تحريف الإسلام: الدوافع والأدوات

05 نوفمبر 2025 17:14
النظريات الفلسفية الثلاث التي أطرت القراءة المعاصرة للقرآن عند الدكتور محمد شحرور

تحريف الإسلام: الدوافع والأدوات

هوية بريس – د.أحمد الشقيري الديني

عبر مراحل انتشاره خاض الإسلام معارك فكرية على عدة جبهات، ذلك أنه دين توسعي يسعى لنشر كلمة التوحيد وإبلاغ الرسالة الخاتمة للناس أجمعين.

طبيعته التوسعية هذه جعلته يصطدم بثقافات وحضارات ويخوض معارك فكرية دافع أهلها عن خصوصيتهم بشراسة، كان النصر في أغلبها حليفا للإسلام بما يملكه من قوة البرهان والحجة والدليل العلمي القطعي..

الفرس والروم وأهل الكتاب انخرطوا في مطارحات فكرية عميقة مع الوحي ممثلا في القرآن والسنة متسلحين بما عندهم من أفكار وفلسفات وقيم وديانات، فشهدت الساحة الفكرية والفلسفية صراعا فكريا نتجت عنه علوم وقواعد وأحكام أغنت الثقافة الإسلامية التي تصدى الفقهاء وعلماء الكلام لفرز السقيم فيها من الصحيح..

حينها كان الإسلام في أوج قوته وعطائه الفكري والثقافي.

الصدام الذي حصل مبكرا بين العقل المسلم والعقل اليوناني كاد أن يجهز على العقائد الإسلامية، خصوصاً بعد تبني بعض الأسر الإسلامية الحاكمة للمنطق الأرسطي وترجمة التراث اليوناني إلى اللغة العربية وحمل الفقهاء بالقوة على تبنيه..

كانت هذه أول محاولة لتحريف الإسلام عن منهجه تصدى لها العلماء.

المحاولة الثانية جاءت بعد سقوط نظام الخلافة الجامع في آخر مراحله مع الدولة العثمانية ، ثم الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية الذي نتج عنه صدام عنيف بين الجامعتين اللاتينيه والإسلامية وكان من آثاره تسلل الفكرة العلمانية إلى النخبة الثقافية بشقيها الليبرالي واليساري في الوطن الإسلامي عموما، والعربي على وجه الخصوص، فنشأ تيار واسع يدافع عن فصل الدين عن الشأن العام والتدبير اليومي تبنته الدولة الحديثة، فتم عزل الدين في المساجد التي خضعت بدورها للتوجيه والمراقبة وفصل من يتحدث عن مشاكل الناس من الأئمة والوعاظ من على منابر المساجد.

الفكرة العلمانية تصدى لها العلماء والدعاة والحركات الإسلامية التي تشكلت عقب السقوط المدوي للخلافة العثمانية فتم إضعافها وشاركت أحزاب ذات خلفية إسلامية في تدبير الشأن العام.

اليوم نعيش على إيقاع المحاولة الثالثة لتحريف الإسلام، وهي الأخطر في تقديرنا لأنها تستهدف جيل يتربى في أحضان السوشيال ميديا ويتلقى معلومات خاطئة عن الإسلام، بل يتم تشكيل جيل يشك في قطعيات الدين وثوابته من عقائد وأخلاق وعبادات وشرائع..

خطورة المحاولة التحريفية الثالثة الجارية اليوم تأتي من جهة استهداف جيل الإنترنت المعتكف على وسائط التواصل الاجتماعي لا يملك مؤهلات علمية تجعله في مأمن من الشبهات التي تقصفه صباح مساء؛ وتأتي الخطورة من جهة ثانية وهي تبني الدول العظمى لهذا التحريف؛ وقد سمعنا عن الدعوة للديانة الإبراهيمية باعتبارها المرجع المشترك بين الديانات السماوية الثلاث: المسيحية واليهودية والإسلام، ديانة لها معابدها وطقوسها المشتركة وعقائدها المستقلة.

واتفاقات أبراهام التي تفرضها الإدارة الأمريكية على الدول الإسلامية تسير في هذا الطريق.

لقد تأسست مراكز بحث لهذا الغرض؛ بعضها تابع لكبريات الجامعات الأمريكية ؛ كما تم تنظيم مؤتمرات دولية بقصد تحريف الإسلام صدرت عنها توصيات ورسائل يراد من الدول الإسلامية تبنيها بالضغط والضبط.
ثلاثة أحداث هائلة حصلت في العقدين الأخيرين استفزت العقل الغربي وجعلت صانع القرار الغربي يوجه سهام النقد للإسلام؛ وبالتالي ضرورة تحريفه لتنشأ أجيال منفصلة عن دينها مسالمة للإستعمار غير مهتمة بقضايا الحرية والاستقلال والتبعية!

الأول تمثل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي استهدفت البرجين التجاريين في نيويورك.
الثاني تمثل في صعود الحركات الإسلامية للحكم في الدول العربية إبان الربيع العربي وما يشكله صعودها من تهديد للمصالح الغربية في المنطقة.

أما الحدث الثالث فهو الصمود المذهل للمقاومة بعد السابع من أكتوبر أمام الترسانة العسكرية الصهيونية بدعم غربي مطلق..

إن المحلل الغربي يرى أن القاسم المشترك بين هذه الأحداث المزلزلة هو الإسلام، وبالتالي لابد من مواجهة هذه العقيدة التي تفرز هذا النموذج الجهادي القادر على الصمود والاستمرار، وهذه المواجهة تقرر أن تكون بتحريف الإسلام نفسه..

وسنتناول في مقال آخر بحول الله كيف يتجلى هذا التحريف..

والله المستعان.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
18°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة