تحدَّت “بورقيبة” و”بن علي” وتمسكت بلباسها الشرعي .. رحيل العالمة الزيتونية هند شلبي (صورة)
هوية بريس – وكالات
ودعت تونس أستاذة التفسير والباحثة في علوم القرآن بجامعة الزيتونة الدكتورة هند شلبي، والملقبة بـ”صاحبة الزي الشلبي”، وهو وصف أطلقه عليها العالم الجليل محمد الشاذلي النيفر لاعتبارها أول تونسية ترتدي الحجاب وتقتحم به أسوار الجامعة.
وتنحدر هند شلبي من أسرة زيتونية عريقة، وحفظت القرآن الكريم في سن مبكر، وهي من أوائل التونسيات اللاتي نلن تحصيلا علميا في جامعة الزيتونة، وارتقت في درجاتها العلمية لتنال الدكتوراه، ثم عُينت أستاذة وباحثة في علوم القرآن عام 1981 في الجامعة ذاتها.
نذرت العالمة التونسية -التي رحلت عن عالمنا يوم 24 يونيو الجاري- حياتها للبحث العلمي والتحصيل الأكاديمي واختارت الابتعاد عن الأضواء، حيث ألفت العديد من الكتب والبحوث في التراث الإسلامي أبرزها كتاب “التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق” و”القراءات بإفريقية” و”التصاريف”.
تحدي بورقيبة
في سنة 1975 وضمن احتفالية السنة الدولية للمرأة، ألقت الدكتورة هند شلبي محاضرة أمام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عن مكانة المرأة في الإسلام، وأثارت جدلا بعد انتقادها لسياسات بورقيبة التحررية المتعلقة بمجلة الأحوال الشخصية، التي اعتبرتها تتعارض مع أحكام القرآن والسنة.
ورغم التضييق الذي عانت منه بعد إصدار بورقيبة سنة 1981 منشورا يمنع ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة، وتواصل العمل به تحت نظام بن علي، تمسكت الدكتورة هند باللباس الشرعي؛ إذ لجأت إلى الزي التقليدي التونسي “السفساري” وهو لحاف (غطاء) حريري أبيض يغطي المرأة من رأسها حتى أسفل قدميها.
مناقب معرفية وأخلاقية
وفي حديثه للجزيرة نت، يعدد رئيس قسم الشريعة والقانون بجامعة الزيتونة الدكتور إلياس دردور مناقب الفقيدة معرفيا وأخلاقيا، وهو أحد الذين نالوا شرف التحصيل العلمي على يديها في الجامعة ذاتها.
ويعتبر دردور رحيلها خسارة ليس لتونس فحسب بل للعالم الإسلامي أجمع، واصفا طريقتها في التفسير والتدريس لعلوم القرآن بالإبداعية والمتفردة والعصرية بعيدا عن التعصب والولاءات السياسية أو الطائفية.
ويؤكد الدكتور دردور أن تميز العالمة الزيتونية هند شلبي لم يكن في طريقة التدريس فحسب، بل باعتبارها أول من لبست الحجاب في جامعات تونس، حيث استبدلته -مكرهة بعد تضييق نظامي بورقيبة وبن علي على المحجبات- بالزي التقليدي التونسي المحتشم “السفساري”.
ويضيف “أذكر وأنا طالب زيتوني خلال فترة الثمانينيات، كيف أصدر بورقيبة مرسوما يمنع المحجبات من دخول الجامعة، لكن الدكتورة هند ارتدت السفساري التونسي ولفته بطريقة ذكية، وكان حلًا منها ضد التضييق ومحققا للستر ولمواصفات الزي الشرعي”.
ويشدد الشيخ الزيتوني على أن الراحلة كانت صداحة بالحق، ولم تكن تخشى سوى الله في مواقفها وأفعالها التي تستنبطها من شرع الله وكتابه وسنة رسوله، كما لم يحسب عليها أي ولاء سياسي أو ديني أو طائفي لجهة داخلية أو خارجية.
واعتبر دردور أن الأنظمة المتلاحقة في تونس كانت تعتمد طريقة ممنهجة في تغييب وتهميش علماء الزيتونة وقاماتها، وإبعادهم عن الساحة خوفًا من تأثيرهم في الرأي العام، بسبب مواقفهم الصريحة والمبدئية التي لا تتلاءم في كثير من الأحيان مع سياسيات الحكام وتوجهاتهم.
وكان رحيل الفقيدة هند شلبي قد أثار الرأي العام والنخب الفكرية في تونس، لا سيما وأن العالمة الزيتونية لم يعرف لها أي ظهور إعلامي رغم الزاد المعرفي والمكانة العلمية التي تحظى بها. (الجزيرة.نت)