بين الظلال والضلال.. في الرد على الفايد
هوية بريس – مولاي المهدي جواني الفاسي الإدريسي
🌾تقديمٌ منهجيٌّ عامٌ بين يدي المقال🌾
🌿 مَا رَفَعَتْ إِصبَعِي يراعَ البيان وريشة التِّبيان ليسيل مدادَهـما الثرّ على هذه الصفحات البيضاء الثلجية التي ستُبرد صدورا وتُشعِل أخرى وتُشغِل آخرين دفاعا عن المقرئ النَّدي البَهِي عمر القزابري – حفظه الله وأمتع به – فهو ليس مُستهدَفاً بنقد ولا مُستقذَفاً بذَبّ، وهو أرفعُ من مَظِنَّة التهمة شامخٌ عن حضيضها أو الالتفات إليها بِضَيَاع الوقت ذي النفاسة الغالية في الردّ على سفاهةِ من يعيشون في ظلامها، ويقتاتون على كَدَرِ خَشاشها:
من حاد عن حبِّ الكمالِ تعنُّتَا * يــتــبــدَّلِ الأدنــى ويــلــقَ الأحــقـــرَا
🌿 فقد اختاره العظيم جلّ جلاله من سفرة هذا الكتاب البررة، وهو الذي تولّى نصرتَه وغيرَه من مشاهير القراء الصَّادحين بحلاوة التجويد وطلاوة الترتيل المجيد، إنّه ربّ الأكوان منزل القرآن على النبيّ المصطفى العدنان، حيث قال ربّ العزة جلّ في علاه :{ إنَّ اللهَ يدافع عن الّذين آمنوا }، فهذا المقال الذي بين يدي القرّاء الكرام وضعناه بين يدي الله تعالى قبل أيِّ أحد، لا أبتغي به “وصلا بليلى ولا أرجو منها أن تقرّ لي بذاك”، كما أني لا أروم به انتقاص فُلانٍ أو عِلَّان،”فإنّ مقامَك حيث أقامَك”، ولكني سألتزم جاهداً بالحكمة العربية القائلة “فخاطب كُلّاً على قدر أُبَّهَتِه”، وعليه فنحن في منهجنا النقدي في الردّ على هؤلاء الزُّمرة الطاعنة ملتزمون بحِكَم الردود الحكيمة والتنقيدات القويمة، حتى لا نفتئت أو نُزايد على أحد، هذا وإنّ صراعنا مع هؤلاء القوم قديم جديد ممّن ينفون سنّة سيّد الخلق وحبيب الحقّ، ناهيك عمّا أردفوه من طعنٍ وسِبابٍ رخيصين مقيتين لكل علماء هذه الأمة الناصرين لها، وقد منّ الله تعالى علينا أن كَتَبَ فتحا علميا على أيدينا بمقال بيانيٍّ أكاديميٍّ رائد، نال إعجاب كبار العلماء والدارسين في مختلِف بقاع العالم، والذي ردَدنا فيه بالبراهين البلاغيّة الساطعة والأدلة البيانيّة القاطعة على منكري السنّة وعبثِهم في تأويل أوامر الكتاب العظيم، وكان عنوان المقال: “الأسرار البيانيّة والمقاصد البلاغيّة من ورود الأمر في القرآن العظيم والردّ على مطاعِنِ المُخالفين”، وقد تفضّلت إحدى أرقى جامعات آسيا جامعة مَلَايَا بدولة ماليزيا “university of Malaya”، بطباعته في مجلّتها المُحَكَّمة “الضّاد”، وقد تصدّر المركز الأوّل في الطبع، فلّله الحمد من قبلُ ومن بعد.
أمّا بخصوص ردّنا هذا على الدكتور الفايد الذي كال التُّهم والأباطيل على الشيخ المقرئ الكبير عمر القزابري، فقد جعلْناه من حيث المنهج المتّبَع في ضوء المقاصد النقديّة الواردة معالمُها في قصيد الإمام الحريري من مقاماته العصماء “المقامة الفُراتيّة”، لتضمُّنِها وبشكل بليغٍ وعمليٍّ المراسم النَّقديّة العامّة في نقد الآخر، وجعلناها المُجْتَبَى العام في محاور هذا المقال، مستخلِصِين منها لجوامعِها عُمَداً في تِلْكُمُ الردود، وزُبَداً لِمُعتصَرَات الأقوال ومختصرَات الكَلِم، و”يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق”، وإلا فالردُّ يحتاج إلى أسفار مجلّدة لعظيم ما جاء به القوم وخطير ما قالوه وجَلَلِ الخَطْبٍ من هول المطلع، يقول الحريري في مقاماته البليغة :
اسمَعْ أُخَيّ وصيّةً منْ نـاصِـحٍ * ما شابَ محْضَ النُصْح منه بغِشّهِ
لا تَـعـجَـلَـنْ بــقـــضــيّـةٍ مــبْــتــوتَــةٍ * فــي مــدْحِ مــنْ لـمْ تـبـلُـهُ أو خــدشِـــهِ
وقِفِ القضيّةَ فيهِ حتى تجْتَـلـي * وصْفَـيْـهِ فـي حـالَـيْ رِضـاهُ وبـطْـشِهِ
ويَـبيـنَ خُـلّـبُ بـرْقِـهِ مـنْ صِـدْقِـهِ * لـلـشّــائــِمـــيـــــنَ ووبــْـلُــــهُ مـــنْ طَـــــشّـــــهِ
🌿 فنحن في ضوء هذه الأبيات المنهجية الحريرية ما تعجّلنا في البثِّ الفَصْل في أمر هؤلاء القوم، وفي الردّ على المخالف منهم، فقد وقفنا على مزاعم هؤلاء الذين يضعون أنفسهم بين دَرَكِ الهُزْء بالدين وتعاليمه الحكيمة، وبين القدح المتواصل في أعلام هذه الأمة المجيدة من علماء وأئمة وفقهاء زاعمين أنهم صَالحون، وهم أحقُّ بإبدال الصاد سينا حيث همْ سَالحون، فظهر لنا قبل نقْدِهم وَبْلُ كلِّ واحد من هؤلاء الطاعنين من طَشّه، فلم نر منه إلا رَذاذاً أسودَ خافِتاً يفوح نتانةً تَزكُمُ النفوس بدل الأنوف، وهو يحسب أنّه قد تمسَّكَ وتعطَّر، والحالُ أنه تنتَّن وتَعَذَّر، فذُمُّوا من حيث اعتقادُهم أنهم مُدِحُوا، وخَسِروا من حيث ظنُّهم أنهم أفلحوا، وباروا وكسدوا من حيث إيمانُهم أنَّهم ربحوا، وتألّبوا على الدين فراموا رسمه بألوانٍ قاتمةٍ شتَّى، وإمَامُهُم في ذلك جهلٌ عريضٌ مركّب بالدين وسماحة تعاليمه، أرادوا أن يرسموه للعامّة والخاصّة من مريضِ هواهم و عليلِ نزعاتهم اتِّباعا لسقيم نزواتهم وإرضاءً لما بينهم من قلوبٍ سوداءَ كَوَسَخِ الكُوزِ قد عشَّش فيها النفاق، فباضَ البغض للدين وفرّخ عَنْقَاء الاستهزاء به، فهي لا تشتعل عند هذا حتى تحترق عند ذاك، فلا تكاد تقوم من رمادها عند آخر إلا وهي قد أفردت أجنحتها لتحمل القوم إلى عالم الظُّلمات ومُدن المتاهات، فانقلبت الريشة على وجوههم كما ينقلب السِّحر على السّاحر، فبدل أن ترسم الدين المُشوَّه الجديد رسمت على محيّاهم قَتَرةً يراها فيهم كل من تطلّع على سُحنةِ سيماهم، فتنقبِضُ النفوس منها، وتتقطَّبُ أساريرُ الجباه، فما رأينا منهم إلا زعيقا ونعيقا ملأ الدنيا، “جَعْجَعْةً ولا أرى طِحْناً” كما تقول العرب في بليغ أمثالها، وما هو إلا ضجيج وبَوار، وهم يحسبون أنفسهم لِحُمقهم أنهم بُلْبُلٌ وهَزار:
ومـن يــكـنِ الغـرابُ لـه دلـيـلاً * يمُرُّ به على جِيَفِ الكِلابِ
وقد صدق المولى سبحانه حيث قال:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾.
🌾شهادة تكسيح وتجريح من عُوَيْر لِكُسَيْر وكلاهما ما فيه خير🌾
🌿. شهِد الصَّحفيُّ الأصفر مصطفى الحسناوي في صفحته على الفيس على صِنْوِه في محاربة الدين الدكتور الفايد أنّه لا يصلح للمناظرة أصلا، فهو عديم المعرفة جاهل بأصولها علماً ومنهجاً، وسينهزم من أوّل جولاته مع أيّ مناظر يوجّه إليه أوّل كَلِمةٍ ينقلب اشتقاقها إلى لَكْمَة تكون كفيلةً بإسقاطه أرضا يَعُدُّ فيها أضراسه وأسنانه، بمعنى أنه وصفه بقول العرب “لا في العير ولا في النّفير”، أفبعد هذا التَّكسيح للرجل والتجريح له الصّادر ممّن يشاركه مُعَسْكَرَ قلعة الطَّعن في الدِّين وإعلان الحرب على الله تعالى كلامٌ ؟!
ذَهَـبَ الرِجـالُ المُـقـتَـدَى بِـفِـعالِهِم * وَالـمُــــنـــكِــــرونَ لِــكُــلِّ أَمــــرٍ مُـــنـــكَــرِ
وَبَقيتُ في خَلْفٍ يُزَكّي بَعضُهُم * بَــعْــضـاً لـيـَدفَـعَ مُـعــوِرٌ عَــن مُـعـوِرِ
أَبــٌنّـي إِنَّ مِـــنَ الرِجـــالِ بَــهــيـــمَــةً * في صورَةِ الرَجُلِ السَميعِ المُبصِرِ
فَـــطِـــنٌ بِــكُـــلِّ رَزّيَــــةٍ فـــي مـــالِـــــهِ * وَإِذا أُصــيــــبَ بِــديـــنــــِهِ لَــم يـــَشـــعُـــــرِ
فَــسَـلِ اللّـبــيــبَ تـكـنْ لـبــيبـاً مـثـلَـهُ * مــن يــســعَ فــي عــلــمِ بــابٍ يَــظْــفَـــرِ
🌿 هذا يدلّ من جهة أخرى أن هؤلاء لا ينفع معهم سَوْق الأدلة وتنظيم البراهين، فهم من باب أولى يضربُ بعضهم بعضا، ويفضح بعضُهم بعضا، وهكذا أعداء الدين، كَبَيْتِ العنكبوت، تنسج خيوطها لتأكل وحدها، وتطرد زوجها وتلتهم صغارها لتعيش وحدها، مجتمعٌ دمويّ مرعب لأقصى درجة، لا تميل إلى الزوج إلا لتلقيحها، ولا تتركه يسلم بعد هذه العمليّة البيولوجيّة وهو أب أولادها حتى تكسر عضوه التناسلي حتى تنعدم فحولته مع أخرى، مجتمعٌ مُهَلْهَل بلغ أعلى قِمَمِ البراغماتية النفعية والوصولية النِّفاقية {وإنَّ أوهنَ البيوتِ لبيتُ العنكبوت}، ستظلّ العداوة بينهم ضاربة جذورها حتى تهتز الأرض بهم بزلزالِ التّلاسن والتقاذف يوما ما، فهم خواء في هواء في هراء، وها هي ذِي الشرارَة قد بدأت بينهم، فهنيئا لهم بانفجارٍ مُريح، يحسبون كل دليل عليهم مكتوبا على الماء، لا يعجزون على قراءته بل يُعجِزُون أنفسهم على قراءته، فلا همّ لهم سوى التَّنقيص من أجل التَّنقيص، وكل ردٍّ علميٍّ عندهم مُجَرَّد شَقْشَقَةِ كلام، وزخرفة قول، وقد اتّفق حالهم وحال المُطبِّلين لهم “أتباعِ كلِّ ناعق” مع صِدْق ما قاله شريفنا الأديب الشاعر الحبيب “الحسن حيضرة” رحمة الله عليه عندما أنشد:
” هو ذا مِثْلُ العنكبوتْ
نَسَجَتْ من حقدها أوهنَ البُيوتْ
وألقتْ بالطُّعْمِ للضَّحايا في تَابُوتْ
غير أنّها في الزاوية تُولَدْ
وفي الزاويةِ تَمُوتْ “.
🌿 ثمّ لمّا كان من وصفهم ما ذُكِر، وضعناهم حيث أقامهم سوء فعالهم، وقد أُعْيِينا من جُهد ما سكتنا عنهم وتغاضينا عن حماقاتهم، حتى بلغ أحدهم إلى الحطِّ من مكانة كتاب الله تعالى عَلَناً، بالهُزْء من أحكامه التجويدية وآياته، والتلاعب بتعاليم الشَّارع الحكيم وضرب رتبة صحابة الرسول الكريم، ومخالفة ما أجمعت عليه الأمة عقيدةً وفِقْهًا وعبادات من ألفِها إلى يائها، حتى “بلغ السيلُ الزُّبى”، “وغلى المِرْجَلُ حتى انفجر”، “ولم يبق في قوس الصَّبْر منزع”، حتى أتى الدور على فقيه القُرَّاء ذي الصوت الشجي والنبرة الرخيمة والأداء الرَّتِل المُحبَّر الحَيِي بن الحَيي عمر بن أحمد القزابري الذي جعل الله له في قلوب عباده المؤمنين كُرسيا، فهو يتربّع أميرا عليه، فأحبّته الأمة من المحيط إلى الخليج، وتلقّت قراءته بالقبول، فدمعت بتلاوته من خشية ربِّها عيون، وسالت مُقَلٌ واجِلَةٌ بشُؤون، ثمّ إني لأهمس في أذُن الشيخ عمر بهذه الدّرر الغميسة والغرر النفيسة من حِكَم العرب حيثُ أنَّ من علامات الأسياد عندهم أنهم يُعابُون، فكلّ من لم يُعَبْ، فليس بسيّد، وكثرة الحَسَدَة دليلٌ على عُلوّ الشَّأن و رِفعة المَنزلة، قال الشاعر:
ولا خلوتَ الدَّهْرَ من حَاسِدٍ * وإنّما الفاضلُ من يُحْسَدُ
🌿 ومبدؤهم في ذلك قولهم فيما نقله الإمام الشريف سيدي عبد الصمد بن الإمام الشريف سيدي التهامي گنون في “الجِرَاب” : “السيّد من إذا أقبل هِبناه وإذا أدبر عِبْناه”، فكلُّ معيب مَا عِيب إلا لكثرة فضائله، من أجل ذلك تعاملنا مع هذا المعترض الهَزِئ به بقول الحريري بعد ما قاله آنفا:
فهُناكَ إنْ ترَ مـا يَشـينُ فـوارِهِ * كرَماً وإنْ ترَ ما يَزينُ فأفْـشِـهِ
ومنِ استَحَقّ الارْتِقـاءَ فـرقّـهِ * ومنِ استحطّ فحُطّهُ في حـشّـهِ
واعلَمْ بأنّ التّبرَ في عِرْقِ الثّـرى * خافٍ إلى أنْ يُستَثارَ بنَـبْـشِـهِ
وفَضيلةُ الدّينارِ يظهَـرُ سِـرُّهـا * منْ حَكّهِ لا مِنْ مَلاحَةِ نقْـشِـهِ
ومنَ الغَباوةِ أن تعظّـمَ جـاهِـلاً * لصِقالِ ملبَسِهِ ورونَقِ رَقْـشِـهِ
أو أن تُهينَ مهذّباً في نـفـسِـهِ * لدُروسِ بِزّتِـهِ ورثّةِ فُـرْشِـهِ
ولَكَمْ أخي طِمْرَينِ هِيبَ لفضْلـه * ومفَوّفِ البُرْدَينِ عيبَ لفُحْـشِـهِ
وإذا الفتى لمْ يغْشَ عاراً لم تكـنْ * أسْمالُهُ إلاّ مَـراقـي عـرْشِـهِ
ما إنْ يضُرُّ العَضْبَ كوْنُ قِرابِـهِ * خلَقاً ولا البازِي حَقارَةُ عُـشّـهِ
🌾لا يعرف أقدارَ الرجال سوى الرجال🌾
🌿 يتحدّث الدكتور الفايد عن الشيخ عمر القزابري حفظه الله وأعلى قدره في الدارين كأنه خويدمٌ طُفَيْليٌّ لئيمُ الطّبع راضع كما تقول العرب في وصف اللُّؤماء وذمّ الثقلاء، لا همّ له إلا إشباع بطنه من سَقَطِ المتاع، ضَخُمت جثّته وانتفخت بطنه من تُخَم الموائد المترعة من شهيِّ الأطباق ولذيذ الأذواق، قد عَبَثَ به ريح الهوى، فهو يقرأ لدنيا يصيبُها، كما اتّهمه وهي ثالثة الأثافي في عرضه وشرفه وفي نسبه، ونحن نسرد على مسامعه ومسامعِ كل الطاعنين هذه الأقصوصة البليغة الدّسِمة قبل الردّ التأثيلي المُفصَّل:
في يوم من الأيام و سالف العصر والأوان حَطَّت بعوضةٌ حقيرة على نخلةٍ مثمرةٍ سامقةٍ وارفةِ الظلال، فلمّا أرادت البعوضةُ أن تطير عن النخلة قالت لها: استمسكي بنفسك فإنني طائرة عنك، فإني إن رحلتُ وقعتِ!! فأجابتها النخلة وقد تملّكها العجب وقالت لها:
أيتها البعوضة، والله ما أحسستُ بكِ حين سقطتِ عليَّ، فكيف أُحِسُّ بك وأنت طائرة عنِّي؟! ما مثلُكم والشيخُ القزابريّ إلا كمثل من أراد أن يُعكِّر جوَّ السماء، فأثار النَّقْعَ والغُبار، فلما هبّت رياح الأصيل، إذا به قد عكّر وجهه هو، أمّا السماء فبقيت ضاحكة السنّ، برّاقة المُحيّا.
🌿 ومع ذلك نقول له ولأمثاله: تعالَ معنا لتعرف عن كثبٍ من يكون الشيخ القزابري، ولكن قبل ذلك نقول لك: انزع العصابةَ السوداءَ عن عينيكَ، انزع عصابةَ الحقد والبُغض المَقيت عن عينيكَ لترى الحقائق ساطعةً، إنه الشيخ المقرئ المُجوِّد المحقّق عمر بن أحمد القزابري، تلقّى العلم على أئمته وأهل الفضل فيه، وعلى رأسهم الشريف الإمام الجهبذ الفطحل سيبويه العصر الفقيه الموسوعي المشارك الزاهد مولاي أحمد أبا عبيدة المحرز رحمه الله، وتلميذه الشريف الإمام الرباني مولاي المصطفى البحياوي، وغيرهما الكثير، وقد جالس كبار القراء وتتلمذ على يدهم كالشيخ الدكتور المعصراويّ بمصر المحروسة، وكل هؤلاء الأعلام الذين ثافنهم وجالسهم الشيخ عمر وجثا بالرُّكَب لينهل من صافي علومهم يكنّون له كل الود والاحترام والتقدير، لم يعرف الشيخ عمر طُرُقَ “الزرود” بل أفنى عمره في حكّ “العُود على العُود”، لحفظ القرآن العظيم وترتيله وتجويده غضًّا طريّاً، لم يمدّ الشيخ عمر يده لإنسان، بل مدّها لمولاهُ الرحمن، ولْينزِلْ من شاء ويسألْ من شاء من ناس مراكشَ الطَّيِّبين الأقحاح عن أبيه الفقيه الولي الصالح سيدي أحمد يَرَ العجب العُجاب، من رجل كانت تفيض منه الأخلاق الفاضلة الحميدة كنهر جارٍ ثَرٍّ لا يتوقّف صبيبُه، من رجلٍ عاش على الكفاف والزهد فيما في يديه قبل الزهد فيما في أيدي الناس، وليس من الشحاذة التي ابتُلِيتَ بها أنت على حساب دينك وعقيدتك، فبعتَهما بثمن بخس في سوق التمرّد على الإسلام وثوابته أنت والشرذمة المقيتة التي معك مقابل دراهم معدودة أو شهرةٍ صفيقةٍ ماتت قبل أن تولد وأُجْهِضَت قبل أن تتكوّن في رَحِمِ البؤسِ والهَوان. كان أب الشيخ عمر رجلاً اختلط عظمُه ولحمه ودمه بشمائل السلف الصالح، وعلى ذلك ربّى أولاده وأنجاله حتى عُرِفُوا بكرم حاتميٍّ نادر، لا على “السعاية” كما ادّعيت فيه ظلما وعدوانا وزورا، إلى أن شبّ الشيخ عمر عن الطَّوْق، فالتحق بمدرسة التعليم الأصيل، ومنها إلى الديار السعودية، ليكمل مشواره العلمي هناك حيث ستختلِط أنفاسُه بنسائم الحرمين الشريفين، أمّا ما نراه له من نِعَمٍ فذاك من فضل الله عليه، حيث أكرمه جلالة الملك حفظه الله ونصره بمكرماتٍ هي عنوانُ شرف مملكتنا العلوية الشريفة التي دأبت على نهج سنّة الأقدمين في تكريم أهل القرآن والعلم، وأمّا الهدايا – ورسولنا الكريم صلوات ربّنا وسلامه عليه كان يقبلها – فهي تأتيه ولا يأتي إليها، يعرف عنه ذلك الصغير قبل الكبير، ولكن ماذا نقول؟ وماذا عسانا أن نقول؟ انعقد اللسان “فالهر إذا لم يذق القديد يقول عنه إنه نتِن”، والعَطِش إذا رأى العنب ولم يصل إلى داليتِه يقول عنه إنه حَامِتٌ حَامض”، ولقد قلَّبتُ صفحات فكري ورقةً ورقةً، وتساءلتُ عن سرّ تهجّم الفايد على الشيخ القزابري مما رزقه الله تعالى، فوجدت الجواب ولا جواب بعده في قول الله سبحانه:
﴿أمْ يحسدون الناس على ما آتاهم اللهُ من فضله﴾.
🌿 فأين هؤلاء من عصرِ التبجيل للعلماء وحفظ مكانتهم، كان منهم من يجعلُون خدودهم على مكانٍ وُضِعَت فيه قَدَمُ إمام جليل، ويجعلون ذلك مفخرةً لهم، فرحم الله الإمام الجبل السُّبْكِي الذي وفد على دمشق ليجالس الإمام التقي النقي الزاهد الورع سيّدنا يحيى بن شرف النّووي رضي الله عن الجميع، والذي لم يسلم هو الآخر من لسان الطعون في الآونة الأخيرة من أحد طلبة العلم، فلما حلّ الإمام السّبكي بها وجده قد توفي إلى رحمة الله، فسأل عن موضع قدمه، فلمّا دلّوه عليه صار يبكي ويمرّغ خدّه على موقع قدم الشيخ، ونَظَم بيتين يفيضان رِقَّة وعُذوبةً يقول فيهما:
وفي دار الحديثِ لطيفُ معنَى * إلـــى بُــــسُـــطٍ لــها أصــبُـــو وآوِي
لــعـــلّــي أن أنـــــال بِــحُــرِّ وجــهـــي * مــــكــــانـــاً مــــسَّـــــهُ قـــــدمُ النّـــَواوِي
🌾تحميض طريف ذو أبعاد تربوية من القَصَص الطُّفوليّة🌾
🌿 هناك نوع من البشر عِياذاً بالله تعالى يسبحون في الماء العكِر ويصطادون في مستنقعات آسنةٍ، أولئك الحَسَدة الحَقَدَة، عليهم من الله ما يستحقّون، وهذه وقفة تحميضيّة تربوية من طريف ما ساقه رائد أدب الأطفال الشاعر الكبير أحمد الكاشف رحمه الله تُترجِم بصدقٍ من خلال أحداثها المُتخيَّلة وأَنْسَنَةِ قواها السرديّة الفاعلة دوافعَ طعون الدكتور الفايد على الشيخ الفاضل عمر القزابري بارك الله لنا فيه وعسّلَه، وهي دوافع لا تخرج عن كونها في أبعادها مَحاسِدَ دفينة ومَحاقِدَ مُهِينَة ومَهِينَة، هذه القصّة البديعة تحكي عن صراع الجمال الجَسَدِيّ مع القبح الحَسَديّ الذي عرفه تاريخ البشرية منذ أن حسد الشيطانُ لعنة الله عليه سَيِّدَنا آدم عليه الصلاة والسلام في السماء، فأبى الامتثال لأمر الله سبحانه، وصولا إلى الأرض عندما حسد قابيلُ أخاه هابيل فقتله، ليكون الحسدُ كما قال علماء “فنّ الأوائل” أوّل ذنب عُصِيَ به اللهُ في السماء وفي الأرض، وما زال الحسد للأسف يسري في المجتمعات تخريبا وتهويلا، تقول القصّة نثراً:
🌿 إنّه قد عاشت في غابة خضراء في بركةِ ماءٍ صافيةٍ، كأنه اللُّجينُ الأبيضُ دودةٌ صفراءُ فاقعةٌ لامعة، عاشت في هناءة من العيش، لاتؤذي أحدا ولا يُؤذيها أحد، حتّى إذا ما أسدَل الليلُ عباءَتَهُ السوداءَ الحالكةَ على الكون، وغارت النجوم في كبد السماء، وأرسل القمرُ أشعّته الفِضية على الغابة وبركتها، أظهرَ هذا المشهدُ الخلّابُ الدودةَ الجميلة في مياهِ البركة، وهي تسبح بكلِّ رشاقة كأنها قطعة إبريزٍ خالص، لكن لسوء حظها كانت لها جارة سوء، لا تعرف حقوق الجِيرَة أبدا، إنها الضفدعة القبيحة السامة التي يغلي سمّها في عروقها، وتتقلَّبُ عقاربُ البغضاء في قلبها المُظلِم، وعندما رأتها حسدتها على بهاء صورتها ونداوة سباحتها ورشاقتها، وهي التي كانت رمز الوفاء والحِشمة بين مخلوقات تلك البركة التي تحبّها، رأت الضفدعة كيف أنّه لا ترقى إلى عُشْرِ معشارِ جمال جارتها الدودة، فانقضّت عليها هذه الحاقدة اللّدودة، وبثّت فيها سمّها، ولا ذنب لها سوى جمالها، وهكذا ترسمُ لنا هذه القصة المعبِّرة مبادئ هؤلاء الذين يتربّصون بكل شيء جميل، محاولين تشويه معالمه حَسَداً من عند أنفسهم، يقول الأديب الشاعر أحمد الكاشف في ذلك شعرا:
بالعُشْبِ باتَتْ دُودَةٌ * تكتَنُّ في حِرْزٍ مَكِيـــنْ
صَفْرَاءُ تَلْمعُ في الظَّلامِ * يروق منظرُها العُيُونْ
وقعَــتْ عـــلـيــها عــــيـــنُ ضـفـــــدعـــةٍ مُـــــسَــــاوِرَةٍ خَـــــؤُونْ
فتغيّظت من لَمْعِ تِلْكَ * وشَفّها الحسدُ المَهِينْ
نَفَثَتْ عليها سُمَّها * لـتُــذِيقَــها رَيــْبَ المــَنـــُونْ
أَوَّاهُ قــــد أفــــزعـــتـــنـــي * يــا جـارتِـي لــِمَ تَــعــتــديـــنْ
ولأي ذنــب تبتــغيـنَ * لــيَ الفــــنــــاءَ وتــرتـــجــيـــنْ
لاشيء مـنـك رأيــتُــه * لــكــن لـــمــاذا تـــلــمــعـــيــــنْ
🌾كنْ جميلا ترَ الوجود جميلا، وفاقدُ الشيءِ لا يعطيه🌾
🌿 ممّا يجعل هذه القصة ذات مصداقية في واقعنا العمليّ أن الدكتور الفايد لم يجدْ ما يطعن به على الشيخ القزابري سوى شكلِه وصورته، فأمّا عن شكل الشيخ الذي لم يرق له أبدا، فنقول له أرحْ نفسك فهو عندنا وسيم قسيم، حلو الصورة، بديع الحديث، طيّب المعشر، عليه نور الله بادٍ على صفحة وجهه المشرقة، يراه المؤمنون بعيون القلب فيستَحْلُونه، وتكتحل العينُ بطلّته، أمّا من عمِيت بصيرتُه، وشُوِّهت سريرتُه، فلا ترى عينه إلا صورةً مشوّهة لنفسه، ينقلها إلى مُقلَتَيه دماغُه فيحسب الناسَ أنهم عليها، والأمر خلافُ ذلك، وأنصحُكَ أيها الدكتور بعِظةِ مجرِّبٍ خبير في عالم الاستيطيقا، فحتى ترى الشيخ جميلا أو أي شيء في هذا الكون الوسيع البديع جميلا، فكن أنت جميلا أوّلا، تَرَ الوجود جميلا ثانيا، لقد فقدت الفلسفةَ الجماليةَ في نفسك حيث عَدِمْتها في حِسِّك، فرأيتَ تلك النفس التي بين جنبيك قبيحةَ المطلع، دميمة الصورة، فلم يحملك هذا على أن ترى الشيخ قبيحا فقط بل رأيت الدين في اعتقادك قبيحا أيضاً يحتاج إلى عمليات تجميل على وجه السُّرعة، فتطاولت عليه وجرّدت وحي القرآن العظيم عن وحي السنة المطهّرة الشريفة وهما متلازمان لا يفترقان، واقرأ معي قول الشاعر:
أيُّهذا الشاكي وما بكَ داءٌ * كن جميلا تر الوجودَ جميلا
فكيف ترى الشيخ جميلا وقد قبّحت صورة الدين أمامك الذي هو أغلى من ماء العين ونَفس الروح؟! وليتأمّل القارئ الحصيفُ في ما كتبناه في الرجل يجدْهُ عين الحقِّ، فقد غدا عدوّاً لَجُوجاً لكل ما هو جميل، وتأمّلوا معي بألمعيّة الدارس تجدوه ينفر من كلّ ما له وثيق الصلة بعِلم الجمال، فهو ينفي عن كتاب الله علم الأداء والتجويد، ولكم أن تتسألوا لماذا دعا إلى عزل التجويد عن كتاب الله تعالى ضبطاً وحالًا؟ ما كان ذلك منه إلا أنَّ التجويد جمالٌ في الأداء وتحبيرٌ في نطق الحروف، لذا فقد امتعضَ منه ودعا إلى تخليص القرآن منه، مع ما في ذلك من تجَنٍّ جِدِّ خطير على علوم اللغة كلِّها التي استُخلِصَت منها علوم التجويد المؤدِّية للمعاني في كتاب الله تعالى والمؤثّرة ترقيقا وتفخيما في ضبط المعنى المراد حتى يُفهَم عن الله مراده، والأمثلة لا حصر لها، وأمّا الترتيل فهو الضحية الثانية بعد أخيه التجويد، فلمّا كان منتزعا من الجمال ذاته، مشتقا من معانيه كلها، من ذلك قول العرب: “فمٌ رتِلٌ ورتَلٌ” بكسر التاء وفتحها أي في غاية الجمال المتبدِّي في تراصف أسنانه وتَواؤُمِها وشدة إحكامها في الخلق، ومنه اشتق للدابة المعروفة بالرُّتيلاء اسما منه، لأن على ظهرها فُسَيْفِسَاء هندسية هي في غاية البهاء والحُسن والدِّقة التي دلّت المخلوقَ البشري على ضرْبٍ من جمال صنعة الخالق سبحانه للمخلوقات التي تقاسمت مع الإنسان العيش فوق هذا الكوكب الأزرق الجميل، لمّا كان ذلك كذلك، ثار وفار وطار في غير مطاره، ونادى إلى عطف هذا على الأوّل في حكم إلغائهما إلغاءً مُبْرَما لا يقبل استئنافاً ولا نقضاً، هكذا بكل برودةٍ مَرَضِيَّةٍ سكوباتيّة، والحالُ أنهما ممّا أكّد عليهما الشارع الحكيمُ آكد الحضّ، حيث جاء أمر الله تعالى السّامي بالتَّرتيل مبتَدَأً بالأمر الدال على الوجوب، منتهيا بالمصدر المؤكِّد لفعل الأمر قبله حيث قال عزَّ من قائل { ورتِّل القرآن ترتيلا }، ومن هنا تعلمون حقيقة عدائِه للشيخ القزابري ومعه كلّ قراء العالم الذين كانوا يفسّرون كلام الله تعالى بمحسان أصواتهم وجودة تجويدهم، إذاً يا أهل الله لا تعجبوا من جهة أخرى بعد هذا كُلِّه إن نفى عن أهل الجنة التنعّم بجمال الحور العين، و”قلَب لهم ظهر المِجَنّ” هم أيضاً، والجوابُ ناصعٌ يَقَق لا يخفى عليكم، كما أنّه ليس ببعيدٍ أبداً أن يُطالعَنا يوما ما بِنفي وجود الجِمال من دائرة الإبل في عالم الحيوان، والمناداة بتغيير اسمها لأنها مشتقة من المادة الممقوتة عنده “ج م ل”، وبهذا يصير أُضْحُوكة المجالس بدون منازع.
🌿 فيا عاشق التقبّح والتقطّب والتعبّس أصلِحْ مابينك وبين الله تعالى يُصلحْ لك ما بينك وبين العباد، ثم أصلح نفسك على تقواه تر الوجود جميلا.
🌾صُوَر تجويدية للحرف العربي تجعل الفايد في أمزق🌾
🌿 وهذه قِصَّةٌ طريفة أخرى تُظهِر ضآلة فكر هؤلاء المعاندين المستهزئين بعلم التجويد والأداء، تقول القصة المُستملَحَة:
🌿 دخل رجل على عالم جليل من كبار علماء مرّاكش وهو في درسه أمام طلبته، فقال للشيخ بكل تبجُّح: أيّ فائدة تُرجى من هذا العلم الذي تدرّسه للناس ؟! -يقصد علمَ التجويد- ما فائدة ترقيق هذا الحرف من تفخيمه؟ فقال له الشيخ وكان شديد الذّكاء، انظر فوقك، ما هذه؟ سأله بالدارجة المراكشية، وكان فوق الرجل مصباح نور، فأجابه باللسان الدارج:” هذي “بُولَة”، ومعلوم أنّ كلمة “بولة” مفخّمة اللام عندنا نحن المغاربة في دوارجنا، فقال له الشيخ رقّق اللام، فاستحى الرجل وخرج حسيرا منهزما لا يلوي على شيء، لأن “بُولَة” بتفخيم اللام يقابلها في الفصيح مصباح النور، و”بُولَة” بترقيق اللام أعزّ اللهُ مقام القارئين الأكارم جميعا هي من البول السائل الأصفر النّتن المعروف، ثمَّ ماذا يا هذا؟ أَتُراكَ ممّن يعتدون على الحروف فيستبدلون الضاد بالدّال، فينطقون “المدرسة” مكان التربية وصرح التعليم ممّا يجب معه ترقيق دالها “مَضْرَسة” بالضاد هكذا، وللدروس ضُروس، وفي الحَقِيقَة الحَقِيقَةِ بكم، أنتم أحقّ بالمَضْرَسة حيث مَجمَع الضُّرُوس وهمُ الفِئران والجِرْذان من المدرسة مجتمع التربية والعِرفان، وَأُنْزِلْتُمْ من عِزِّ الحضارة إلى ذُلّ الحَدَارَة، حيث أنهما عندك سواء ضادًا ودالًا، معنًى ومآلًا!!.
🌾* الفايد والفايض، أيُّ علاقة؟! *🌾
🌿 ونحن نتحدّث عن الترتيل وعلوم الأداء ونفيك المطلق لها ونطقك “للمدرسة المضرسة” فهما عندك سواء، نودّ أن نطرحَ على فضيلتكم سؤالا، نرجو أن يتّسع له صدر سيادتكم، كيف نسمّيكَ انطلاقا من مذهبك في نفي تجويد الحروف مادام الدَّال هو الضَّاد؟ عندي اقتراح لعلّك تقبل به وهو: هل ترضى أن نفخِّم دال اسمك فتصبح ضادا، فبدل أن نناديَك بالفايد نقول لك الفايض، لا تَفُر ولا تثُر، فهذا جزاء من يعتدي على هذا العلم الشريف، فذُق سوء أعمالك، وعلى كلٍّ حتى الفايض لقبٌ يليق بك، فأنت الفايض بالتُرَّهَات، الفايض بالخُزَعْبلات.
🌾انتصار للرحمن وتنكيس للشيطان🌾
🌿 مما أثار عجبَنا ورفعنا له القُبَّعة للشيخ عمر حفظه الله أنه لم ينتصر لذاته عندما سُبَّت وهُجِيت بأقذع السب وأحطّ الأوصاف، وكنتُ حقيقةً أنتظره أن يردّ، لكنه لم يردّ تعفُّفا وتكرّما، فارتفع أكثر في أعيننا جميعاً، حيث كان ثابت الفؤاد مطمئن النفس، شعاره كما قال أبو الطيب المتنبي:
وإذا أتتك مذمَّتِي من ناقصٍ * فهي الشهادةُ لي بأني الكاملُ
🌿 وهذا مما لا شكّ فيه دليل قاطع وبرهان ساطع على هضم الشيخ حقّ نفسه، فهي فِدى لله ولرسوله ولدين الإسلام، وإشارة ضمنية على عدم العِبءِ بسفيه الأقوال ورخيص التُّهم التي تقدّم بها الدكتور الفايد، مما يُطوى ولا يُروى، وقد ذكّرني صنيعه هذا مع وجود فوارق جوهرية أن الشاعر عديّ بن الرِّقاع العامليّ، وهو من شعراء الدولة الأموية كان خامل الذِّكر بين الشعراء لا يُعبأ به في باكورة تجربته النّظميّة، فحدّثته نفسه يوما بالشهرة، فما كان منه إلا أنّه هجا جريرا ليردّ عليه فيطير ذكره بين القبائل، مكَّنه من عِرْضِه – للأسف الآسف – مقابل شهرة زائلة يرتضيها بين ناظمي القريض، ففَطِن جريرٌ لخبث حيلته فلم يجبه بقصيد وألقمه حجرا، لكنّ الشيخ عمر لمّا رأى الإسلام يُهان ويُهْزَأُ به انتفض انتفاضة الأسد الرِّئبال الذي دِيسَ عرينُه، فانطلق كالسهم المريش مدافعا عن عرض الدين وحوزته، ذابّاً عن حرمته وبيضتِه، لسان حاله يقول كما قال حسّان بن ثابت المُؤيَّد بروح القُدُس رضي الله عنه:
فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي * لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ
لِساني صارِمٌ لا عَيبَ فيهِ * وَبَحري لا تُكَدِّرُهُ الدِلاءُ
🌾أثاروه فوجدوه ذهبا !!🌾
🌿 قد كان من أمر هذا القارئ الفضيل أنه لما استثاروه أخرج ذَهَبَ الذّلاقة من جَعْبته وفاح نَشْرُ الحَذاقة من جُؤنة فصاحته و عَرْف غاليةِ بلاغته، يؤكّد هذا ردّه الجاحظي ونقده الرفيع الرافعيّ في تدوينة له على الدكتور الفايد، “فرُفِعت” هامةُ هذه المدرسة القِرائية الفضيلة بعد أن “نُصِبَت” رايةُ فضلها باذخةً شامخة، و”كُسِرتْ” أعناق الخُنفشاريين و”جُزِمت” أسماؤهم قبل أفعالهم من ديوان الشمائل والفضائل، و”فُتِحَت” لهم أبواب النُّكْس والرذائل، وبهذا تسقط كل الدعاوي في عدم فهم كتب البلاغة ومقاصدها من الصحفي الأصفر مصطفى الحسناوي الذي تطاول بِقِصرِه القَزَمِي على أسلوب الشيخ.
🌾 اتهام الدكتور الفايد للشيخ المقرئ عمر القزابري بالسِّحر بين واقع الحال وحال الواقع 🌾
🌿 إن كان يقصد الفايد بالسحر ذلكم المفعول الوجداني الطارئ في القلوب فيجعلها تهتزُّ طربا لنفيس قولٍ سمعته، أو عزيز قراءة شنّفت بها أسماعها، ممّا جعله الأستاذ الأديب أحمد الهاشمي رِهان كتابه “السِّحرُ الحلال في الحِكَم والأمثال”، فوالله إن الشيخ القزابري لحريّ بالاتصاف به، فقد سحر الأفئِدَةَ وهَنَّدَها وأخذ بمجامع القلوب، ولانت لقراءته النفوس، وهفت الأرواح الظّامئة تنهلُ من رَوائها، وتُمتِع الكيان البشري بجميل صفائها، فتنفي عنها زَغَل ما علِق بها، فتغدو رقراقة صافية نقاوة الماء الطَّهُور، ولأنَّ هذا هو واقع الحال ليس زيفاً ولا تملّقاً لمقام الرَّجُل، فقد نال شرف مرتبة إمامٍ مقرئ وخطيب مِصقَعٍ لأكبر مسجد في شمال إفريقيا، مع شرف نيلِ وسامين مولويين شريفين، أمَّا عن كفاءته القِرائية فقد جمعت حَنْجَرتُه بدون ذرّة ريب أو بصيص شكٍّ فخامةَ الحُصَري وخشوعَ المنشاوي ومقاماتِ مصطفى إسماعيل و جزالةَ محمد رفعت، فكان صوتُه مزيجا لمدارس قِرائية رائدة، شهِد بذلك القاصي والدَّاني، من أجل ذلك كان أهلا بذلكم المنصب الرفيع المستوى بين مئات القُرَّاء وطلبة العلم، هذا عن واقع حال الشيخ، أمّا عن حال واقعه فقد وَفَد إليه الناس زرافاتٍ ووُحدانا فامتلأ المسجدُ وفاضت الجموع إلى باحاته، في صفوفٍ إيمانيّةٍ متبتِّلةٍ وأمواجٍ بشريَّةٍ خاشعة، ذلكمُ الخشوعُ الذي ملأ المكان الطاهر واستوقف الأجانب ليشاهدوا ويشهدوا مشهدا عظيما ما ألِفوه قطُّ في ديارهم، والذي سيكتبه تاريخ المغرب من حروف الإبريز وإعجام الدرّ الغالي العزيز، فكان صوت الشيخ سفيرا يطرق أبواب هذه الأرواح الموصدة، فتلبّي نداء الحقّ والفطرة التي فُطِر عليها الناس جميعا، فترى المسجد يهتزّ بالتكبير فرحا بدخول هؤلاء المتأثِّرين إلى الإسلام، فإن كان الشيخ القزابري حقّق في أقلَّ من شهور معدودات ما يحقّقه أناس مجتمعين في أعمار عديدة وسنوات مديدة، فيما عدّه مغرضوه سحراً وشعوذةً، ولم يعلموا حيث جهِلوا أن “ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”، فماذا حقّقت أنت “أيّها العشّاب” منذ تسعينات اعتدالِك إلى أواخر خُزعبلاتِك وابتذالِك؟! ماذا قدّمت يا فايد سوى تُرَّهات وصراخات ضوضائية أو خلطات عشبية ما زال ضحاياك منها يتجرّعون ويلاتِها، حيث جعلت من جسدهم مسرحًا لتجاربَ فاشلةٍ هاويةٍ من فصول مسرحيّةٍ بئيسةٍ إخراجاً وتمثيلاً وأداءً؟ ثمّ إن حالك ليُضحكُ في المآتِمِ “ربّات الحِجالِ البواكيا”، لو قرأت أوّل كتاب يقرأه طلبة العربية في أبواب البلاغة “البلاغة الواضحة” للأستاذين الجليلين علي الجارم ومصطفى أمين، لوجدت نفسك في مأزقٍ سحيق أوهدتَ فيه ذاتك، جنيت على نفسك قبل أن تجني على أيّ أحد، “وعلى نفسِها جَنَت بَراقش”، فيا حبّذا لو فقِهْتَ أنَّ ما نَبَسَتْ به شَفَتُك هو كناية عن هُرائك، لو كنت فايدا بتسهيل همزتك لأفدت نفسَك قبل أن توبقها بجهالاتك بتعلّم أبجديات التخاطب والتحدّث، وأنَّ ما يجوز قوله بينك وبين خاصّةِ نفسك يجب غربلته قبل التلفّظ به أمام عامّة الناس قبل خاصّتهم، بل ولا يجملُ بك ولو كان حقّاً من باب الافتراض والاحتمال أن تقوله لكلّ من هبّ ودبّ، فالحكمة فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي مقيّدا بزمان ومكان مناسبين، فما بالك وأنّ ما قلتَه لا يعدو أن يكون هَبَاء، و”صرخةً ضعيفةً في واد” في شكل قذفٍ رخيصٍ للرجل في شرفه وعِرضِه، وضربٍ لأمانته وأهليَّته، أليس هذا هُزْءاً صريحا بكلّ هذا، لقد قلتَ كلَّ ما قلته متبجِّحاً أمام كاميرا قناتك فاستعدَّ إذاً للمساءلة، ويا ليتك لو أخذت بحكمة :
“الصِّدقُ في أقوالنا أقوَى لنا، والكِذبُ في أفعالنا أفعَى لنا”،
ولكن قد صدق فيك الشافعي وفي أمثالك عندما قال:
اِحــفَـظ لـِســانَــكَ أَيُّــهــا الإِنــســـانُ * لا يَــلــــدَغَـــنّـــَكَ إِنَّـــهُ ثُــعــبـــانُ
كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ * كـانَت تَهــابُ لِقاءَهُ الأَقرانُ
🌿 أتْرُكُ لك الجواب عندما يُقدّم لك في دنياك قبل آخرتك.
🌾 * الفايد “بطل المقامات” الوافد علينا من “وادي الحجر” بين جهالة التلقيب بنبتة القزبور la coriandre والبقدونس le persil ، وعلمُ التّغذية يُكَذِّبُه * 🌾
🌿 قبيلة “أولاد سعيد” ومنطقة “وادي الحجر” من شرفاء العرب شهامةً ونُبلاً وكرماً، ومن نبهاء القبائل التي وفدتْ على المغرب الأقصى، وما كنت أظنُّ أنّ الفايد سيختار أخيرا “وادي الحجر” بعد أن أوفد نَسَبَهُ من قبائل “أولاد سعيد” بمنطقة الشاوية ليُحِلَّها بمنطقة الحوز هنا بنواحي مراكش الحمراء، فلنوقِفْه قليلا لنحاورَه قبل أن يختار وجهةً أخرى من اختياره العشوائي متنقِّلا كبَطَل مقامات الحريري في الاحتيال والكُدية، فهو تارة بِصْرِي وتارة كُوفي وتارة مِصري وتارة مغربي، وقد أعملتُ عقلي مليّا في القاسم المشترك كوَجْهٍ للشبه بين “أولاد سعيد” الأحرار وبين منطقة “وادي الحجر” الأبرار، فلم أُلْفِ لهما مَقسَمًا شَبَهِيًّا اعتمد عليه الرجل إلا بعد أن أنصتنا جميعاً له بطرح هذه المعلومة اللَّاتاريخية، وهي أن أولاد سعيد – وهم من دعواه بُرَآء – لايعتذرون، فعلمت أن “قصوحية الراس” مستلهمة من صلابة الحجر الذي ملأ الوادي فلقُّب به الدكتور، فهو يختار من الأماكن “أقصَحَها” التي تخدم موقفه اللَّامسؤول في عدم اعتذاره “القَاصح” من الأمّة عن زلّاته المتكرّرة، ولربّما سيكون في قابل الأيام “صحراوِيًّا” إن وُجِد في أتاي الصحراء المُعَشَّب دواءً من تخاريفه، أو “مَرْزُوكِيًّا” إن أوصله عقله إلى وجود علاج في صحرائها الكاوية من تُرَّهَاته، ويا ليته اتّصف بقبائل “أولاد سعيد” أو “وادي الحجر” العرب الأخيار ذوي الجُرثومة الطيّبة والمَغرَس الحسن، المعروفين بخيرة الأفعال الموسومِين بدماثة الأخلاق وكرم الفِعال، ولمعلوماتِه فإن العربيّ من جليل صفاته وجميل مَكْرُمَاته منقبة “الاعتذار” إذا زلّت قدمه، لأن “الاعتذار من شِيَم الكبار لا الأقزام الصغار”، و”كلُّ إناءٍ بما فيه ينضح”، وهذا فيه تجنٍّ آخر على “قبيلة أولاد سعيد” حفظهم الله تعالى.
أما عن كون نعتك له بالمَعْدَنُوسِي، فهذه قاسمة لظهرك وعار، ومن جوالب الخِسَّة والشَّنار، فمتى كان يُعيَّرُ الناس بألقابهم، ومتى اعتمد النقدُ المعياريّ والتقويم التربوي على ثَلْبِ الخَلْق بمعيبة أسمائهم، أو على تعييرهم بحرفهم، فهذا “الأعمش” إمام الحديث ومسنده بالسند العالي لمْ يَعِبْه عمش عينيه ولا منعه عن رؤية فضائل حديث مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى صار من فطاحل هذه الأمة، وهذا الإمام “عطاء بن أبي رباح” كان أسود وأعور وأشلّ وأعرج، ومع ذلك ما كانت إعاقاته منعا له من تبوّء أعلى المراتب وأفضلها، حتى غدا من سادات التابعين، وهذا “أبو بكر الخلّال الحنبلي” كان يبيع الخلّ في الأسواق فلقّب به، وهو من سادات الحنابلة في الفقه، لم يكن لقب الإنسان معيارا أبدا لأخذ الناس به، وجعله من المآخذ والمثالب، وما سمعنا في تاريخ الأمم كلها مَنْ نَاظَر أو حَاور أو نَاقَش أو جَادل نظيرا له فأوقفه على تعييره بنسبه أو إعاقة به أو مهنة كانت مصدر رزق لأجداده، لقد فقدت البوصلة يا فايد، وانطفأت مصابيح الفكر السليم المنهجي في عقلك فبدأت تَهْذِي، و”تَهْرِف بما لَا تَعْرِف”، وما دمت اخترت له اسم المعدنوسي فهنيئا لنا بهذا التلقيب جميعا الذي يجعلك حَرِجًا أمام نفسك، “إن كانت لك نفس”، ولنترك المعدنوس يردُّ على معظم ادِّعاءاتك الواهية و خرجاتك الهاوية في الشيخ، فهو كما يقول الأطباء “يعمل كمُدِرٍّ للبول، كونه يزيد من إفراز الصوديوم والماء من خلال البول وزيادة إعادة امتصاص البوتاسيوم في الكليتين”، فكيف بعد هذا وأنت تدَّعي العلم بالتغذية زورا وبُهتانا تصف الشيخ وهو أَبُ المعدنوس ومعدِنُه بسَلَس البول؟! ثمّ أزيدك من القصيدة بيتا، ألم تنعت الشيخ المعدنوسي بالسمين مع أوصافٍ مُقزِّزةٍ أخرى جلبتها من كيس زُبَالاتِك؟! ها هو ذا البحث المعدنوسي يقول لك: “إن المعدنوس يساعد على تحسين رائحة النفس والجسم لأنّه غني بالكلوروفيل، وهذا يجعله يمنح النفس والجسم رائحة جميلة”، وفيه من الفيتامينات ما يُنَضِّرُ الجسم، ويُجمِّله، فهذا فيتامين ب: يساعد في ترميم خلايا الجسم، وإطلاق الطاقة من الخلايا، وهذا فيتامين ج: يساعد في الحفاظ على الجهاز المناعي، وهذا فيتامين هـ: يساهم في تأخير شيخوخة الخلايا كما أنّه يحتوي على مادّة الزنك: الذي يقوّي جهاز المناعة ويمنع حب الشباب، وفيه الكالسيوم: الذي يعمل على تقوية العظام والأسنان والشعر”، فما أجمل الشيخ المعدنوسي إذاً وما أبهاه، فأين حقيقة وصفك له أنه ضخم الجثة وسمين البدن؟! أليس اسمك الفايد؟! لماذا لم تستفد من علم التغذية الذي تدّعي أنه تخصّصك فوائدَ المعدنوس الذي لقّبت به الشيخ فكرّمتَه به من حيث ظننت أنّك أهنته، فوصفته بأوصافٍ هي عكس فوائده الجمّة ممّا يمنحه للجسم، كان عليك قبل تلقيب أيّ أحد بأيِّ نبتة أو عشبة نابتة على وجه الأرض أن تدرسها جيّدا، فلربّما كانت مَكْرُمَةً له وليست سُبّة، ولنرجع إلى علم النباتات، فهذه “المْخِينْزة” أليست عشبة نافعة؟ ولكن اسمها كذلك، ومع هذا فلم يجرأ الأطفال الصّغار فيما بينهم فضلا عن العُقلاء الكبار، وهم لم يدرسوا أبجديات علم الأعشاب أن يلقّبوا بها أحدا منهم ولو على سبيل المزاح في لعبهم وأثناء لهوهم لما لها من جليل الفوائد، كانوا يسمعونها من حِكَمِ أمّهاتهم وثقافة جدّاتهم، فما بالك بالمعدنوس؟ اسمح لي أن أقول لك “ليس لك من اسمك نصيب”، فماذا استفدت أنت من لقبك الفايد وأنت لست أصلا أهْلا للاتِّصافِ به ؟!
🌿 وعليه فلو أن الشيخ القزابري فَرَضاً فتحنا أعيننا عليه و كان اسمه الشيخ الزَّفْتَاوي مشتقا من الزَّفْت “المُزَفَّت” البعيد عن الأعشاب ذات الفوائد الظاهرة ومشتقاتها، لقلنا في حقّه هذا فضيلةُ الشيخ حِبُّنا المقرئ العلامة الخطيب “سي الزفتاوي بِيه” -على لهجة إخواننا المصريين- المحترم المُبجّل، ولما شمِمنا منه رائحة الزّفت على وَهْمِ أن الألقاب تفوح برائحة من يحملها، لأنّ هيبة كتاب الله وطِيبِه يسكبان عليه من الروائح البهية الزاكية ما يجعلنا أمام جُؤْنَة عَطّار، ثم ألم تسمع يا فايد عن “الشيخ العلامة عبد السلام بن عبد الرحمن السلطاني الجزائري “الزِّيتُونِي” الذي شهد له بحق التدريس والتطويع بجامع الزيتونة العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور وجِلَّة من علماء الجزائر”، بل إن جامعة الزيتونة تسمّت من عالم الزيتون، ومنها تخرّج جِلَّة أئمة العلم الزَّيتُونِيِّين، فاترك التلقيب بالخضروات والأعشاب، فما أحسنت الحديث عنها علميّاً، ولا التلقيبَ بها هِجائيّاً.
🌾جاهل تقيٌّ خَلُوق خير من دكتور لَعُوبٍ غيرِ صَدُوق🌾
🌿 ليست الشهادة معيارَ فهمٍ ولا سُلَّماً نقيس به مَقدِرَة الناس على الرقيّ في الثقافة أو مرقاةً نعيّر بها درجات تقدّم الشعوب إن لم تسبقها شهادة الخلق الحسن وشفعت لها محامدُ الشمائل في حضارة الإنسانيّة:
إنـّي لـَتُطرِبُنِي الخِلالُ كريمةً * طَـرَبَ الـغريب بـأوبةٍ وتـلاقِي
وتهزُّني ذكرى المروءةِ والنَّدى * بـيـن الـشـمائل هـِـزَّةَ الـمُشتاقِ
فــإذا رُزِقْــتَ خـلـيقةً مـحـمودةً * فـقـد اصـطـفاك مُـقَسِّمُ الأرزاقِ
فـالـناس هــذا حـظـُّه مــالٌ وذَا * عــلـْمٌ وذاكَ مــكـارمُ الأخــلاقِ
والـمـال إن لـم تـدَّخرْهُ مـُحَصَّناً * بـالـعـلم كـــان نـهـايةَ الإمــلاقِ
والـعـلمُ إن لــم تـكـتنفه شـمائلٌ * تـُعـلـيه كـــان مـطـيَّةَ الأخـفـاقِ
لَا تـحـسبَنَّ الـعـلمَ يـنـفعُ وحــدَهُ * مــالــمْ يُــتــَوَّجْ رَبـُّــهُ بـِـخَـلَاقِ
🌿 فكيف بعد هذا يتصالفُ الفايد بدكتوراه العلميّة الجامعيّة، وهو لم يحصّل بعدُ شهادة “الأُولى ابتدائي” في مدرسة الأخلاق وحسن الحوار واحترام الكبير وتوقير الصغير، لقد نال الشيخ عمر القزابري قبله شهادات إنسانية راقية من جامعات الأخلاق السامية وكليات الشمائل العالية بميزة ممتاز مع توصيةٍ شرفيّةٍ بالطبع الفوريّ لدكتوراه الفخرية على صفحات القلوب المؤمنة، ثم كيف لدكتور مثل الفايد يسبّ دينه ويتهكّم بمُقدّساته ويستنكر ما هو معلوم في الدين بالضَّرورة أن ينجو من سخط الله وعقابه ؟! “فأيُّ سماءٍ تُظِلُّه وأيُّ أرضٍ تُقِلُّه” فراراً من عذاب الله تعالى الشَّديد في الدارين؟! والطّامة الكُبرى أنَّه يحسب نفسه في علم الحديث عالم هذا الفنّ بدون منازع إماما للمحدِّثين، ينتقدُهم ويصحِّح زَغَلهم ويرد كل الأحاديث الصحيحة التي لم يجرُؤْ على ردّها زنادقة العصور الخوالي، وهو في الفقه في نظر نفسه لَا يُشقُّ له غبار ولا تنطفي لهيبته نار، يصول ويجول في المذاهب الفقهية أصولاً وفروعاً، فيضعّف كل التيّارات العلميّة ويأتي على أسسها من القواعد فتخرّ أعمدتُها، ثم إنه لمّا تكرّم بالنظر في علوم التجويد والأداء أصبح ابنَ بَجْدَتِها، فأصدر أمرَه غير المُطاع بإزالة هذه العلوم تخفيفا على الأمة، وهو في علوم اللغة خِرِّيتُ دروبها، وهكذا أصبح هذا التخريف والتّجديف المتّصل بأمراض نفسية مستعصية عنده أصلا من أصول نظرته لنفسه المُقدَّسة التي تعرف كل شيء وتعلم بكل شيء، والواقعُ أنّه جهولٌ خَرَّف وجَدَّف، وحتى أعداء الدّين تبرؤوا منه ولم يتشرّفوا بانتسابه إليهم لأنّه خاوي البضاعة صفرٌ مُكعّب على اليمين وعلى اليسار في البحث العلمي، ثمّ ماذا ستغني عنه دكتوراهُ أمام الله تعالى في الدارين؟ أليس الكثير من الملاحدة في شتى العلوم نالوا حظوظهم الوافرة وأنصبتهم الوارفة من شهادات العلوم الجامعية في الدنيا، فعاشوا أعداءً لله تعالى وماتوا زنادقة ملحدين فخسروا آخرتهم الباقية بدنياهم الفانية، ثمَّ إنّهم لينتظرهم الخزي والعذاب المقيم المخلّدين فيه في نار جهنّم وبيس المصير، ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾.
🌾تخاريف الفايد وإيمان العجوز🌾
🌿 ياليت الدكتور الفايد وصل إلى رُبْعِ معشارِ الذَرِّ من إيمان وثقافة هذه العجوز في هذه القصة التي جمعتها بإمام عظيم من أئمة الدين والعلم، إنّه الإمام الرازي رضي الله عنه إمام المنقول والمعقول، تقف أمامه المرأة العجوز التي لم تقف أمام شيخٍ ولا نهلت من علوم إمامٍ ولا تخرّجت من جامعاتٍ ولا انتسبت يوماً إلى كليّاتٍ، ومع ذلك ردّت عليه إنجازاتِه الفكرية كلَّها في البحث عن ألف دليل عن وجود الله تعالى، فقالت له بلسانِ اليقين ومنطِقِ الحَقِّ المُبِين وبقلبها العارف بالله تعالى : بئس ما فعلتَ !! لقد شككتَ في الله ألف شكٍّ لذلك احتجت إلى ألف دليل، أمّا أنا فلا دليل عندي على وجوده سبحانه، متى خفيَ اللهُ حتى يحتاج إلى دليل ؟! إذّاك قال الإمام كلمته الشهيرة: “اللهمَّ إيماناً كإيمانِ العجائز”.
🌾خلاصة عامة ودعاء🌾
🌿 في آخر هذا المقال نودّ أن نبرز مبدأً عزيزاً في النقد الذي وجّهناه للدكتور الفايد وأمثاله وأضرابه، نحن لا نكره الشخص العاصي لمجرّد تلبّسه بالمعصية، فكلّ العباد يقعون في المعاصي، والمعصوم من عصمه الله، بل نكره المعصية ذاتها، ولا ننتقِد المخطئ كرها في ذات المُخطئ بل ننتقد الخطأ الذي ارتكبه، ونحاول جاهدين جُهدَ الحَريص في تقويمه، وهذا مبدأ قرآني عظيم، يقول الله تعالى على لسان نبيّه لوط عليه الصلاة والسلام محاورا قومه: { قال إنِّي لعملكم من القالين }، فأبغض العمل وقلاه وأبعد ذواتهم عن النقد الجارح، وليعلمْ هؤلاء جميعا – واللهُ عليمٌ وشهيد – أنّنا نريد لهم الخير، ونرجو من الله تعالى أن يهديَهم ويشملهم بتوبةٍ نصوحٍ منه قبل أن يأخذهم إليه أخذ عزيز مقتدر، فإن أغلظنا لهم القول مضطرّين وهم من بدؤوا به، فليعلموا أنّ من أصناف الدواء الدواء المرّ، تذهب مرارتُه وتزول حرارتُه، وتبقى حلاوتُه، إنّها حلاوة الشفاء من العلل والأسقام التي تهلك الروح والنفس والبدن، نحن إذا انتفضنا انتفضنا انتصاراً لديننا وحبا في نبينا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم وغيرةً على سُنّته، وليعلَمِ القومُ أنّهم لا يدخلون في هذه الحرب مع أبي حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد بن حنبل ولا الثّوري ولا الليث بن سعد ولا الشيخ القزابري ولا الشيخ بنحمزة رضي الله عن الجميع ورحم من مات منهم، بل هي حرب شعواء ضارية هوجاء وصُراح على الله تعالى جبّار السموات والأرض سبحانه ورسوله الكريم، فاتّقوا الله تعالى في أنفسكم، واعلموا علم اليقين أنكم تُحادّون الله ورسوله، مهما زوّقتم كلامكم ونمّقتموه واصفين أنفسكم بسفراء هذه الأمة الوافدين عليها لتخليصها ممّا أسميتموه طغيانا وزوراً كهنوت التراث القابع على صدر الأمة لقرون مضت، حتى جاء عهد ظُلمات أنواركم ليخرج الأمة من ضلالها !!، فلتعلموا أنكم إن وجدتم من يطبّل لكم من المخدوعين بكم فإنكم لن تستطيعوا خداع ربّ العالمين، وقد عرض سبحانه وصفا أدق من الدقة نفسها لحالكم وحال كل المتلوِّنين المخادعين، وفضح خططَهم الدَّنيّة، حيث قال جلّ في علاه:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ* يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ* وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ* مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾.
🌿 فهذه “ظِلَالٌ” رَاتِعةٌ وارِفَة تنتظر من يفيء إليها من هجير “ضَلَالٍ” حارقٍ ماحقٍ كاوٍ، فاللهم أصلح حال المسلمين وردّهم إليك ردًّا جميلا، وبارك اللهمَّ لنا في ملكنا ووليِّ أمرنا واحفظه بما حفِظتَ به الذِّكر الحكيم، واجعل مملكتنا الشريفة منبع الأمن والسَّلام، وبارك اللهمّ لنا في علمائنا وقرّائنا، واجعلهم منارا لكلِّ خير، فنارا يضيء للتائهين مراشد الخير، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه، اللهم آمين.
🌱وهنا نَثْنِي عِنان القلم ونُمسك.🌱