تجليات السلوك التضامني عند المغاربة العادات التكافلية الاجتماعية
هوية بريس – د. محمد البراهمي
تتعدد تجليات وأشكال التضامن في سلوك الأفراد والمجتمعات، وتتنوع من حيث الأشكال والمبادرات، وتتداخل الأسباب والبواعث الدافعة إليها، والمحفزة عليها، وللمجتمع المغربي حظه من هذه الثقافة، وإبداعه في أشكالها وطرقها، يدفعها إليها حسه الإنساني الأصيل المرتبط بأصله الإيماني العميق، وستقف هذه المقالة عند بعض التجليات والعادات التكافلية التضامنية التي تميز بها المغاربة في علاقاتهم الفردية والجماعية، وبعض آثارها وانعكاساتها الاجتماعية.
1: شرط الفقيه:
وهي عادة متأصلة لدى المغاربة خاصة في القرى، حيث يتكفل سكان القرية بمصاريف الفقيه أو الإمام الذي يشرف على إمامة الناس وتدريس الأطفال القرآن الكريم، حيث يتكفل كل بيت بفطور الفقيه وغدائه وعشائه بالتناوب مع باقي البيوت، وذلك لتغطية النقص الذي يجده الفقيه في أجرته التي تكون في الغالب ضعيفة، ومن أشكالها كذالك التعاون بين سكان القرية أو الحي في بعض المدن لسداد أجرة الفقيه.
وهي عادة تكافلية تحقق التعاون لتلبية احتياجات دينية تعبدية أو تعليمية، حيث تضمن تعليم أطفال القرية وتمكينهم من العلوم الشرعية بدء بحفظ القرآن مرورا ببعض المتون ووصولا في بعض الأحيان للتمكن من بعض المعارف الشرعية، خاصة إذا كان الفقيه من حملة العلوم الشرعية إلى جانب القرآن الكريم، كما يضمن هذا العرف الاجتماعي التكافلي استقرارا تعبديا لأهل القرية، بأداء الصلوات الخمس بانتظام خلف إمام راتب.
2: التويزة:
وعي عادة اجتماعية تنتشر في القرى المغربية خاصة في القبائل الأمازيغية وترتبط بالخصوص بالعمل الزراعي، حيث يجتمع عدد من العمال من أفراد القرية والقبيلة للقيام بعمل زراعي حرثا أو حصادا.. في أرض من هو في حاجة للعون والمساعدة، أو عمل معماري تشيدا وبناء في قريتهم أو أرضهم، حيث يتم بناء المساجد وشق قنوات الري لسقي الحقول والأراضي الزراعية، ويشترك في هذه العملية الجميع رجالا وأطفالا، كما تسهم النساء في هذه العملية من خلال أنشطة تخصهن كحياكة الزرابي وإعداد الأطعمة بل والمشاركة في بعض أعمال الرجال كذلك، وهي مبادرة تضامنية تمتد للأفراح والأتراح، تجعل من أفراد القرية والقبيلة جسدا واحدا، وتجعل من قيمة التكافل آلية للاستجابة لحاجات القرية أفرادا ومؤسسة.
3: إفطارات رمضان:
يتحول شهر رمضان في المغرب إلى محطة تكافلية وتضامنية بامتياز، ففضلا عن الأشكال الفردية الإحسانية المتمثلة في الإنفاق على المحتاج والمسكين من طرف عموم الناس وليس فقط من طرف الأغنياء والأثرياء، تتعدد أشكال التكافل الجماعي كخيمات الإفطار الجماعي، وتقديم عدد من المطاعم ومحلات الوجبات الخفيفة وجبات إفطار للمحتاجين بالمجان، ويعبر هذا السلوك الاجتماعي عن نفس الإحسان والتعاون المتأصل في النفوس والذي يتغذى من توجيهات القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين، ومن تقاليد وعادات المغاربة المترسخة في تاريخهم وثقافتهم الممتدة في التاريخ.
4: التضامن في الأتراح والأفراح:
مما يميز المغاربة في عاداتهم التكافلية التضامن في الأفراح والأتراح، حيث يتم مساعدة سكان الحي خاصة في الأحياء الفقيرة أو في البوادي والقرى لصاحب الحفل بما يحتاجه من تجهيزات منزلية، بل ومساعدات مادية للقيام بحفله خاصة في مناسبات الأعراس، كما يتكفل أهل الحي بعشاء الميت ليلة وفاته مراعاة لحزن أهله وتفرغهم لاستقبال المعزين، بل وبمساعدات مادية تضمن له التكفل باحتياجاته في هذه المناسبة الأليمة، وهي تعابير اجتماعية ترسخ قيمة التضامن، وتجعل من المجتمع كالجسد الواحد تجسيدا وتحقيقا لمفهوم حديث رسول الله لى الله عليه وسلم ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” رواه البخاري.
5: أضحية العيد:
من مظاهر التكافل التي يعرفها المغاربة التضامن من أجل شراء أضحية العيد للمحتاجين خاصة من الأرامل واليتامى، وهي ظاهرة وإن كانت غير بارزه للعيان كباقي المظاهر السابقة لكنها منتشرة ومترسخة في عادات المحسنين من المغاربة الذي لا يفتأون يبحثون عن المحتاجين في هذه المناسبة لتلبية حاجتهم لأضحية العيد.
تعددت مبادرات وأشكال التضامن والتعاون لدى المغاربة وفي مناسبات متنوعة ومختلفة، وهي مبادرات دالة على عمق الإيمان بالعمل الإحساني وفضله وأهميته تعبديا واجتماعيا، أشكال تتكامل مع جهود تطوعية أخرى كالهبات والقروض والوقف وغيرها من وجوه الإنفاق التي تعبر على عنوان كبير يعرف به المغاربة وهو عنوان التضامن والتكافل الاجتماعي، الذي يجسد مفهوم البر والتقوى الوارد في قوله تعالى ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” المائدة: 2. وتحقق كمال الإيمان الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ” أخرجه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبئُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا”، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ” أخرجه البخاري، كما يسهم في تماسك المجتمع ويوثق بنيان الأخوة الإسلامية والإنسانية.
حفظك الله سي محمد ابراهمي ..