بيع الخمر للأجانب.. بين التحريم الرباني والترخيص القانوني
هوية بريس – د. محمد عوام
من الآفات القبيحة، والمنكرات الشنيعة التي انتشرت وفشت بين أهل الزمان، شربهم للخمر وتجارتهم فيها، رجالا ونساء، وشبابا. والأدهى والأمر أن يدعي من لا نقير له ولا قطمير في علم الشريعة، جواز بيع الخمر للأجانب، متمسكا في ذلك بجواز القانون الوضعي لذلك، ومخالفا -برأيه القبيح هذا- صريح القرآن والسنة، وما أجمعت عليه الأمة في كل بلد ومصر، وبدو وحضر، منذ عصورها وقرونها الأُوّل.
ولا ريب في أن أصحاب هذه المقالة الفاسدة يحكمون ويسيطرون، ويعيشون ويتمعشون من أم الخبائث، فهم لا يرتاح لهم بال، ولا يهنأ لهم ضمير إلا إذا وجدوا أمة غارقة في الخمر والموبقات، فيحكمون قبضتهم عليها، ويسهل عليهم الاستحواذ والهيمنة عليها، ذلك أن الذي تلعب الصهباء بعقله، يسهل انقياده لكل طغيان واستبداد، ويرضى بكل خضوع وخنوع وذلة ومهانة. فهذه بعض مقاصدهم الخبيثة، وأهدافهم المستهجنة.
على أن هذه الآفة الخبيثة، شرب الخمر علانية، في خمارات مرخص لها، تعمل باسم القانون، وتحت حمايته، وبمباركة منه، لم تكن في تاريخ الإسلام والمسلمين هكذا جهارا، وأمام مرأى ومسمع المسلمين، تحديا لعقيدتهم ودينهم، واستفزازا لمشاعرهم ونفسيتهم، وإنما قد يحصل ذلك خفية، وبعيدا عن الأنظار وباحتياط كبير جدا من بائعيه وشاربيه، من أن تقع عليهم عقوبة حدية أو تعزيرية.
والذي يعنينا هنا أن نبين بطلان بيع الخمر للأجانب والترخيص لذلك، ونعني بهم غير المسلمين، وأن نكشف عن تهافت هذه المقالة التي تريد أن تدلس على عموم الناس دينهم، وكأن هذا البيع على الجواز. فالشريعة الإسلامية الطاهرة لا تكيل بمكيالين، فكل ما هو محرم على المسلمين فيما بينهم، محرم -أيضا- فيما بين المسلمين وغيرهم.
ومهما يكن من أمر، فيظهر بطلان بيع الخمر للأجانب والترخيص لذلك، من عدة أوجه:
الأول: مخالفة ذلك لصريح القرآن الكريم، وصحيح السنة
من القرآن الكريم قول الله عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون”. [المائدة:92-93].
هذه الآية الكريمة من أواخر ما نزل في شأن الخمر، يقول العلامة القرطبي رحمه الله: “ولا خلاف بين العلماء أن سورة المائدة نزلت بتحريم الخمر، وهي مدنية من آخر ما نزل”. (الجامع لأحكام القرآن6/186)، ولفظ الاجتناب الوارد في قوله تعالى (فاجتنبوه) يفيد العموم، حيث يعم جميع الأوجه التي يراد للخمر استعماله فيها، وهو “أقوى التحريم وأوكده”. كما قال القرطبي. ومعنى ذلك ألا تشرب، ولا تخلل، ولا يداوى بها، ولا تباع لا لمسلم ولا لغيره، ولا يرخص ببيعها، ولا ينتفع بها في شيء، امتثالا لأمر الله تعالى (فاجتنبوه). قال ابن العربي رحمه الله: “والأمر على الوجوب لا سيما وقد علق به الفلاح”. (أحكام القرآن2/757).
ومن السنة ما ذكره ابن عباس: “أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الله قد حرمها، قال: لا. فسارَّ إنسانا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ساررته؟ فقال: أمرته ببيعها. فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها. قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها.” (رواه مالك في الموطأ، ومسلم في صحيحه).
قال النووي: “فيه تحريم بيع الخمر وهو مجمع عليه”. (شرح النووي على صحيح مسلم7/4291). وقال الزرقاني: “ففيه وجوب إراقته (الخمر) لفعله ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم وأقره عليه” (شرح الزرقاني على الموطأ 4/172).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأهن على الناس. ثم نهى عن التجارة في الخمر.” (رواه الشيخان)، وقد عقد البخاري في صحيحه بابا في (تحريم التجارة في الخمر، وقال جابر: حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الخمر.”
وروى مالك عن نافع عن عبد الله “أن رجالا من أهل العراق قالوا له: يا أبا عبد الرحمن إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها. فقال: إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تشربوها فإنها رجس من عمل الشيطان”.
عن أنس بن مالك قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة، عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له”. (رواه الترمذي).
وروى مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: “كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب، شرابا من فضيخ وتمر، قال: فجاءهم آت، فقال: “إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.”
هكذا تعامل الصحابة الكرام رضي الله عنه مع الخمرة الملعونة، أقلعوا عن شربها، واجتنبوا معاقرتها وبيعها، ممتثلين في ذلك أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فصلحت أحوالهم، واستقامت أمورهم، ونضجت عقولهم، فأصبحوا بذلك خير أمة أخرجت للناس.
على أن ما تلوح به النصوص السالفة من القرآن والسنة، ويظهر جليا من منطوقاتها، أن بيع الخمر وشربها والانتفاع بها حرام شرعا، وأن تحريم بيع الخمر ليس خاصا-كما يدعي بعضهم- بالمسلمين فيما بينهم، وإنما يشمل غيرهم، فلا يجوز لمسلم أن يبتاع خمرا من يهودي، ولا نصراني، ولا غيرهما من غير المسلمين، سواء كان من مواطني البلد، أو وافدا عليها، مهما كانت ديانته، أو جنسيته، أو لونه، فالشارع الحكيم لم يقيد حرمة بيع الخمر -أو غيرها من المحرمات- بين المسلمين فحسب، وإنما عداها إلى غيرهم، فالحرام حرام مع المسلم وغير المسلم.
وينبني على ما ذكرت أن الترخيص ببيع الخمر بذريعة أنها للأجنبي، لا مستند له في الشرع، وإن المسلم ليتعجب حين يجد إباحة الخمر بالنص القانوني، وإعطاء الرخص بالنص القانوني، وحماية بائعيها بالنص القانوني، فهل نسخ النص القانوني القرآن والسنة؟
إن الذين فرقوا بين المسلم وغيره في التجارة في الخمر، لا مستند لهم شرعي، ولم ينطلقوا منه أساسان ولم يسألوا أهله حتى يجيبوهم عن عيهم، وإنما اقتفوا آثار مستعمريهم، واتبعوا أهواءهم وشهواتهم، فشرعوا ما لم يأذن به الله، فضلوا وأضلوا.
ثانيا: مخالفة ذلك لإجماع الأمة
فقد أجمعت الأمة قاطبة على تحريم الخمر، بيعا وشرابا، وعلى أي وجه من وجوه الانتفاع. وهو إجماع يقيني، نقل قرنا عن قرن، وجيلا عن جيل، وعصرا عن عصر، حتى أصبح معلوما من الدين بالضرورة. لا يماري في ذلك أحد من المسلمين. والإجماع قطعي حاسم.
ثالثا: فعل الصحابة
ذهب علماء أصول الفقه إلى أن قول الصحابي، أو فعله، أو تقريره، إذا أجمع عليه فهو حجة، لا سيما الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم الوارد فيهم الحديث النبوي الشريف: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ.” (من حديث العرباض بن سارية أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم). إذ يستحيل في حقهم رضي الله عنهم أن يسكتوا عن أمر مخالف للشريعة، أو مناقض لأصولها ومقاصدها.
بناء عليه فقد روى عبد الرزاق في (المصنف) والسيوطي في (جامع الأحاديث) وغيرهما، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حرق بيت رويشد الثقفي، وكان حانوتا للشراب، وكان عمر قد نهاه”.
وفي رواية فيها زيادة، وهي عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه “فلقد رأيته يلتهب كأنه جمرة”.
وفي رواية عن نافع قال: “وجد عمر في بيت رويشد الثقفي خمرا فحرق بيته، وقال ما اسمك قال رويشد. قال: بل أنت فويسق”.
وبناء على عمل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، الذي كثيرا ما يتخذه الإمام مالك رحمه الله مسلكه في الاجتهاد، تأصيلا لمسائله وقضاياه، حكى ابن القاسم عن مالك رحمه الله أنه “سئل عن فاسق يأوي إليه أهل الفسق والخمر ما يصنع به؟ قال: يخرج من منزله، وتكرى عليه الدار والبيوت، قال: فقلت ألا تباع؟ قال: لا، لعله يتوب، فيرجع إلى منزله. قال ابن القاسم: يتقدم إليه مرة أو مرتين أو ثلاثا، فإن لم ينته أخرج وأكريت عليه.
وقد روى يحيى بن يحيى أنه قال: أرى أن يحرق بيت الخمار، قال: وقد أخبرني بعض أصحابنا: أن مالكا كان يستحب أن يحرق بيت المسلم الخمار الذي يبيع الخمر، قيل له: فالنصراني يبيع الخمر من المسلمين؟ قال: إذا تقدم إليه فلم ينته، فأرى أن يحرق عليه بيته بالنار”.
وكل هذا يدخل في باب السياسة الشرعية والعقوبات التعزيرية، التي من مقاصدها ردع الجناة، ومحاربة المنكرات، والقضاء على الفواحش والرذائل، حتى لا تقضي على المجتمع المسلم، فتجلب بذلك سخط الله.
رابعا: مخالفة ذلك لقصد الشارع في التشريع
لا يخفى أن الشريعة الإسلامية المباركة لها مقاصد نبيلة، وغايات شريفة، منها حفظ الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال. والمتأمل في شرب أم الخبائث، يجدها تأتي على هذه الضروريات الخمس بالضعف أو النقض، تأتي على دين المرء فتضعفه، وعلى نفسه إما بالإتلاف التام أو النقص والإذاية، وعلى عقله بتعطيله وزواله حتى لا يدري ما يصنع وما يقول، وعلى نسله بالوقوع فيه أو في غيره بالزنا، وعلى ماله بإهداره وتبذيره وإنفاقه فيما يعود عليه بالضرر.
فلا جرم أن الشارع الحكيم قصد من وراء تحريم الخمر حفظ الإنسان دينا وجسما وعقلا ومالا ونسلا، ليستمر بحفظه حفظ الوجود الإنساني، وعمارة الأرض بالصلاح، ليقوم بوظيفته السامية، وغايته النبيلة وهي عبادة الله تعالى في شتى مناحي الحياة. قال الله تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين”.
بعد هذا أحب أن أعرج على مسألتين:
الأولى: ادعاء باطل ينبغي كشفه
يتذرع بعض الناس، وخاصة منهم بعض المسؤولين المهووسين ببيع الخمر، أنها عائدة على خزينة الدولة بأموال كثيرة، ووفرة بالغة تسهم في الرفع من الاقتصاد الوطني. فواردات المغرب من التبغ في الشهرين الأولين من سنة 2019 بلغت 236,2 مليون درهم، وفي الفترة نفسها من السنة الماضية 267,5 مليون درهم. ومن الخمور بحوالي مليار ونصف مليار درهم سنويا، وفق ما ورد في قانون المالية، ولكن مع الأسف لا يحسبون الخسائر والكوارث الناتجة عن أم الخبائث، فكم تنفق الدولة على نتائجه وخسائره الفادحة، وكم من حوادث سير قتلت أبرياء، وشردت أسرا، ويتمت أطفالا، ورملت نساء، وكم من أسر تشردت ودمرت وتفككت، وكم من أناس ضربوا ونهبت أموالهم وسفكت دماؤهم، واغتصبت نساؤهم، وكم وكم من حوادث لا تعد ولا تحصى سببها الخمر. فكم تنفق وزارة الصحة التي تعنى بالأبدان، والداخلية التي من وظيفتها الأمن والأمان، على مخلفات الخمر الكارثية؟
ثم أليس من العقل السديد، والتصرف الرشيد أن نعد المداخيل ونحسب الخسائر لنوازن ونضع أيدينا على ما تبقى، فلماذا يسكتون عن هذه المعادلة ولا يزنون بالقسطاس المستقيم، مع العلم أن الله تعالى قال في الخمر والميسر: “فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما.” وقال “فاجتنبوه” فأعمال العقلاء منزهة عن العبث، ولا يرضون بمنافع تنطوي تحتها كوارث لا حد لها ولا حصر، لا بارك الله في مليارات الحرام المخلفة للدمار، فهل أنتم منتهون.
والثانية: وظيفة الحاكم في الدولة الإسلامية
من وظائفه محاربة المنكرات وحماية المواطنين في دينهم وبدنهم وبلدهم، بجلب الصلاح ودرء الفساد، فعلى كل حاكم مسلم أن يمنع بيع الخمر بالترخيص لها، وسائر أنواع الترويج لها السري والعلني. فهو مسؤول عن ذلك، وكافة أجهزة الدولة المسلمة الأمنية والتشريعة والقضائية مسؤولة عن منع بيع الخمر منعا باتا، وأن القوانين التي أتت بها رياح الاستعمار ولا زالت قائمة بحجة بيع الخمر للأجنبي غير المسلم، يجب طرحها وإبطال العمل بها. لأنها من الفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد.
بارك الله فيكم، واجيب فقط عن آخر مبحث “وظيفة الحاكم في الدولة الإسلامية.. في زماننا”: وظيفته الكل يعرفها، الحفاظ على الكرسي بمحاربة الاسلام بالوكالة.
والحمد لله رب العالمين
ولو تأتي بمليون دليل شرعي على حرمة الخمر فلن يسمع منك أحد لأن المغرب دولة علمانية(دار كفر أي لا يحكم فيها بشرع الله). ولو كنت صادقا مع الله فيجب أن تؤمن بأن الوضع لن يتغير إلا بالجهاد في سبيل الله. غير هذا فالجال لن يتغير ولو كتبت مليون مقال. وتكذب على نفسك.