تحدّيات الحكومة الجديدة في المغرب

22 أكتوبر 2021 09:44

هوية بريس – عادل بنحمزة

شكل إعلان الحكومة الجديدة نهاية مسار انتخابي طويل امتد لأشهر عدة هم مختلف المؤسسات المنتخبة، ظهرت الحكومة بهندسة جديدة توضح طبيعة الأولويات التي ستركز عليها، كما أن الخطاب الملكي في افتتاح الولاية التشريعية سلّط الضوء على التحديات التي يجب على الحكومة خوضها، سواء ما تعلق بضرورة استمرار التوازنات الماكرواقتصادية والتي تقدم مؤشراتها الوطنية أرقاماً جيدة، بالمقارنة بما هو سائد على المستوى الدولي، وخاصة في محطينا الإقليمي والجهوي، وما يرتبط بها من ضرورة تجاوز تداعيات جائحة كورونا، أو ما يتعلق بتنزيل وتمويل الورش الوطنية الكبيرة المتمثلة في النموذج التنموي الجديد، وفقاً للأولويات التي تضمنها تقرير اللجنة الملكية، أو ما يتعلق بورش الحماية الاجتماعية كمشروع طموح وواعد، بالإضافة إلى تحد أكبر يتعلق بموقع المغرب في محيطه الإقليمي، الجهوي والدولي، وما يفرضه ذلك من تحديات تتعلق بالسيادة والأمن في أبعادها المختلفة كما وردت في الخطاب الملكي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي والأمن الطاقي، بالإضافة طبعاً إلى المفهوم الكلاسيكي للأمن في علاقته بالسيادة.

النّموذج التّنموي الجديد

قبل سنوات أنجز باحثون وخبراء مغاربة حصيلة شاملة لخمسين سنة من الاستقلال، توج هذا العمل الهام بما سُمّي بتقرير الخمسينية، تم إعداد ملخص له تحت عنوان “المغرب الممكن”، لم يكن العنوان من صنف هذا أقصى ما أمكننا أن نصل إليه، بل للقول بأن مغرباً آخر ممكن، هذا التقرير أريد له أن يكون خريطة طريق للبلاد، والبعض وظفه كسردية بنفس أيديولوجي يعبر عن طموح الدولة الجديدة بعد انتقال المُلك، ولأن التقرير كان يتحدث عن الماضي، فقد كان منسوب الجرأة والاحتفاء به كبيراً، لكن مع توالي السنوات توارى التقرير الى الخلف وما عاد أحد يتحدث عنه، ببساطة لأننا أعدنا إنتاج كثير مما جاء انتقاده في تقرير الخمسينية، وهذا أحد الأعطاب التي أفقدت المغرب وعدداً كبيراً من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القدرة على تحقيق تراكمات إصلاحية مهمة في السياسة والاقتصاد.

الحديث عن نموذج تنموي جديد، ليس حديث اليوم، بل هو موضوع مطالب اجتماعية وسياسية وخلاصات أبحاث علمية وفكرية عديدة، أثبتت اختلال الاختيارات التنموية بالمغرب على مدى عقود، وهي اختلالات لا تخص المغرب فقط، بل مثلت السمة الغالبة على الدول النامية التي وقعت تحت هيمنة الخطاب النيوليبرالي الذي قاده الثنائي تاتشر وريغان بداية الثمانينات من القرن الماضي، إذ كانت تلك الدول، تطبق عملياً عصارة ذلك الخطاب ممثلاً في مخرجات “توافق واشنطن” لبداية تسعينات القرن الماضي والذي تم تقديمه من الدوائر المالية الدولية، وكأنه “إكسير الحياة” بالنسبة للاقتصادات الخارجة من نموذج الاقتصاد المعتمد على التخطيط وعلى أدوار مركزية للدولة.

ركزت توصيات “توافق واشنطن” على الصرامة المطلقة في المالية العامة، وإحداث تعديلات حول مسارات الإنفاق العمومي مع توسيع التكاليف الضريبية، وإعطاء مكانة مركزية للسوق وقواعده، سواء على مستوى أسعار السلع أو الفائدة أو تنافسية العملات المحلية، وتحرير التجارة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وما يلي ذلك من تخفف الدولة من عدد من القطاعات في إطار الخصخصة، وجملة، التخلي عن منطق دولة الرعاية واعتماد الحد الأدنى من الدولة بخفض أدوارها الاجتماعية والاقتصادية. اعتماد هذه التوصيات والبنود، دفع كثيراً من الدول إلى الدخول في أزمات متتالية بعد “نجاحات” على شكل فقاعات.. بل إن كثيراً منها دخل منعطفات خطيرة، كما حدث في مصر وتونس، إبان الموجة الأولى للربيع العربي، في حين أن عدداً من الدول الصاعدة وعدداً من التجارب المتقدمة في آسيا، حققت نجاحاتها عبر نماذج تنموية مستقلة متحررة من توصيات المؤسسات المالية الدولية التي لا يخفى على الجميع أدوارها الأيديولوجية، ووقوعها تحت تأثير دوائر الرأسمالية العالمية وفي خدمتها… لهذا ليست هناك أسرار كثيرة بخصوص وصفات النجاح في تحقيق التنمية بمستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

إن التحولات المتوقعة مع النموذج الجديد للتنمية في المغرب، تضع هدف وضع آليات مبتكرة للإقلاع الاقتصادي، ترتكز على التجارة الرقمية والتكنولوجيا ومساهمة المغرب في سلاسل القيمة على المستوى الدولي، مع السعي إلى استثمار جائحة كورونا لإعادة تموقع المغرب في هذا الإطار باستثمار قربه من شريكه الأساسي الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تدارك العجز في قطاعي الصحة والتربية وتثمين القطاع الفلاحي بالشكل الذي يقدم قيمة مضافة مرتفعة، ويرى كثير من المراقبين، أن هذه التحولات الاقتصادية بأثرها الاجتماعي لا يمكن ألا تنتج تحولاً سياسياً، فالتحولات الاقتصادية والتغييرات التي ستفرزها، ستساعد على بروز نخب اقتصادية/سياسية جديدة، فهل ينجح المغرب في ربح هذا الرهان وفي استعادة دولة الرعاية؟ وهل ينجح في جعل الاختيار الديموقراطي كثابت من الثوابت الدستورية سنداً ودعامة لعبور التحديات والاستقطابات الإقليمية والجهوية، وتكسير التوزيع التقليدي للعمل على المستوى الدولي؟

الحماية الاجتماعيّة

في أوج انتشار جائحة كورونا التي كشفت كثيراً من الأعطاب المتعلقة بالخدمات ذات الطابع الاجتماعي، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم، وفي ظل استمرار التنظير لضرورة الحد الأدنى من الدولة من خلال دفعها للتخلي عن وظيفتها الاجتماعية والتركيز فقط على أدوارها الأمنية، في استعادة لأطروحة الثنائي تاتشر وريغان بداية ثمانينات القرن الماضي، اختار المغرب أن يسبح ضد التيار، إذ أعلن الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2020 وفي عز أزمة كوفيد-19 عن انطلاق أكبر ورش اجتماعية في تاريخ المغرب، ويتعلق الأمر بتعميم الحماية الاجتماعية لتشمل أزيد من 20 مليون مغربي في أجل أقصاه خمس سنوات، وبتكلفة تبلغ 51 مليار درهم، هذا المشروع الضخم يأتي في أعقاب الحديث عن نموذج تنموي جديد، بعدما استنفد النموذج السابق أهدافه ووصل إلى أقصى ما يمكن تحقيقه، ومن أعطابه أنه نموذج كان يتميز بضعف عدالته المجالية والاجتماعية، ما أفرز تناقضات صارخة تظهر في التفاوت الحاصل داخل المجتمع المغربي وبين مجالاته الترابية المختلفة بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر كبيرة في المستقبل.

لقد شكلت المسألة الاجتماعية نقطة اهتمام الدولة منذ سنوات، بحيث اعتُمد نظام “الرميد” الخاص بالتغطية الصحية، وقبله سنة 2005 أعطيت انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبداية من سنة 2007 انطلق برنامج “تيسير” في عهد حكومة الأستاذ عباس الفاسي الذي يستهدف ربط المساعدات المالية للأسر المعوزة بتمدرس أبنائها، هذه البرامج تكشف أن الدولة واعية لأهمية الحماية الاجتماعية بمختلف مستوياتها، غير أن المشروع الذي أعطى الملك محمد السادس انطلاقته في خطاب العرش، يعتبر مشروعاً شاملاً ومهيكلاً للحماية الاجتماعية التي يعرفها مشروع قانون الإطار بكونها تتضمن: الحماية من أخطار الأمراض، والحماية من الأخطار المتعلقة بالطفولة وتمكين الأسر التي لا تتمتع بهذه الحماية من الاستفادة من التعويض، والحماية من أخطار الشيخوخة، والحماية من أخطار فقدان الشغل.

المغرب في محيطه الدّولي والإقليمي

المغرب منذ أكثر من سنة في قلب مواجهات وحملات كسر عظام مع قوى دولية وإقليمية في غرب المتوسط، البعض يدفع برواية تعتبر التوتر مع كل من إسبانيا وألمانيا، إضافة إلى التوتر الدائم والممتد مع الجزائر و”الأزمة الإعلامية” المستجدة مع فرنسا على خلفية قضايا تجسس عبر برنامج “بيغاسوس”، هو مجرد انعكاس لاختيار الرباط نهج دبلوماسية صدامية، وأن تزامن هذه المواجهات دليل على أن المغرب يقف في الضفة الخطأ، إذ لا يمكن، حسب هذه الرواية دائماً، أن تكون جميع هذه الدول على خطأ والمغرب على صواب.

وبناءً عليه، يدفع هذا الرأي في اتجاه يحمّل الرباط المسؤولية الكاملة ويدعوها إلى مراجعة اختياراتها في السنوات الأخيرة، في المقابل، وعكس الرواية السابقة، يبدو أن وضع كل المواجهات الدبلوماسية الأخيرة للمغرب في كفة واحدة، وإصدار حكم عليها يحمّل المغرب المسؤولية، فقط لأنها متزامنة وبكون المغرب كطرف يتكرر في كل هذه الأزمات، خلاصة خاطئة ومتحاملة ولا تستند الى منطق سليم، الواقع يقول إن التطور الذي عرفه المغرب في العقدين الماضيين، يفتح شهيته طبيعياً للعب أدوار أكبر في محيطه الإقليمي والجهوي، ويمنحه شرعية الدفاع المتقدم عن مصالحه الحيوية والاستراتيجية، الواقع أن عدداً من القوى الدولية والإقليمية والجهوية، تتلاقى مصالحها موضوعياً في ضرورة تحجيم دور المغرب الذي أضحى قوى إقليمية في شمال غرب أفريقيا وبدون منازع، هذه الحقيقة كانت عصارة أهم مراكز التفكير الألمانية والتي كشفت عنها منذ بداية هذه السنة، ولم يقف الأمر عند هذا التشخيص، بل إن توصيات المركز الألماني ذهبت أبعد من ذلك، بحيث أوصت بضرورة تحجيم الدور المغربي حتى لا يبقى هناك فرق شاسع بين المغرب وكل من تونس والجزائر، الأزمات الأخيرة مع القضاء الأوربي وكل من إسبانيا وفرنسا، جميعها تدخل في إطار الانزعاج من الطموح المغربي، هذا دون إغفال ما يجري في الجارة الشرقية من اختناق للنظام سياسياً ومالياً واقتصادياً، والذي يحاول الاستثمار في العداء للمغرب، لتقديم مبرر قمع مطالب التغيير التي يرفعها الحراك هناك منذ أزيد من سنتين.

هذه التحديات مجتمعة ليست ظرفية، ولا يمكن التعامل معها بمنطق الأولوية، لأنها مجتمعة تمثل أولوية الأولويات، قد تنجح الحكومة في تدبير الموارد المالية والبشرية لربح تلك التحديات في أمد زمني معقول، لكن الأهم من ذلك هو الحفاظ على أجواء سياسية واجتماعية تؤمن قاعدة صلبة للمرحلة الجديدة التي تدخلها بلادنا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M