بين غزة والفيتنام…مقاومة بِنَفَسِ الانتصار
هوية بريس – سعيد الغماز
قد يكون قطاع غزة بعيدا جغرافيا عن الفيتنام، لكن التاريخ يُقرِّب البلدين، ويجعلهما يشتركان في قضية واحدة: مواجهة عدوان الولايات المتحدة الأمريكية في الفيتنام ومواجهة عدوان الكيان الصهيوني في غزة. أبدعت المقاومة في غزة حرب الأنفاق، وأبدع الجيش الشعبي الفيتنامي طريق “هو شي مين”، فهل يكون مصير الاحتلال الصهيوني لغزة نفس مصير الاستعمار الأمريكي للفتنام؟
من بلاد بعيدة، ومن قارة أخرى، حلت القوات الأمريكية في الفيتنام، لفرض سيطرتها على شعب يريد اختيار طريقه بعيدا عن الهيمنة الامبريالية، لكنه وجد نفسه في مواجهة عدوان شرس، لا يقيم وزنا لا لامرأة ولا لطفل ولا لشيخ.
من شتات في دول أوروبا، وبإيعاز من القارة العجوز لإبعادهم عنها، حل الصهاينة في أرض فلسطين، واستولوا على ممتلكات وأرض الشعب الفلسطيني، باستعمال المجازر وتقتيل شعب مسالم دون تمييز بين طفل ولا امرأة ولا شيخ.
رفض الشعب الفيتنامي الاستعمار الغاشم، وأمام العدوان الهمجي للمستعمر الأمريكي، استعمل المقاومون الطريق السري “هو شي مين” لتأمين وصول الجنود إلى ساحة المعارك وضمان الإمدادات الضرورية من سلاح وعتاد وكل متطلبات البقاء على الحياة. أدرك المستعمر الأمريكي أن قوة المقاومة تكمن في هذا الطريق السحري الذي يجعل الفيتناميين قادرين على تكبيد الجيش الأمريكي خسائر كبيرة رغم تفوقه في الأسلحة وفي الطيران. اعتقد الجيش الأمريكي أن سيطرته على السماء ستمكنه من فرض الاستسلام على الجيش المقاوم، فراح يقصف بكل عشوائية وهمجية…يقصف الأبرياء من المدنيين…يقصف مزارع الأرز…يقصف المنازل…وفي كلمة يقصف كل مظاهر الحياة على أرض الفيتنام… يقصف ويقصف ثم يقصف…لكن طريق “هو شي مين”، بقي قائما يستعمله الجيش المقاوم لتسديد الضربات الموجعة في صفوف جيش الاستعمار.
رفض الشعب الفلسطيني، غطرسة الاحتلال الصهيوني، رفض عربدته على تراب فلسطين، فقام يقاومه دفاعا عن كرامته وعن أرضه وعن حقوقه المشروعة. بلغت المقاومة ذروتها في العملية البطولية ل7 أكتوبر. لعبت الأنفاق دورا مفصليا في هذه العملية، كما لعب طريق “هو شي مين” دورا رئيسيا في تكبيد الجيش الأمريكي خسائر بالجملة. اعتقد الاحتلال الصهيوني، أن سيطرته على السماء، ستجعله ينتصر على المقاومة بسلاحها السري المتجسد في الأنفاق. لكنه اكتشف أنه يواجه مقاومة منظمة وقوية وعازمة على تحرير أرضها. غامر بالدفع بجيوشه لحرب برية، جعلته كل يوم يحصي قتلاه وجرحاه. تحول جيش الاحتلال إلى عدَّاد يتحرك كل يوم ليحصي القتلى والجرحى، حتى بلغ العداد 3000 مجند مصاب بعاهة مستديمة ومئات القتلى.
في الفيتنام، لم تستحمل الولايات المتحدة الأمريكية خسائرها الكثيرة أمام الجيش الشعبي الفيتنامي، فراحت تقصف كل شيء يتحرك على الأرض، دون تمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. في غزة، عجز جيش الاحتلال عن مواجهة المقاومة الفلسطينية، وأمام خسائره الكبيرة التي تحولت إلى عداد يتحرك كل يوم لإحصاء القتلى والجرحى، راح هو كذلك، يقصف المدنيين ويدمر كل معالم الحضارة وكأنه جيش همجي متوحش.
تورطت أمريكا في حرب الفيتنام، ولم تجد سوى وزير خارجيتها آنذاك هينري كيسينجر، الذي أفتى عليها أن حرب الفيتنام أصبحت حرب استنزاف لأمريكا وبلا أفق في الانتصار. فوجد طريقة للخروج من ورطة الحرب ولو على حساب كبرياء أقوى جيش في العالم.
ورطة الجيش الصهيوني في غزة، شبيهة بورطة الجيش الأمريكي في الفيتنام. لقد دخل جيش الاحتلال في حرب استنزاف لم يعد يقوى عليها وأصبح في حيرة من أمره: الاستمرار في الحرب مكلف في الأرواح والخسائر، والانسحاب هزيمة مدوية من شأنها أن تحول جيش الاحتلال من “الجيش الذي لا يقهر” إلى “جيش من ورق”.
… ليس أمام جيش الاحتلال سوى الأخذ بنصيحة كسينجر والخروج من الحرب ولو على حساب كبرياء الجيش الصهيوني. فكما اضطر الجيش الأمريكي للانسحاب من الفيتنام بعد عجزه عن فك لغز طريق “هو شي مين” السري، سيضطر الجيش الصهيوني للانسحاب من قطاع غزة بعد عجزه عن فك لغز الأنفاق السرية لحماس. انسحاب جيش الاحتلال سيفتح للشعب الفلسطيني الطريق نحو استرجاع حقوقه كاملة، بعيدا عن “أوسلو” وأخواتها. المقاومة تعرف جيدا أن العالم لا يعترف بالضعيف، وأن القوة والمقاومة هي الكفيلة بفرض احترام شعب يعاني منذ أكثر من سبعة عقود، وحمايته من العدوان الهمجي، واسترجاع حقوقه المشروعة.