تجديدا لمعارفه.. متقاعد يعود لمقاعد الدراسة
هوية بريس – وكالات
مغربي اختار العودة إلى مقاعد الدراسة عقب تقاعده، بحثا عن تجديد معارفه ومواكبة العصر، والأهم من كل ذلك، التعرّف على إشكالات الشباب بما ييسّر تعاملهم مع أبنائهم.
وإثر مسيرة حياتية يقضيها المتقاعدون بين الدراسة في مرحلة الشباب ثم العمل وتأسيس العائلة، يعاودهم الحنين، ويجبرهم الفراغ والتعوّد على الحياة النشيطة، على استثمار وقتهم في الدراسة من جديد.
بينهم من اختار المواصلة في نفس اختصاصه التعليمي، والبعض الآخر فضل مجالا مختلفا لطالما أثار فضوله، فيما لجأ آخرون إلى اختصاصات لفهم إشكالات سياسية أو حياتية بشكل عام.
** مفاهيم سياسية
المغربي نور الدين العيسي، هو أحد هؤلاء الذين قرروا العودة إلى الدراسة من جديد.
ففي عام 1989، حصل على الإجازة (بكالوريوس) في العلوم الاقتصادية من جامعة “محمد الخامس” بالرباط، ليعمل إثر ذلك موظفا بمكتب السكك الحديدية (حكومي) حتى تقاعده.
وبتقاعده، عاوده الحنين إلى الدراسة، فكان أن سجّل، قبل 5 سنوات تقريبا، في شعبة العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بنفس الجامعة.
وبفضل اجتهاده، حصل على الإجازة (بكالوريوس) مجددا، ليتابع دراسته حاليا في مرحلة الماجيستير بالاختصاص نفسه، وقد أدرك عامه الـ 64.
وبفضل دراسته عقب التقاعد، تمكّن نورالدين من استيعاب مجموعة من المفاهيم السياسية، كما تزوّد بمعلومات عن مجموعة من القضايا التي لم تكن بذات الوضوح بذهنه كما هي عليه الآن.
وعن رحلته التعليمية، يقول نور الدين للأناضول: “رغم أني كنت سياسيا ونقابيا سابقا لمدة 20 عاما، إلا أني كنت أشعر برغبة في التحصيل الأكاديمي بالمجال السياسي”.
وأضاف: “حين علمت بوجود اختبار كتابي وشفوي يجريه الراغبون في الحصول على الماجستير في العلوم السياسية، تقدّمت لاجتيازه، ونجحت”.
تجربة استثنائية بالنسبة لرجل يعتبر أن متابعة الدراسة سمح له بفهم الكثير من المصطلحات والمعطيات من الناحية الأكاديمية.
مفاهيم كثيرة كانت تبدو له مبهمة وغامضة، حتى أنه يخشى استخدامها خشية أن يطلب منه تفسيرها، من ذلك القانون الدستوري، والتاريخ السياسي، والانتروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والدبلوماسية والعلاقات الدولية وغيرها.
تكوين أكاديمي قال إنه جاء مكمّلا لجملة مكتسباته خلال مساره المهني، حيث تزوّد بـ “وسائل التفكير والتحليل”، على حدّ تعبيره.
** اقتصاد المعرفة
تشير دراسات دولية إلى أنّ العنصر البشري يعد محددا للتنافس بين اقتصاديات الدول. ومن هذا المنطلق، تحرص العديد من البلدان حول العالم على التكوين المستمر لعمالتها ضمانا لتحديث مكتسباتها واستمرارية المعرفة.
نور الدين يرى أن التكوين المستمر في إطار اقتصاد المعرفة ينبغي أن يكون مدى الحياة، وخصوصا حين يتعلّق الأمر بمجالات واختصاصات حساسة تتطلّب التعيين، مثل الطب وغيرها من الاختصاصات ذات الصلة بالتكنولوجيا.
ومثالا على ما تقدم، لفت إلى أن “الطبيب الجراح في ستينيات القرن الماضي يختلف عن جراح اليوم، لأن المعارف ووسائل العمل تغيرت، ولذلك ينبغي أن يكون الطبيب مواكبا للمستجدات على الدوام”.
ويعتبر نورالدين أنه من “الجيد” لمن توفرت له الإمكانيات، أن يتابع دراسته، تحسينا لمعارف المرء، واكتسابا لأخرى جديدة.
كما يرى أن “الدول المتقدمة تشجع جميع المواطنين دون استثناء على الدراسة، وهو ما يساهم في الرفع من إنتاجية وكفاءة العاملين”.
** تكامل الأجيال
متابعة نور الدين لدراسته الجامعية بعد التقاعد بعتث برسائل هامة لابنه، مفادها أن الدراسة غير مرتبطة بسنّ معينة، وأن التحصيل العلمي غير مسقوف.
كما أن مشهد الأب وهو يستعدّ للامتحانات مع ابنه يمنح انطباعا جميلا عن التماسك العائلي، ويمنح الأب فرصة التقرّب من ابنه ومن هموم جيل مختلف تماما، ما يساعده على تفهّمه وتبني السياسية الملائمة في التعامل معه.
وفي الجامعة أيضا، تعرّف نور الدين على شباب في عمر ابنه، وأصبح من أصدقائهم، حتى أنه ألمّ بمشاكلهم وهمومهم، ما جعله يستبق الكثير من الإشكالات في حياة ابنه، ويخلق معه جسرا من التفاهم، ومنع الصدام الذي عادة ما يحدث بين الأجيال.
وبما أن نور الدين عمل خلال حياته صحفيا مختصا في الإقتصاد، فقد منحته تجربته الجامعية لما بعد التقاعد دراية إضافية ومعمّقة حول مشاكل المجتمع عموما، وجعلت كتاباته تلامس الواقع بشكل أكبر.
كما كان لجامعة “محمد الخامس” التي درس بها، دورا كبيرا في التعرّف عن قرب إلى خصوصيات بعض البلدان الإفريقية، من خلال صداقاته مع طلبة أفارقة من مالي وجزر القمر وساحل العاج (كوت ديفوار).
فهؤلاء الطلبة كانوا يقدّمون عروضا بالجامعة، سمحت لنورالدين وبقية الطلبة المغاربة، بالتعرّف عن كثب على جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية لعدد من بلدان القارة السمراء، حسب “الأناضول”.