تاريخ الطلبة المغاربة بفرنسا خلال نصف قرن 1887-1938
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
العنوان والدراسة، قدمها مترجمة، الأستاذ الصديق بن العربي على صفحات مجلة (رسالة المغرب) في عددين بتاريخ فاتح دجنبر 1942، وفاتح يناير 1943، عن كتاب صدر سنة 1938 للأستاذ “جوانيرايمر” تحت عنوان: “هجرة المغاربة إلى فرنسا”، أوضح فيه تاريخ هذه الهجرة وعواملها وأسبابها وآثارها على المستويين الأدبي والاقتصادي للبلدين.
وقد خصص المؤلف فصلا من هذا الكتاب لتاريخ هجرة الطلبة المغاربة إلى فرنسا، وهو الفصل الذي تفضل الأستاذ الصديق بن العربي بترجمته، مضيفا إليه المعلومات التي توفرت له من مصادر أخرى، أثبت بعضها في هامش الدراسة، وهي: المجلة الاقتصادية المغربية يوليوز 1936، وكتاب “الهجرة والتلقيح الجنسي” للدكتور مرسيل، إضافة إلى بعض القرارات الحكومية والمعلومات الميدانية.
ونظرا لأهمية البحث آثرنا تقديم أهم عناصره مفتتحين بداية، إطلاع القراء على ما جاء في مجلة “رسالة المغرب” التي بدأ صدورها في أكتوبر 1942، ومما جاء فيها:
“كان السلطان مولاي الحسن أول من أرسل البعثات لأوروبا لتعلم اللغة الغربية، والتدرب على أساليب التعليم والتثقيف وخوض غمار الحياة العصرية، فبين سنتي 1887-1890 أوفد عدة بعثات مركبة من نحو 33 طالبا من أهم المدن المغربية لفرنسا، وأنجلترا، وإيطاليا، وألمانيا، وكان سفرهم من طنجة في شهر نونبر سنة 1887، حيث قصد 12 منهم إيطاليا، وثمانية آخرين ذهبوا لأنجلترا، وثمانية قصدوا فرنسا، وخمسة توجهوا لألمانيا.
وقد عهد بالإشراف عليهم إلى السيد محمد الجباص الوزير فيما بعد، تاركا لهم حرية اختيار نوع العلوم التي يريدون دراستها، والمدة التي يقضونها لذلك العرض.
ولما عادوا بعد موت مولاي الحسن، عينوا بالمرافئ والجيش، ولم تستفد منهم البلاد.
وإلى حدود سنة 1922 لم يعمل شيء يذكر، إلى أن حلت هذه السنة، فقامت الحكومة الحامية بتنظيم زيارة لوفد من الطلبة لفرنسا تتكون من عشرة من تلاميذ الدراسة الثانوية لبضعة أسابيع، زاروا فيها معرض مارسيليا، معامل صنع السكر بلين، وبعض المتاحف بباريز.
وفي صيف 1923 زار فرنسا وفد من الطلبة المغاربة يتألف من ثمانية طلاب، نزلوا ببوردو، وأقيمت لهم استقبالات فاخرة، واستقبلهم رئيس الجمهورية، وعدد من الوزراء، وكبار الشخصيات، ثم رجعوا عن طريق مارسيليا ووهران ووجدة.
أما الطالب المغربي الأول الذي “درس” بفرنسا فهو أحد شبان فاس، التحق تلك السنة نفسها بالمدرسة الوطنية الفلاحية بمونبولي، حيث قضى سنتين بها ثم التحق بمعهد “كرينيون” حيث تم تدريبه على الأعمال الفلاحية، وقد كان أخ هذا الطالب المغربي أول من حصل على شهادة الباكالوريا من مدرسة “ليسي كورو” بالرباط، والتحق بأخيه سنة 1925 ودخل لجامعة “السربون”، حيث قضى أربع سنوات، ثم حصل على شهادة الليسانس الأربعة في الآداب، وشهادة من معهد الدراسات العليا؛ ثم قصد باريس في نفس المدة طالب آخر من فاس أحرز هو الآخر على شهادات الليسانس في الآداب.
ابتداء من سنتي 1927-1928 بدأت جماعة من الطلبة المغاربة وقد بلغ عددها 42 سنة 1927 بالمدارس العمومية، و12 في المدارس الخصوصية، يدرسون الطب والعلوم السياسية، والحقوق، كما تسارع انخراط الطلبة بالمغرب في مدارس الليسيات حيث بلغوا 63 طالبا في الثانوية الأولى سنة 1928، وفي 1929 بلغ عددهم 86، موزعون كالتالي:
– “ليسي كور” بالرباط: 11.
– “ليسي رينو” بطنجة: 12.
– “ليسي ليوطي” بالبيضاء: 15.
– “ليسي وجدة”: 35.
– “كليج مكناس”: 6.
– “كليج فاس”: 1.
– المدرسة الصناعية بالبيضاء: 6.
وفي سنة 1933 كان عدد الطلبة بفرنسا نحو 33.
وذكرت اللجنة الوزارية للشؤون الإسلامية بأن عدد الطلبة الأفارقة بفرنسا خلال سنة 1933 بلغ: 191 طالبا، منهم 126 من تونس، و39 من الجزائر، و16 من المغرب، ولكن اللجنة رأت أن هذا العدد ربما يفوق الواقع، إذ أن عددا كبيرا منهم قد سجل نفسه في عدة جامعات.
وفي سنة 1934 بلغ عددهم: 37، وفي هذه المدة كانت بعثات البلاد الإسلامية بفرنسا توزع كالتالي:
مصر:560، فارس:449، تونس:317، تركيا:207، الجزائر:83، المغرب:38.
أما خلال السنة الدراسية 1936-1937 فتشير النشرة الاقتصادية المغربية إلى أن عدد الطلبة المغاربة بباريس بلغ إذ ذاك 28، منهم 8 بالمدارس الفرنسية لتتميم دراستهم الثانوية وأغلبهم من قدماء تلامذة المدرسة الثانوية الإدريسية.
ومن العوائق التي كانت تقف في وجه الطلبة المغاربة لنيل شهادة البكالوريا، ضعفهم في العلوم، حيث يتوجب على الطالب قضاء سنوات لإتقان المقرر، وقد وجد البعض حلا في مدرسة اللغات الشرقية بباريز، ذلك أن امتحانها سهل، والفوز بشهادتها يؤهل لدخول جامعة السوربون بدون بكالوريا، وهناك من يدرس العربية للحصول على ليسانس الآداب، فإذا ما قضى ثلاث سنوات في الدراسة حصل على شهادات الليسانس الثلاثة، ولكنه يصطدم بعرقلة جديدة، إذ لابد من دراسة اللغة اللاتينية للحصول على شهادة الليسانس الرابعة، ولكن هذه المرحلة لم تعق طويلا سير الدراسة في وجه الطلبة المغاربة.
في سنة 1933 كان عددهم بالمدارس الثانوية 20، منهم 4 في مدرسة جونس ن دي سي، وواحد في سانت بارب، وخمسة في ميشولي، وواحد في لاكانال، وسبعة في معهد كوربيس، وإثنان في معهد سوربون.
أما عدد الطلبة الذين كانوا يزاولون دراستهم الجامعية خلال نفس السنة 1933، فقد كان توزيعهم كالتالي:
– كلية الحقوق 1
– كلية الطب 2
– كلية الصيدلة 2
– الأشغال العمومية 1
– المعهد التجاري 1
– مدرسة العلوم السياسية 1
وكان وقتها بالمغرب ثلاثة محامين يزاولون المهنة، هم:
الجبلي، زروق، ابن جلون، وطبيبين هما: فرج، والتراب، وقد التحق سنة 1936 طالب بمدرسة الهندسة (البولي تكنيك)، وآخر بالمعهد الفلاحي، وكان الطلبة موزعون على:
ليون، ومونبلي، وتولوز، كالتالي: 14بجامعة منبولي، إثنان بالجزائر، إثنان بتولوز، واحد بمارسيليا وواحد بباريز يدرسون: الطب11، الصيدلة3، البيطرة1، الرياضيات3، الكيمياء1، وواحد يهيئ البكالوريا الثانية، قدموا من سلا3، البيضاء7، فاس 4، الرباط4، الجديدة1، وابن احمد1.
ومما يجب ذكره أن المستشفى الفرنسي الإسلامي “بيبوني” رغما عن كون قوانينه تجيز للطلبة المغاربة الذين يتعاطون دراسة الطب السكن والأكل بالمستشفى مع تعويض مالي بسيط، فإن طلبة الطب المغاربة لم يعملوا على استغلال هذا الفصل أو ربما تجاهلوه بالمرة.
أما الشهادات المحصل عليها فكانت في الآداب والحقوق، والطب، واللغات الشرقية، ومعهد الدراسات العليا، وشهادة المدرسة الحرة للعلوم السياسية، والهندسة الفلاحية.
وقد كون الطلبة الأفارقة بفرنسا عدة جمعيات أهمها:
جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين، ثم جمعية طلبة إفريقيا الشمالية، ثم الجمعية الفرنسية الإسلامية، وجمعية الطلبة المسلمين الجزائريين، وكان هناك طلبة يهود من أصل مغربي بلغ عددهم سنتي 1935-1936 عشرة.
تعقيب مورده إدريس كرم:
تلك هي المعلومات التي جاءت في مقال الأستاذ الصديق بن العربي والتي رغم غناها وأهميتها تبقى محتاجة لتدقيق على مستوى التكميم والكيف، تطال الفترة الممتدة خاصة بين 1887 و1927، وتبيان من عاد منهم ومن لم يعد، وما اشتغلوا به بعد العودة؟ ودرجة التحصيل المعرفي الذي توفر لديهم؟ وهل فيهم من انتقل لبلدان أخرى من أوربا؟
ناهيك عن رصد درجة اندماجهم في محيطهم الدراسي، وتمثلات العائد منهم لوطنه بما تشربه من تثاقف، وكيفية تطبيقاته؟!