تحديات الحكم الذاتي في المفاوضات المرتقبة حول الصحراء

05 ديسمبر 2025 08:37

تحديات الحكم الذاتي في المفاوضات المرتقبة حول الصحراء

هوية بريس – بلال التليدي

نقاشات ما بعد قرار مجلس الأمن 2797 في المغرب تجاوزت تفسير القرار، وما إذا كان يشكل انتصارا للمغرب ينبغي أن تبنى عليه استحقاقات طرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، وإنهاء المعاناة مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما مؤسساته القضائية فيما يخص الاتفاق الزراعي أو اتفاق الصيد البحري، فقد اتجه النقاش رأسا، من طرف الدولة والمجتمع السياسي والمدني، إلى مناقشة أي نموذج لحكم ذاتي سيقترح بين يدي المفاوضات مع أطراف النزاع، وكيف سيكون شكل تحيين المقترح المغربي للحكم الذاتي، لاسيما وأن التجارب الدولية بهذا الخصوص بلغت حوالي 123 نموذجا بين أرقى النماذج الديمقراطية للحكم الذاتي كما هو الحال في اسكتلندا، وأدناها ممن يرعى فقط المستوى الأول من الحقوق، أي الحقوق اللغوية والثقافية.

البعض، وبسبب من تشابه بعض العناصر، يعتبر بأن النموذج الإيرلندي الشمالي الذي يسمى في الكتابات المقارنة بنموذج ما بعد النزاع أو النموذج الذي صمم بهدف إنهاء النزاع العسكري، قد يكون ملهما للمغرب، وينطلق من كون جبهة البوليساريو جماعة مسلحة تخلق تحديا عسكريا وأمنيا للدولة المغربية، لكن الواقع، يؤكد بأن الطرفين دخلا في اتفاق وقف إطلاق النار منذ سنة 1991، وأن الخروقات التي تم تسجيلها في إحاطة المينورسو والمبعوثين الخاصين للأمين العام الأممي عبر أزيد من ثلاثة عقود لم تكن تصل إلى حد التأثير في سريان هذا الاتفاق، كما أن التفوق العسكري للمغرب، واستعماله لآخر التطورات التكنولوجية العسكرية في مراقبة الصحراء، أنهى بشكل كامل التهديد العسكري لهذه الجبهة، بما جعل الحكم الذاتي في الصحراء بعيدا جدا عن الحالة الإيرلندية الشمالية.

ثمة مفارقتان كبريان، لا تكاد تجدهما في التجارب الدولية لأنماط الحكم الذاتي، أولها، أن الحكم الذاتي في المغرب، لا يعني الانفصاليين فقط، ممن اختاروا الجبهة ناصروا أطروحتها، وإنما يهم حتى الصحراويين الوحدويين المقيمين، مما يطرح سؤال شرعية تمثيل صحراويي تندوف لصحراويي الداخل الوحدويين، وبأي معيار سيتم تحديد جهة التفاوض، خاصة وأن الأمر يعني المنطقة، ولا يعني فئة صحراوية بخصائص متجانسة سياسيا، بل وحتى ثقافيا، فالوحدويون الموجودون في الداخل، لا يتميزون عن صحراويي تندوف فقط في الموقف من مغربية الصحراء، بل حصلت داخلهم تحولات ثقافية وأنثروبولوجية جعلت صحراويي الداخل بسبب من الاندماج الاجتماعي والثقافي مختلفين كليا عن صحراويي تندوف، مما يطرح إشكالا سياسيا وثقافيا واجتماعيا في تدبير قضية التمثيلية في إدارة التفاوض أو شرعية المخرجات الناتجة عنه.

أما المفارقة الثانية، فتتعلق بالتداخل بين السياسي والقبلي، فالأطاريح التي تعتمد على مفهوم المواطنة والديمقراطية وتمثيل الإرادة العامة في تجارب الحكم الذاتي في العالم، إنما استلهمت من التجارب الأوروبية الغربية والشرقية وأيضا من بعض المجتمعات الآسيوية، التي تم تصنيفها ضمن موجات الانتقال الديمقراطي الأولى أو الثانية أو الثالثة، في حين، لا يزال العالم العربي، بعيدا عن هذه الموجات، حتى إن الربيع العربي، الذي اعتبره عالم السياسية الأمريكي لاري دايموند مؤشرا على بداية الموجة الرابعة للديمقراطية في العالم العربي، لم يكن إلا سرابا ووهما، فواقع الصحراء الأنثروبولوجي والاجتماعي، يحيل إلى مجتمع ما قبل الحداثة، أو للدقة مجتمع التقليد، الذي تشكل فيه القبيلة البنية الأساسية في التنظيم الاجتماعي وإنتاج القيم وخلق فضاء التضامن، وهذا ما يفسر كيف تستمر هذا البنية في لعب دورها الأساسي في توازن المنطقة واستقرارها، وكيف يتداول الأعيان من هذه القبائل على الأحزاب السياسية، ولا يشكل ذلك بالنسبة إليهم تهديدا للتماسك القبلي، وهو ما يعني في التقدير السوسيولوجي، أن أهم ما يمكن أن يبحثه الحكم الذاتي، هو تأمين هذه البنية القبلية وتوازناتها في منطقة الصحراء أكثر من قضية التمثيل السياسي.

علاقة الحكم الذاتي بالديمقراطية تثير هي الأخرى نقاشا أعمق، وهل هي شرط في بناء الحكم الذاتي؟

في هذه القضية ينبغي التمييز بين ما هو تفاوضي، أي استثمار قضية الديمقراطية كورقة في التفاوض، وبين درجة رهان الأطراف المتفاوضة الحقيقي على الديمقراطية لبناء نموذج الحكم الذاتي.

هناك أربع حجج أساسية لا بد من إثارتها، أولها، ما يرتبط بالسياق الدولي والإقليمي، الذي لا يبدو مشجعا للديمقراطية، بل يعيقها ويخشى بعض الأطراف السياسية من نتائجها، فلا الإدارة الأمريكية ولا الأوروبيون، ولا الروس ولا الصين، منشغلون بقضية دعم الديمقراطية في المنطقة، فروسيا، قدمت دعما سياسيا لثلاثة انقلابات عسكرية في الساحل جنوب الصحراء، وأمريكا والاتحاد الأوروبي، يقدمون دعما سياسيا واقتصاديا لتجربة قيس السعيد البعيدة عن الديمقراطية والصين توجه بوصلتها في القارة السمراء حسب مصالحها الاقتصادية.

الحجة الثانية، تقول بأن الدول العظمى ترى في الديمقراطية معيقا أساسيا لمصالحها في المناطق الواعدة الثروات، وهذا ما جعل براهام فولر كبير باحثي كارنيجي للقول بأن الديمقراطية في مناطق النفط والغاز خطر على الديمقراطية، وأنه لذلك تتعايش الولايات الأمريكية مع الأنظمة الخليجية وتدعمها. أما الحجة الثالثة، فتتعلق، بما يترتب عن الرهان على الخيار الديمقراطي لبناء الحكم الذاتي في الصحراء، فالدراسات المقارنة سجلت في أكثر من تجربة تخوفات من العدوى التي يخلقها الحكم الذاتي في المناطق الأخرى، فالمغرب، المتعدد الجهات، والمتعدد أثنيا ولغويا وثقافيا، لا يمكن أن ينخرط في مسار يكرس التباين المؤسسي والتنظيمي والتشريعي بين جهاته، ولذلك، ومنذ أن طرح مقترحه للحكم الذاتي وهو يطرح فكرة الجهوية المتقدمة الموسعة، ويسعى إلى أن يخلق الانسجام بين ما ستؤول إليه الجهوية، وبين الحكم الذاتي الذي ستتمتع به الصحراء، ولذلك ربما أبطأ تفعيل الجهوية، حتى تتناسب مع نضج الموقف بخصوص الحكم الذاتي.

أما الحجة الرابعة، فمتعلقة بالطرف المفاوض، أي جبهة البوليساريو، فهي نفسها غير مستعدة لإدارة نموذج حكم ذاتي ديمقراطي، أنها تعودت لا أن تحكم فقط بسقف استبدادي، بل لأن تدير العلاقة مع الدولة الراعية (الجزائر) بما جعل من مخيمات تندوف معسكرا مجهولا لا أحد يعلم تركيبته الاجتماعية، حتى إن بعض مؤسسي الجبهة صاروا يعتبرونها تنظيما يسير بنخبة ريعية مرتبطة بالجزائر، لا تحتكم مطلقا لأي معيار ديمقراطي، فهل هذا التنظيم بهذه المواصفات سيقبل أن يتأسس الحكم الذاتي الذي سيديره أو يشارك في إدارته على أساس ديمقراطي؟

في جميع الأحوال، ينبغي أن نؤكد بأن الحكم الذاتي الذي سيتم التفاوض عليه هو شيء مختلف عما هم موجود في الدراسات المقارنة، وأنه بدون شك سيكون بخصوصيات مغربية، وأن المركزي فيه، هو شكل تقسيم السلطة والثروة، وشكل إدماج النخب الصحراوية في تندوف، أكثر من أن يكون تفاوضا حول نموذج ديمقراطي حقيقي.

الدولة المغربية تمتلك الخبرة الكافية بخصوص تجارب الحكم الذاتي الدولية، وتعرف خارطة الخطوط الحمر التي لا ينبغي تعديلها، ومنها ألا يتحول الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية إلى بؤرة لتغذية الاحتقان بين المركز والجهات، أو ما بين الجهات، وتدرك أن الديمقراطية ليست قضية النخب الصحراوية في تندوف ولا قضية القوى الدولية، ولذلك، هي تسعى لتقديم ورقة تفاوضية، ستكون في الأغلب في حدها الأدنى، الذي يسمح لها بإدارة طاولة التفاوض، لإدماج النخب الصحراوية جميعا، تحت الوطن الواحد.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة