بين قدر الإصلاح وإرادته
هوية بريس – سفانة إراوي
للحكومة أن تخنع وتخضع وتستلذ بما أوتي لها من مكارم، فيغدق مسؤولوها على أنفسهم من خيرات السكن والملبس والمأكل والسيارات، وقد يتجاوزوا ذلك بعد مدة ليستبيحوا النهب والفساد، أو لها أن تقاوم فخاخ الملذات فيصرف هؤلاء أنفسهم للتخطيط والتدافع الإيجابي مع واقع محكوم بإرادات أخرى لها مشاريع مصقولة بحمولة لا تزال تجتر رفات الماضي وتبكي عليه، وتتدافع أيضا مع إرادة الزمن في أن تحاول استعادة شيء من قدرة الوطن على الوقوف على أشده في أقرب وقت، قبل أن تنهال ويلات السنين الخالية على ظهره فيسقط إلى أجل، وهي تنظر بين الحين والآخر فيما يمكنها صناعته أو وضع يدها فيه من أجل بدايات مرور النور عبر شقوق مؤسسات هذا الوطن السعيد! فلها أن تغرق إذن، ولها كذلك أن تصمد!
من هذا المنطلق، أؤمن بمبدأ المشاركة السياسية في اختيار الأصلح للبلد، من منطلق حب الخير للوطن، من منطلق أننا أبناؤه وفلذاته وحماته، من منطلق التدافع الكوني الذي هو سنة الله على أرضه، بين حق وباطل وخير وشر، وكذلك بين سلطة قاهرة وإرادة شعبية، من منطلق أن الخير في الناس باق أفرادا ومسؤولين ولا بد ستهزم إرادتهم القوية، المستعرة، إرادة أي تحكم يروم إخراس صرخة انطلاقهم للإصلاح والعمل الدؤوب، بتعاون وتكامل، بحيث يقوم كل فرد بدوره بضمير واع بأن ذلك قيمة مضافة لبناء الوطن، ولن يتحقق الإصلاح إن تهاون في أدائه!
لست إلا طالبة، مواطنة لا حول لها ولا قوة، أنتظر دريهمات أبي الموظف في قطاع التعليم -حفظه ربي- لأسدد واجب النقل ولوازم الدراسة والملبس، وأعاني ما يعانيه أي مواطن في وسائل النقل العمومية أو بالأحرى في علب النقل العمومية من استهانة بآدميته واستهجان وتقزز، وفي الإدارات العامة من تعنت وتماطل واستكبار، وفي المؤسسات التعليمية من اكتظاظ وخدمات ضعيفة المستوى.. ومن منة الله علي أن كفاني المعاناة من واقع أبشع في المستشفيات الحكومية، وحفظ لي صحتي، فله الحمد..
لكنني أعاني أيضا في مقابل هذه الخدمات الهشة، من واقع آخر، يصنعه أفراد المجتمع ويرسمون لوحاته في أبشع الصور: ذكور لا زالت تعاني النساء من عقدة التحرش عندهم، أياد واثقة تمتد بالرشوة لموظف عمومي فتكتم بفعلها ثورة مواطن يطلب حقه، أفواه جبنة عن الإخبار بممارسات السرقة أو العنف في حقها في محاضر الشرطة، لأنها غير مسؤولة، فتضيع الأرقام في أوهام التنعم بالأمن، أياد ترمي بأغلفة المأكولات في الطريق دون أن تنتظر الوصول لأقرب حاوية قمامة لرميها أو الاحتفاظ بها إلى حين، الجري الأعمى وراء المادة مع نبذ لمبادئ التعلم البناء والصدق والتضحية والعطاء وتفشٍّ لرذائل التعالم الأكاديمي الفارغ المتغطرس والأنانية والتنافس السلبي وسوء الظن والوسواس… وغيرها من تمثلات يضيق بي حصرها، ولا أراها إلا سببا وجيها في استمرار تخلفنا..
الإصلاح يا سادتي، نعم الإصلاح، ليس كلمة نلوكها لأننا أبناء اليسر والنعيم في هذا البلد السعيد، بل لأننا لا زلنا نمتلك أملا بأن يشع هذا البلد بنور الإنصاف والحب بين مختلف فئات مجتمعه، ولا يمكن أن يبرز كسوفه، إلا بتواطئ شمس العمل المدني المنطلق من إرادة شعبية عاملة صادقة، مع قمر سياسة إصلاحية مسؤولة صادقة أيضا تتمثل مشروعا حضاريا لا يدك هوية المجتمع وتراثه السامي، فينطبقا مع بعضهما لتظهر هالة الشمس أكثر وضوحا وانبعاثا وتأثيرا..
والقمر حتما يحتاج وقتا حتى يتصل بالشمس، فيحدث الانطباق، وتبرز الهالة المنتظرة، ولا تملك الشمس إلا أن تنتظره ما دامت موقنة بخطواته الحثيثة السائرة إليها.. وربما تكون جاذبية الأرض أقوى من إرادة القمر، فهما في تدافع بدورهما..
فإن وقع المحظور، وتداعى الكويكب المظلم إلى بقعة الأرض ونسي النور المستمد من الشمس، تداعت هذه الأخيرة بدورها لتحرق كل شيء بأمر ربها، وتنقضي حياة الخداع والتحايل والمكر، أمام إرادة الحياة الحقة المتوهجة.. وكل شيء في وقته يهون!