بين الصين وتركيا مسار تنموي واحد
هوية بريس – سعيد الغماز
تعتبر الصين وتركيا من بين الدول التي حققت قفزة تنموية كبيرة في ظرف وجيز. الأولى في نهاية القرن العشرين والثانية في بداية القرن الواحد والعشرين.
وباستعراضنا للنموذج التنموي الذي اعتمده البلدان، نجد تشابها كبيرا بينهما، بل شاء القدر أن يكون للبلدين تاريخا اقتصاديا متشابها إلى حد كبير. قد يقول البعض، كيف يكون لكل من الصين وتركيا تشابه في النموذج التنموي ونحن أمام دولة يحكمها الحزب الشيوعي وأخرى يحكمها حزب بمرجعية إسلامية. هذا ما سنفصل فيه في هذا المقال.
كما هو الشأن في تركيا، عرفت الصين نموذجين تنمويين. الأول أشرف عليه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وكان نموذجا فاشلا حيث بعد وفاة الزعيم ماو في 1976 كان 60% من الصينيين يعيشون تحت خط الفقر والبلاد تصنف في خانة العالم الثالث. وبعد تسلم الزعيم الجديد دينغ كزاو بينغ مفاتيح السلطة، شرع في اعتماد نموذج جديد جعل من الصين ما هي عليه الآن حيث أصبحت القوة الاقتصادية الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
تركيا كذلك عرفت نموذجين تنمويين اثنين. الأول في الفترة التي كان فيها الجيش يسيطر على مقاليد الحكم، وهي الفترة التي شهدت العديد من الانقلابات العسكرية جعلت البلاد على حافة الإفلاس في سنة 2000، حيث أعلن 22 بنكا إفلاسه وبلغ معدل البطالة 60%. في 2002 انتخب الأتراك حزب العدالة والتنمية بزعامة طيب رجب أردوغان الذي دشن نموذجا تنمويا جديدا عرف نجاحا كبيرا، ونقل تركيا من بلد متخلف إلى بلد في مصاف الدول الكبرى وأصبحت تركيا فاعلا رئيسيا في المنتظم الدولي باقتصاد يحتل الرتبة 16 عالميا.
ما قام به الزعيمان في الصين وتركيا يرتكز على نفس المبادئ التنموية ويتشابه إلى حد كبير في منهجية النهوض التنموي الذي عرف نجاحا كبيرا في البلدين. فالزعيم الصيني دينغ لم يقلب الطاولة على النهج الذي أرساه الزعيم ماو، بل عكس ذلك حافظ على النظام الشيوعي بعقيدته الاقتصادية، وعمل على بناء اقتصاد موازي يشتغل وفق ضوابط السوق الحرة. وهو ما يعرف في الصين بالطريق الثاني. ففي المجال الفلاحي مثلا، كان الفلاح في عهد ماو مطالب بإنتاج 30 طن تشتريها منه الدولة بثمن لا يترك له سوى ما يسد به رمقه. وفي عهد دينغ أصبح مطالبا ببيع الدولة 10 طن فقط ويبيع الباقي في السوق الحرة. النتيجة هي أن الفلاح أصبح بهذا التحفيز ينتج أكثر ليبيع أكبر قدر في السوق الحرة، وهو ما زاد من دخله بشكل كبير وحسَّن وضعيته الاجتماعية.
نفس المنهجية اعتمدها أردوغان في بناء النموذج التنموي الجديد. فرغم أن حزبه ذو مرجعية إسلامية، لم يقم الحزب الحاكم بإلغاء النظام العلماني، لأنه يعرف جيدا أنها معركة خاسرة لأنها ستتسبب في صراع بين تيارين إسلامي وعلماني، وهو ما سيسمح بالتدخلات الأجنبية التي ستغرق البلاد في براثين الصراعات والتخلف بعد تدمير الاقتصاد. في الصين كان دينغ يتمتع بنفس الحدس. فهو يعرف جيدا أن إلغاء النظام الشيوعي سيخلق صراعا داخليا يفسح المجال للتدخلات الأجنبية التي ستعمل على إفشال أي مخطط تنموي.
عوض المواجهة المباشرة مع النظام العلماني، اختار أردوغان إعطاء العلمانية تفسيرا ينسجم مع الطموح التنموي الذي تريده البلاد. فاعتبر العلمانية منظومة تدعو إلى العلم وتحرير العقل الإنساني وفكره، والمساوات والحرية والتقدم. وهذه المعاني تنسجم مع مبادئ الحزب. فالفتاة التي تريد ارتداء الحجاب أصبح لها نفس الحقوق التي تتمتع بها الفتاة التي اختارت الحرية في اللباس، وهو ما كان غائبا في النظام العلماني. والطالب الذي يريد الذهاب إلى المسجد وقت الصلاة أصبحت له نفس الحقوق التي لدى الشاب الذي اختار نهجا مغايرا في داخل الحرم الجامعي.
في مجال التدبير، كانت المسؤوليات تُمنح على أساس الولاء للحزب الشيوعي في عهد ماو. لكن دينغ ألغى هذا الامتياز وجعل من الكفاءة عاملا رئيسيا في إسناد المسؤوليات، وهو ما أطاح بالعديد من المسؤولين في الحزب الشيوعي وبأبنائهم وأقاربهم. نفس الشيء نجده في التجربة التركية حيث كان الجيش يسند المهام حسب الولاءات، إلى أن جاء أردوغان وألغى كل تلك الامتيازات لتكون الكفاءة هي المحدد الأساسي في إسناد المسؤوليات.
هكذا إذا يكون للصين ولتركيا تشابه كبير في نموذجهما التنموي الذي عرف نجاحا كبيرا.