تبرج النساء ودياثة الرجال
هوية بريس – قاسم اكحيلات
بلغ تبرج المرأة في أيامنا مبلغا عظيما جدا لا أظنه سبق في بلاد المسلمين قبلا، بل ولا عند العرب في جاهليتها، فقد كانت المرأة في جاهليتها إذا سقط نقابها تغطي وجهها بيد وتتناوله من الأرض باليد الاخرى كما قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه … فتناولته واتقتنا باليد.
(ديوان النابغة الذبياني.ص 107).
فأبانت المتبرجة اليوم عن طغيانها ووقاحتها مجاهرة معارضة لشريعة الله فاستحقت بذلك الخزي والعار.
والعجيب أنك تجد المتبرجة رفقة والدتها المحتجبة أو المنتقبة، بدعوى انها شابة حتى إذا قعدت تحجبت تلك الفتاة وتبرجت ابنتها، وبين ذلك أحوال وعادات لا حصر لها.(الحجاب في الشرع والفطرة.الطريفي.35).
والأدهى انك تجد التيس المستعار رفق ابنته على شاطئ البحر تستتر بقطعتين، فإذا كانت في بيت أبيها وأرادت تغيير ملابسها اتخذت من دونه حجابا !!.
وهكذا انكتست الفطرة، فقد كان العري عقوبة من الله :{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى}. واليوم تحولت العقوبات إلى حضارات.
وهو غاية إبليس الأولى:{يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما}.(راجع:أسطر.الطريفي.289).
وستحزن إذا علمت ما كانت عليه نساء الزمن الجميل، فعن هند بنت الحارث، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قل:”كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة. قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها”.(لبخاري.5844).
وعن مجاهد:”كانت المرأة من النساء الأولى تتخذ لكم درعها أزرارا تجعله في إصبعها تغطي به الخاتم”.(صحيح رواه أبو يعلى.6989).
والمعنى أنها كانت تخشى أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كميها فكانت تزرر ذلك لئلا يبدو منه شيء فتدخل في قوله كاسية عارية.(الفتح.303/10).
وعن المنذر بن الزبير أنه:” قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية[نسبة إلى مر وهي من بلاد فارس] وقوهية[ثياب بيض] رقاق عتاق بعدما كف بصرها، قال: فلمستها بيدها ثم قالت: أف ردوا عليه كسوته، قال: فشق ذلك عليه وقال: يا أمه إنه لا يشف، قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف، قال: فاشترى لها ثيابا مروية وقوهية فقبلتها وقالت: مثل هذا فاكسني”.(صحيح.ابن سعد.252/8).
وهذا ليس يبعد عن فقد كانت النساء في المغرب خاصة كلهن متحجبات متنقبات لا ترى امرأة عارية أو شبه عارية أبدا، إلا نساء الكفار، بل حتى الزواني الرسميات المتاجرات بأبضاعهن كن يخرجن في حشمة متحجبات لا يرى منهن إلا العينان.
أما شواطئ البحار أو دور السينما فمن المستحيل أن ترى فيها امرأة مسلمة، بل الأمر أعظم من هذا، وهو أنك لا تكاد ترى امرأة مع رجل في الشارع جنبا إلى جنب، وكان هناك -وخاصة عندنا في طنجة- رجال خاصون من طرف مندوب السلطان يلقون القبض على كل رجل وجدوه يماشي امرأة بالليل حتى يدلي بكتاب عقد الزواج وإلا باتا معا في السجن، ثم يقدمان للمحكمة.
هذا كان أيام الاستعمار، وقد عاشه عبد ربه من الاحتلال الى الاستقلال.
لكن الوضع بدأ يتغير أواخرالاستعمار شيئا فشيئا..”.(عبد الله التليدي.ذكريات من حياتي.184).
أما اليوم فأكنها لا تعرف حكم التبرج ولا تلقي بالا ولا نعلم ما يجول في خاطرها، ولا بأس بالتذكير:
قال ربنا:{ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}، وتبرج الجاهلية الأولى ظهر في :
– الاختلاط: قال قتادة:” كان النساء يتمشين بين الرجال، فذلك التبرج”.(تفسير القرطبي.180/14).
– إظهار بعض العورات، ولا يتعدى الأمر كشف الصدر والنحر، قال الزمخشري:”كانت جيوبهن واسعة ، تبدو منها نحورهن ، وصدورهن ، وما حواليها . وكنَّ يسدلن الخُمُرَ من ورائهن ، فتبقى مكشوفة ، فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها “.(الكشاف.72/3).
أما اليوم فلا تسأل عما يبدين بل عما يسترن!!.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”شر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم”. (صحيح رواه البيهقي في الكبرى.13478).
[الغراب الأعصم ] غراب فيه شيء من الحمرة، وهو نادر.
وقال صلى الله عليه وسلم:”صنفان من أهل النار لم أرهما: .. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا”(مسلم.2128).
قال ابن كثير:”والنساء الكاسيات العاريات ; أي عليهن لبس لا تواري سوآتهن، بل هو زيادة في العورة، وإبداء للزينة، مائلات في مشيهن، مميلات غيرهن إليهن وقد عم البلاء بهن في زماننا هذا، ومن قبله أيضا، وهذا من أكبر دلالات النبوة ; إذ وقع الأمر في الخارج طبق ما أخبر به، عليه السلام”.(البداية والنهاية.301/9).
وقال صلى الله عليه وسلم:”سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات”.(صحيح رواه الحاكم.8346).
وقال صلى الله عليه وسلم:”ثلاثة لا تسأل عنهم: .. وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده”.(صحيح رواه الحاكم.411).
فإن ماتت بعثت متبرجة، عن أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال :”سمعت رسول الله ﷺ يقول :إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها”.(صحيح رواه أبو داود.3114).
والمتبرجة لا حضانة لها، قال ابن عبد البر المالكي:”لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء والخلف في المرأة المطلقة اذا لم تتزوج انها احق بولدها من أبيه، ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا، إذا كان عندها في حرز وكفاية، ولم يثبت منها فسق ولا تبرج”.(الاستذكار.290/7).
وسبب التبرج باختصار شديد دياثة الذكور،فقد الرجل الغيرة وهي تلك القوة في الإنسان لصيانة الماء وحفظا للإنسان، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت العفة في نسائها”.(الذريعة إلى مكارم الشريعة.ص:244).
قال الشاعر:
ما كانت الحسناء تخلع سترها ـــ لو أن في هذي الجموع رجالا.
والدياثة من الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم:”ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث “، الذي يقر في أهله الخبث”.(صحيح رواه أحمد.5372).
فكلما كان للرجل غيرة على نسائه كن نسوة صدق، فقد تقدمت امرأة إلى قاضي الري فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار فأنكره فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا، فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، فأقر بما ادعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها.
فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه وإنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو في حل من صداقي عليه في الدنيا والآخرة”.(البداية والنهاية.93/11).
وقلما تجد التبرج في بيئة حلال، فتكاد لا تجد امرأة سافرة إلا وهي تعيش في حرام مطعما وملبسا..، فأكل الحرام من أسباب العقوبة بالتعري والسفور، كما اكل آدم من الشجر المحرمة:{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما }.(أسطر.299).
فحاز سخط الله كل من رضي بفعلها وسكت أبا كان أم زوجا، قال زروق المالكي:”..وعليها ما لو وضع على عود لعشق، فهن بذلك متعرضات إلى مقت الله وغضبه وكذا من يوافقها عليه أو يعينها فيه من زوج أو غيره “.(شرح الرسالة.1048/2).
فإذا ابتليت برجل كهذا يا مسكين و كان ديوثا أو قليل الغيرة أو حريمه على غير الطريق المستقيم ؛ فتحول عنه ، أو فاجتهد أن لا تواددن زوجتك زوجته، فإن في ذلك فسادا كبيرا ، وخف على نفسك المسكينة ، ولا تدخل منزله ، واقطع الود بكل ممكن. وإن لم تقبل مني ربما حصل لك هوى وطمع وغلبت عن نفسك أو عن ابنك أو خادمك أو أختك.
وإن ألزمتهم بالتحول عن جوارك فافعل بلطف وبرغبة وبرهبة “.(حقوق الجار.للذهبي.ص:47).
وأنبه أيضا حتى لا تفرح بعض المنتقبات فقد ظهر منهن تبرج عجيب فلحيذرن فالتبرج لا يتخص بالعري، قال الذهبي:” ومن الأفعال التي تلعن المرأة عليها إظهار زينتها كذهب أو لؤلؤ من تحت نقابها، وتطيبها بطيب كمسك إذا خرجت. وكذا لبسها عند خروجها كل ما يؤدي إلى التبهرج كمصوغ براق وإزار حرير وتوسعة كم وتطويله، فكل ذلك من التبهرج الذي يمقت الله عليه فاعله في الدنيا والآخرة.ولهذه القبائح الغالبة عليهن قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم : اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء”.(ذكره ابن حجر الهثيمي.الزواجر.259/1).
فإنا لله وإنا إليه راجعون.