغربية المحفوظة بدور الكتب والخزائن المصرية، وإشراك علماء مصر ومفكريها بقدر الإمكان في جميع أنواع النشاط الفكري والثقافي التي على معهدنا الخليفي أن يقوم بها، وتنظيم رحلات تعارف وإخاء، خصوصا في الأوساط الجامعية ومن بين الأساتذة والطلبة، وطبع النشرات والكتب القيمة التي يقتضي النظر طبعها مع تصحيحها والتعليق عليها، وتعريب الكتب الأجنبية التي تكون مفيدة للنهضة المغربية مع نشرها بعد تعريبها، والدعاية الواسعة للحضارة المغربية والفن المغربي، والتعريف ببدائع هذه المنطقة ومزاياها الطبيعية في جميع الأوساط الثقافية بمصر والشرق؛ وبالإجمال تنحصر مهمة المكلف بهذا المكتب في القيام بكل ما يساعد على توثيق العلاقات الثقافية والروحية بين الأمة المصرية النبيلة وأمتنا العزيزة.
الفصل السابع: قسم معرض الفن المغربي؛ يكون مكلفا بهذا القسم مساعد خاص يعمل طبق تعليمات المدير، ويعتبر مسؤولا عن سير هذا القسم؛ وهذا المعرض يكون صلة وصل بين منطقتنا الخليفية والمملكة المصرية من الناحيتين الفنية والصناعية، ويعتبر معرضا دائما في مصر لنماذج المصنوعات المغربية التي امتازت بها بلادنا عن غيرها من بلدان الإسلام.
ويمكن أن يُوَرِّد لعشاق الفن المغربي من المصريين وغيرهم جميع طلباتهم على حسابهم الخاص.
الفصل الثامن: لتسديد مصاريف مؤسسة بيت المغرب في مصر بجميع أقسامها تخصص مساعدة سنوية مبلغها ثلاثمائة ألف 300.000 بسيطة إسبانية.
الفصل التاسع: يوضع “بيت المغرب في مصر” بكافة أقسامه تحت الرئاسة الشرفية لنجلنا العزيز مولاي المهدي بن الحسن أصلحه الله ووفقه والسلام.
صدر به أمرنا المعتز بالله، في قصرنا الخليفي العامر بتطوان، في فاتح جمادى الثانية عام 1357 موافق 29 يوليوز 1938.
الظهير الثاني:
جاء فيه: “يعلم من هذا الكتاب الشريف والأمر العلي المنيف، أنه نظرا لما أظهره خديمنا الأرضى مدير معهدنا الخليفي الفقيه العلامة الكاتب العبقري الأستاذ السيد محمد المكي الناصري من نشاط متواصل في خدمة الثقافة ونشر العلم بهذه المنطقة السعيدة، ولما بذله من جهود مثمرة في تنظيم معهدنا وتزويده بما يحتاج إليه، ولما حصل عليه من نجاح عظيم في المهمة الثقافية السامية التي وكلنا إليه القيام بها في القطر المصري الشقيق أثناء رحلته الخيرة، ولما له عند جنابنا العالي من ثقة وتقدير يناسبان إخلاصه واجتهاده في سبيل المصلحة العامة، وبعد مراجعة ظهيرنا القاضي بإنشاء “بيت المغرب في مصر” الصادر في فاتح جمادى الثانية عام 1357 موافق 29 يوليوز 1938؛ قرر ما يلي:
فصل وحيد: يعين الفقيه الأستاذ محمد المكي الناصري القائم بإدارة معهدنا الخليفي في تطوان مديرا أيضا لبيت المغرب في مصر بكافة أقسامه، ويقوم مقامه عند غيبته مدير مساعد، وهو مفوض من سمونا الملوكي..، فليقم بما أسندناه إليه خير قيام، وليعمل كل ما يمكن عمله لنجاح هذا المشروع الثقافي، فالواقف عليه يعلمه ويعمل به والسلام. صدر بتطوان، في فاتح رجب 1357 موافق 27 غشت 1938.
وقد كتبت جريد الدستور (المصرية) بتاريخ 03/09/1938م: “نحسب أن القراء ما يزالون يذكرون من أنباء الشتاء الفائت، كيف احتفلت البيئات الثقافية في مصر، وفي طليعتها الأزهر ووزارة المعارف بالزعيم المراكشي السيد محمد المكي الناصري، موفدا من حضرة صاحب السمو أمير تطوان، ليجدد أواصر الإخاء الثقافي التقليدي بين مصر ومراكش، عن طريق الإذن لعشرات الشبان المراكشيين في أن يحصلوا العلم بالمعاهد المصرية مبعوثين من المعهد الخليفي التطواني، الذي يديره السيد الناصري ويشرف عليه صاحب السمو الخليفة.. كان الذي استقر عليه الرأي بين الأزهر ووزارة المعارف من ناحية وبين السيد الناصري من الناحية الأخرى، هو أن تتقبل كليات الأزهر وكليات الجامعة والمدارس الثانوية طائفة من الشباب المراكشي الذين توفدهم حكومة مولاي الحسن بن العلوي خليفة سلطان المغرب من طلاب المعهد الخليفي في تطوان، حتى يكونوا أثر انتهائهم من التحصيل العلمي في مصر نواة طيبة لاستحداث جيل حديث يتزعم الحركة الفكرية والتعليمية في الريف المراكشي” (عن جريدة: الوحدة المغربية،ع:59، س:2).
دور الفرانكفونية في مسح تاريخ المغرب ونهضته
منذ البعثة العلمية الفرنسية التي وفدت على طنجة سنة 1906م والمجهودات البحثية التي قامت بها، وكذا الجمعيات المماثلة قصد معرفة الشكل المناسب للسيطرة على المغرب وتحويله إلى مقاطعة فرنسية توفر حاجيات مواطنيها المختلفة، لذلك خطت لمنطقة الحماية الفرنسية برنامجا تأهيليا يحقق ذلك الغرض، يختلف عما تتوخاه البعثة الموجهة إلى مصر؛ وهو ما سنحاول إبرازه بحول الله في بحث لاحق ليتضح سبب إقصاء وطمس النهضة المعرفية التي قادتها الحركة الوطنية في الشمال بعد الاستقلال مباشرة، لدرجة لم يبق فيها منبر من المنابر الإعلامية التي تم إيجادها لخدمة الحضارة المغربية كما جاء في ظهير إنشاء بيت المغرب، ترى ماذا فعل به؟
وهل تمت بعثات على غراره بعد الاستقلال؟
وما هي مستويات مشاركة الشمال في المسار الثقافي اليوم؟
أين جرائد الحرية، والأيام، والوحدة المغربية، ومجلات: السلام، المغرب الجديد، لسان الدين، المعرفة..؟
أعمال تذكر فتحمد، ويتساءل لماذا همشت تلك المنطقة؟
فيأتي الجواب: أنها كانت خارج سرب الفرانكفونية التي يأبى رُضَّعُها المزاحمة الحضارية لمعرفتهم بحجم زبدهم وزبدة محيطهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث في علم الاجتماع الديني والثقافي، وعضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، وعضو الجمعية العربية لعلم الاجتماع، وعضو رابطة علماء المغرب.
المغاربة في التاريخ كان لهم حس عميق فكان الأجداد رحمهم الله حينما يحلون ببلد كان اول ما يفكرون فيه هو بناء دار للمغاربة بكل مواصفاتها ويوقفونها عليهم .حتى لا يضيع المغربي إذا حل بتلك البلد وصونا لكرامته وفيه المبيت والماكل والمشرب .وهذه الدور كانت موجودة في المدينة المنورة ومكة المكرمة وكانت تسمى رباط المغاربة ومن زار الديار المقدسة (المدينة المنورة ومكة المكرمة) يعرف تلك الرباط جيدا اما في عهد التدمير للأثار في المدينتين المقدستين لم يبقى شيء من الأثار الإسلامية فيهما…