بين “القرطسة” و”الأَحْدَثة”

05 يناير 2025 15:41

هوية بريس – د.ميمون نكاز

“القَرْطَسة” مفهوم قرآني اشتققناه من قبل واستظهرناه وأنشأناه إنشاء للدلالة على مسلك “التعبيث التحريفي” الذي انتهجته طائفة من أهل الكتاب مع الكتاب الذي أنزل على نبي الله موسى عليه السلام “نورا وهدىللناس” في قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤ إِذۡ قَالُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَیۡء قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَـٰبَ ٱلَّذِی جَاۤءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِۖ تَجۡعَلُونَهُۥ قَرَاطِیسَ تُبۡدُونَهَا وَتُخۡفُونَ كَثِیرًاۖ وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوۤا۟ أَنتُمۡ وَلَاۤ ءَابَاۤؤُكُمۡۖ قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِی خَوۡضِهِمۡ یَلۡعَبُونَ، وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ یُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ﴾[الأنعام91-92]…

تحريف الكتاب في شريعته بتبعيضها وشرذمتها وتمزيقها وجعلها “قراطيس” منفصلة عن “ناظمها المجموعي الكلي”، والعمل على تفكيكها وتوظيفها عبر آلية “الإبداء” و”الإخفاء”، إبداء لبعضها وإخفاء لأخرى بحسب ما تقتضيه الأهواء والرغبات، من أجل إضفاء “نكهة القداسة” على “الأهواء المختارة” في العقائد والقيم والأحكام… والمسألة في ظاهر قصد أصحابها من أفعالهم لا صلة لها بالاجتهاد العلمي المسدد، وإنما هي موصولة بأهواء الأنفس وبمكايد خصوم الشريعة كما هي في ذاتها، لا كما يريدونها في مطامع أهوائهم أو كيدهم، سواء تعلق الأمر عندهم بالقطعي المحكم منها أو بالمظنون فيها…

وإن من أخبث مسالك “الإحداث” في “قرطسة الدين” عند “السلولية المعاصرة” ادعاء “الظنية التأويلية” في “جملة نصوصه”، دون تمييز بين “القطعي المحكم” في عقائده وقيمه وأحكامه، وبين” مدارك الظنون فيه”… فكل متعلقات الحكم والأحكام والتشريع عند القوم ظنية، وكل ما هو مظنون قابل للتأويل، وكل ما هو قابل للتأويل لا قداسة فيه… وبذلك ينزعون عن الدين في شريعته أوصاف القطع والإحكام والإطلاق والقداسة ليجعلوا منه “منتجا بشريا” قابلا للتعديل والاستبدال بحسب ما تقتضيه الصيرورات الوجودية للإنسان في جماعته…

لقد كشف الوحي الشريف عن خلفية “المقرطسين” من أهل الكتاب في قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤ إِذۡ قَالُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَیۡءِ} [الأنعام91]، كذلك في “المُحْدِثِين” من المحدَثين طائفة منهم لا يَقْدُرون الله حق قدره في ما شرع، إذ من منطلق عدم تصديقهم بنسبة الوحي والدين إلى الله يخضعونه لمنطق “التاريخية المطلقة” ولضرورات التأويل الاجتماعي الكلي العام، وقد ألمح الوحي الشريف إلى ضرورة الحذر من وقوع هذه الأمة في هذه الآفة التى أصابت بني إسرائيل، وذلك في الآية التالية: {وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ مُبَارَك مُّصَدِّقُ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ یُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام92]، لكن “المقرطسين المحدِثين” من بعض الحداثيين لا يجرؤون على الاستعلان بكفرهم بما أنزل الله من أحكام وتكاليف ملزمة لعباده وخلقه، ولا يملكون شجاعة من سبقهم من أهل الكتاب، حيث يلجؤون إلى المكر والخداع والتلبيس والتدليس والتعبيث بأخدوعة “ضرورة الاجتهاد” في إشكالات الحقوق والحريات، وقد عرضنا لبعض ذلك في مسطورات سابقة…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M