بين يدي البرنامج.. مقدمة في التصور والمنهج

06 يناير 2025 19:51

هوية بريس – ذ.ادريس ادريسي

الحمد لله الذي أفاض على العارفين بأنوار أسراره وخص الصادقين بمفاتح وحيه وأخباره والصلاة والسلام على نبي الرحمة ورسول السلام وعلى آله وصحبه أعلام الهدى ومصابيح الدجى و من سار على هديهم واقتفى أثرهم من الصالحين والأخيار ما تعاقب الليل والنهار؛ وبعد؛

من المؤسف حقا أن نعلن الحقيقة كما هي صريحة وواضحة بأن المناهج المعتمدة اليوم في تدريس العلوم الشرعية سواء في الجامعات أو ما يوازيها من المعاهد والمؤسسات أخرجت لنا جيلا من العلماء (زعموا!!) ممن يحملون الشهادات العليا والألقاب الفاخرة؛ أساتذة ودكاترة ومثلهم من الأئمة والفقهاء والوعاظ والخطباء ممن يحفظون القرآن ومعه عشرات من المتن والحواشي وغيرها من نظم الشعر وفنون العلم؛ لا تكاد تجد لأكثرهم حسا ولا تسمع لهم ركزا ولا تعلم لهم قولا ولا رأيا في هذه الفتن المتلاطمة و النوازل المتعاظمة والحوادث المتفاقمة؛ حالهم في ذلك أشبه بالقواعد من النساء اللائي قعدن عن الولادة والزواج بعد تقدمهن في العمر حتى ماعاد أحد يشتهي الزواج بهن أو ينتظر الولد منهن؛ فكذلك الحال بالنسبة لأكثر علماء عصرنا وفقهاء زماننا الذين أخلدوا إلى الأرض وركنوا إلى الدنيا وأخلوا بمهمة البلاغ وضيعوا أمانة البيان حتى ماعاد أحد من الناس يشتهي كلامهم أو ينتظر بيانهم أو يأمل خيرهم أو يرجو نفعهم مثل أكثرهم (كمثل الحمار يحمل أسفارا) فلا هم انتفعوا بالعلوم التي عندهم ولا نفعوا بها غيرهم وباتت هذه الجموع من العلماء كلاٍّ على الدين وفتنة لأبناء المسلمين الذين بات البعض منهم يفضل اعتناق الإلحاد أو غيره من المذاهب الضالة والمنحرفة على الاقتناع بدين يرون أنه يسلب منهم كرامتهم وينتزع منهم حريتهم بالنظر إلى الطرق التي يقدم بها والتي يمكن تصنيف العلماء بالنظر إليها إلى أصناف أربعة:

الأول: صنف باع دينه بدنياه وحرف شريعة ربه ومولاه مقابل حطام من الدنيا زائل أو طمعا في منصب عند المشغلين والزبائن، والحق أحق أن يقال أنه قبل أن يقلد أبناؤنا أبناء أهل الكتاب في لباسهم ومشيتهم ويشاركونهم الفرح بأعيادهم ومناسباتهم، سبقهم علماؤنا إلى التقليد فباعوا الدين بثمن زهيد سيرا على نهج الأحبار واقتفاء لأثر الرهبان الذين قال الله عزوجل فيهم (إن كثيرا من الأحبار والرهبان لياكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن السبيل) وإذا فسد الرأس فلا نسأل عن بقية الجسد (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا

الثاني: الأسود المتعصبة للمذاهب التي توقد من حين إلى آخر نار حروب وهمية ومعارك صورية في قضايا جزئية وأخرى هامشية لم يتفق عليها الأوائل بما لهم من علم وصدق وإخلاص فالتمسوا لبعضهم الأعذار واشتغلوا بما يصلح أحوال أهل الدار ومعالجة ما يحدث في عصرهم من النوازل والنوائب والأكدار إلى أن خرج علينا سفهاء الأحلام من الصغار والأقزام ممن أراد أن يجمع الأمة على رأي واحد يوافق هواه ويحقق مسعاه يجند لذلد الأتباع ويحرض من أجله الرعاع؛ أوقات معاركهم باتت محفوظة ومعروفة (المسح على الجوارب/زكاة الفطر /صيام عرفة) وطريقة كلامهم باتت مكشوفة ومفضوحة؛ يلعنون بعضهم ويسبون مخالفهم يقاتلون قتال الأسود ويناظرون خصومهم مناظروة إبراهيم للنمرود حتى إذا وضعت الحرب أوزارها وأطفأ انتهاء المناسبة نارها عادوا إلى النوم والسبات وأخلدوا إلى الأرض والفتات مخلفين من ورائهم جروحا لا تندمل وكسورا لا تنجبر؛ وأما النوازل الكبرى التي تذهب بالدين وتعصف بجماعة المسلمين فالحديث فيها عندهم سبب في الهرج والفتنة وعلامة على قلة الذكاء والفطنة؛

الثالث: جموع العلماء الصامتين الذين لبَّس عليهم الشيطان فزين لهم السكوت والخذلان حتى توهموا أن ما هم عليه عبادة ودين وقربة من رب العالمين؛ استبدلوا الدين بالطين وحرفوا لأجل ذلك شريعة المسلمين لا يرمي أحدهم بسهم في الإسلام إلا إذا تيقن من وجود مكاسب مادية ومصالح دنيوية، فإن ظهر لهم عكس ما أرادوا او بدا لهم غير ماطلبوا نكصوا على أعقابهم وجعلوا أيديهم على أفواههم مدعين في ذلك بُعد النظر وفقه المآل والتحلي بالحكمة وجميل الخصال والحقيقة أنهم إنما أرادوا إخفاء فساد منهجهم وانحراف مذهبهم قال تعالى مبينا حالهم وكاشفا أسرارهم: (سماعون للكذب أكالون للسحت) أي أنهم يسمعون الكذب ويقرونه بسكوتهم ويرون الباطل ويشرعنونه بصمتهم وخذلانهم؛ سلامتهم مقدمة على سلامة المبادئ والدين ونجاتهم دونها هلاك عموم المسلمين؛

الرابع: المكثرون في دروس الزهد والرقائق المعرضون عن الخوض في النوازل والحقائق؛ الذين يجترون ما سبقوا إليه من كلام ويكررون ما يحفظونه من الخطب على مدار المناسبات والأعوام دون نقص أو زيادة أو حسن ربط بالواقع به تتحقق للإسلام الريادة؛مستخفّين بعقول الناس العامة منهم وأهل الاختصاص؛ والحقيقة الذي يتجاهلها هؤلاء أن الإسلام رقائق تلين لها القلوب وحقائق تستنير بها العقول ولوكانت الدعوة محصورة في الأولى ما وجد للدين أعداء ولا للحق خصوم ألدّاء ولكان أبو جهل حاملا للواء الإسلام وقارون ممولا لدعوة موسى عليه السلام، ولكنها الثانية الخافضة والرافعة الكاشفة والفاضحة؛ بسببها ابتلي الرسل والأنبياء وامتحن الصادقون من الدعاة و العلماء الذين بارزوا أهل الباطل في نواديهم ودافعوا أهل الزيغ بألسنتهم وأيديهم متمسكين في ذلك بفقه السنة والكتاب وآخذين بما استطاعوا من أسباب.

والخلاصة أنه بعد النظر والتدقيق و الدراسة والتحقيق يؤسفنا ان نقول أن مجال الدعوة قد أصاب جسده الكثير من الأمراض فحقت على أهله سنة الاستبدال بما مردوا عليه من النفاق وما طبعوا عليه من الرياء وسوء الأخلاق؛ استُبدلوا بفئة أخرى نراها رأي العين تزداد مع مرور الوقت وتتكاثر؛ تشتاق إلى الحرية ومستعدة للجهاد والتضحية؛ قلوب أصحابها نقية وفطرعم سوية ومبادئهم ثابتة وقوية؛ ترفض التلاعب بالدين وتبديله، وتحريف الإسلام وتغييره ليوافق أطماع السفهاء ويجاري أهواء الخبثاء؛ تقود هذه الفئة بقية من العلماء الربانيين من حملة الكتاب وورثة سر الأصحاب ممن لا يقوم الدين إلا بهم ولا تعقد راية الحق إلا تحت إشرافهم ولا يستقيم أمر الجماعة إلا بنصائحهم وإرشاداتهم الذين يلجأ إليهم في النوائب ويفزع إليهم في النوازل والمصائب فيتحقق بوجودهم خلود الشريعة وصلاحية الإسلام لكل العصور والأزمان قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا).

وصل اللهم وبارك على سيدنا ونبينا محمد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M