تحديات البطالة في المغرب وعلاقتها بشرط التجربة المهنية في الشركات

تحديات البطالة في المغرب وعلاقتها بشرط التجربة المهنية في الشركات
هوية بريس – عبد السلام حجي
نعم، المتخرجون الجدد يطمحون إلى حياة جديدة، وأتعجب من بعض الشركات وبعض المؤسسات العمومية وشبه عمومية والمقاولات التي تطرح عروض شغل offres d’emploi, recrutement…) (تتضمن من بين شروط التشغيل بها شرط “وجوب التوفر على سنتين أو ثلاثة سنوات من التجربة المهنية أو الخدمة الفعلية”، مع الإدلاء بما يثبت ذلك بأوراق التسجيل في الضمان الاجتماعي إلى غير ذلك، أليس هذا بتعجيز او عرقلة للمتخرجين الجدد الذين لا يتوفر فيهم هذا الشرط أليس هذا بإجحاف كبير في حق هؤلاء المبتدئين أو المتخرجين الجدد؟ مع العلم أن الشركات الخاصة والمقاولات مع اختلاف أنواعها هي أشخاص تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة وذمة مالية مستقلة، ﺗﺜﺒﺖ ﻟﻬﺎ اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻻﻛﺘـﺴﺎب اﻟﺤﻘـﻮق وﺗﺤﻤـﻞ اﻻﻟﺘﺰاﻣـﺎت.
البيت القصيد هنا، هو أننا نجد المتخرج الجديد الحاصل على دبلوم أو شهادة دراسات عليا (le diplômé)، كلما أراد أن يتقدم بطلب قصد الحصول على منصب شغل بإحدى هاته الشركات أو المؤسسات، يجد نفسه أمام شرط “التوفر على تجربة المهنية ” أقلها سنتين أو ثلاث سنوات، ومنهم من يشترط خمس وعشر سنوات لبعض المناصب، أليس من حق هؤلاء الخريجين الجدد الولوج إلى العمل للمرة الأولى؟ بشيء من المرونة والدعم المعنوي، فمتى سيكسب هذا الخريج الجديد هذه التجربة إذا لم تسمح له هذه الشركات أو المؤسسات بالدخول لأول مرة إلى عالم الشغل، فغالبا ما لا يؤخذ به ولا تعير هذه الأخيرة أي اهتمام لطلبهم، أليس هذا اجحاف في حق هؤلاء المتخرجين الجدد الراغبين في العمل والذين هم في بداية مشوارهم؟ أليس هذا شرطا قاسيا في حقهم؟ فعدد كبير منهم كلما بادروا إلى أن يقدموا طلباتهم للحصول على منصب شغل، يواجهون بهذا الشرط القاسي الذي يحرمهم من فرصة تقديم طلبهم ويشكل عائقا أمامهم وغلق أبواب الشغل في وجوههم لدى هاته الشركات أو المقولات والمؤسسات؛
ألا توجد هنالك شركات مواطنة، تساعد وتفتح الأبواب أمام هؤلاء الشباب الذين كافحوا لسنوات عديدة في الدراسة والجد والسهر والنجاح؟ أهكذا تحارب البطالة؟ أكل شيء أصبح يقاس بالمال والربح؟ في حين أن هاته الشركات إذا ما شغلت المبتدئين ستستفيد هي أيضا منهم عند تكوينهم، ثم إن مبلغ أجرهم الذي يتقاضونه في هذه المرحلة الأولى يكون دائما أو في غالب الأحوال أقل من أجر الأشخاص الآخرين المتمرسين وذوي التجربة المهنية الكبيرة، إذا فهي رابحة في كل الأحوال؛
اليوم هذه معضلة خطيرة وأصبحت منتشرة بكثرة وهي سبب من الأسباب المباشرة في ارتفاع أعداد البطالة في المغرب، بطالة المتخرجين الجدد من الدراسات العليا ” البطالة المثقفة” منهم الدكاترة والحائزين على الماستر والاجازة على مختلف أنواعها، يراه البعض على أنه تحايل القطاع الخاص على تشغيل الشباب المبتدئ بحجة عدم الحصول على التجربة المهنية وأقدمية معينة، ألم يكن بإمكان هذه الشركات أو المؤسسات أن تقبل كل سنة عدد من الخريجين الجدد وبأن تتيح لهم فرص عمل بطبيعة الحال بأجور ربما تكون بأقل أجر ممن لهم التجربة الطويلة؛
اليوم عدد كبير من الشباب كلما أرادوا ان يتقدموا بطلباتهم للعمل يواجهون بهذا الشرط المجحف “التجربة المهنية”، من أين سيأتي هذا الشاب الطموح بهذه التجربة إذا أقفلت كل الشركات والمؤسسات أبوابها بحجة هذ الشرط، ومن أين سيكسب هذا الخريج الجديد تلك التجربة إذا لم تفتح له الأبواب للمرة الأولى من أجل الممارسة؛
كما أن بعض الشركات أو المقاولات والمؤسسات الأخرى تعمد الى عرض مناصب للتدريب فقط (تدريب غير مؤدى عنه) (les stages) وكم من شركة تستغل هذا الباب استغلالا بشعا وذلك لمدة أقلها 3 أشهر إلى 6 أشهر ثم يتم توقيف المتدرب أو صرفه بورقة تسمى “شهادة تدريب (Attestation de stage) ودون مقابل، مما يجعل الخريج الجديد يدور في دوامة التداريب بدون جدوى وهذا شيء تستغله بعض الشركات وتتحايل به على التشغيل القانوني المعمول به؛
للوهلة الأولى تبدو هذه أشياء بسيطة، لكنها في العمق نجدها أسباب واقعية مجحفة تحتوي على نوع من التحايل على الوضع، واستغلال وفرة الطلب على الشغل الذي هو أكثر من العرض في هذه الآونة الأخيرة، وهو سبب جدي من أسباب ارتفاع عدد المعطلين عن الشغل وعدم تمكن العديد منهم من الحصول على منصب شغل ملائم، له ولتخصصه، قد تجيبنا بعض هاته الشركات أو المقاولات أو المؤسسات بأنه سبب منطقي حيث لا يمكن تشغيل شخص بدون تجربة تكون له مردودية للشركة، إذ لن يحقق المتخرج الجديد إذا ما وظفته الشركة نتائج إيجابية للشركة وسيشكل عبئا إضافيا عليها وأن ذلك يعتبر من التكاليف التي يمكن الاستغناء عنها، بل هنالك من سيقول أنه بمجرد أن يتدرب هذا الشخص الجديد ويمارس لفترة سنة أوسنتين وبمجرد أن يتم تكوينه، سيغادر هذا الأخير إلى شركة أخرى منافسة، وللإجابة على هذا الطرح الأخير يمكن القول أن الشركة او المقاولة إذا ما استثمرت في الطاقات البشرية الجديدة وتكوينها واستقبالها وتشجيعها فكلها عوامل قد تربحها وتستفيد منها أذا عرفت كيف تتعامل معها وكيف تبدع في كسبها و تحفيزها بما يكفي من التحفيزات وجعلها نشطة (Active).
الخلاصة، أنه يوجد فعلا شعور بمعاناة هؤلاء ( diplômés) الحائزين على دبلومات المدارس العليا بكل أنواعها ومراتبها من دكاترة وحاملي الماستر والاجازات والشواهد المهنية وغيرها، هذه الفئات تعاني في صمت من البحث عن الشغل مع فرض شروط تعجيزية عند البداية، مع إحباط كبير لمزاعمهم وهي ما تدفع أكثرهم إلى الهجرة(هجرة الأدمغة) الهجرة إلى دول تفتح لهم أبواب الشغل وتقدر مستوى الجهود التي تم بذلها والمستوى الفكري التي وصلوا إليه، فهي نخبة واعية و وجب العناية بها جيدا ورد الاعتبار لها، بتدخل قوي وبرامج هادفة من جميع الجهات المعنية من قطاع عام و قطاع خاص وفاعلين اجتماعيين وسياسيين إلى غير ذلك، مع إعادة النظر في التشريعات والقرارات الموجودة، لكسب هؤلاء المغاربة وادماجهم في وطنهم، عوض دفعهم إلى الهجرة والبحث عن مستقبلهم أو ضياعهم في أقطار أخرى؛
كما يجب ألا ننسى بأن منهم عدد كبير من أصبحوا أدمغة وروادا وأساتذة كبار في الجامعات الدولية ومبدعين و فنييين وتقنيين بارعين متفوقين في مختلف المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية، علما أننا لم نسمع يوما عن ذكر أرقام حقيقية تجسد الصورة الواضحة لهذه الفئات المثقفة التي هاجرت وتم التفريط فيها ، وقد لا تعود أبدا .



