تدخل الطيران العسكري في الغزو الإسباني لشمال المغرب
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
منذ بداية الهجوم الحالي (راجع تفاصيله في الحلقات السالفة من هذه الجريدة)، ركزت الصحافة الإسبانية على إرسال سرب من الطائرات كوِّن في قاعدة كرابانشيل قرب مدريد، على الشاكلة الفرنسية في منطقتها بالمغرب، ولإيطاليا في طرابلس.
وقد تم إرساله لتطوان من 22 لغاية 28 أكتوبر 1913 بقيادة الكولونيل فيفي، قائد القاعدة الجوية نجدارجا، ويتكون من ست طائرات مع ما تحتاجه من لوازم حمل وجر وتجهيزات وذخيرة.
كان أول تحليق فوق تطوان قد تم بنجاح في 3 نونبر 1913 بحضور الخليفة مولاي المهدي وباشا المدينة وكبار الشخصيات وحضره الجنرال ماريانا المقيم العام الإسباني بالمنطقة الخليفية.
وفي 8 من نفس الشهر قامت طائرة بالتحليق فوق القبائل الثائرة في كل من الحوز ووادراس وبني حزمر بنجاح، وتوبع ذلك العمل يوم 12 منه بتوجيه من القبطان كيدلان حيث حلق فوق دار بن قريش نقطة تمركز حركة الأعداء، وقد أفادت المعلومات المستقاة من عين المكان بأن ذلك التحليق قد أحدث في الحركة استغرابا وبلبلة.
لكن في 17 منه تم التحليق فوق موكوت، وفي 19 منه توجه ليوطنا رييو وملاحظه القبطان باريرو بطائرتهما للإستطلاع حول بييبلان فارما فتعرضا لطلقات نارية من المغاربة المتمركزين بقمة جبل أسفلهما بـ300م فأصيب الطياران بشكل متزامن واحد في عينه والآخر في بطنه بعدما اخترق الرصاص الجانب الأيسر من الطائرة، فواجها الأمر بدم بارد وتمالكا نفسيهما حتى عادا لقاعدة لعدير بتطوان بعدما قطعا 16 كلم وهما جريحان، وقد ترك ذلك انطباعا جيدا في المعسكر وخارجه، وقامت الصحافة الإسبانية بتناول الموضوع والإشادة بالطيارين كما أشاد بهما العاهل الإسباني.
الجنرال ليوطي بعث ببرقية للجنرال مارينا يوم 23 نونبر 1913 من مشرع بن عبو قال فيها:
(أبعث ورفاقكم الفرنسيين لكم عبارات الود من أجل الطيارين الجريحين الذين أكملا مهمتهما ببطولة متمنيا معرفة أخبارهما مجددا).
لكن في الوقت الذي أظهر فيه هذا الفعل المجهول المتطرف روعة سلوك الطيارين، بين القيمة الضرورية الحقيقية للطيران في الغزو الاستعماري بهذه الحرب، حيث يعتبر دوره متميزا أكثر مما في الحروب الأوربية.
نفس النقاش الذي يجري عندنا سبق أن جرى في فرنسا دون أن يستفاد منه في منطقتنا الخالصة، بعض الصحف المدريدية ومنها التي لعهد قريب كانت تتعجب من تأخرنا في إيفاد سرب من الطائرات للمغرب لامت الطيارين لعدم محاولتهما استخدام إسقاط القنابل مما شجع المغاربة، والآن يخاف من إعطاء الأمر بمتابعة (القنص بالطائرات).
تقدير آخر أبان في هذه التجربة بأن استخدام الطائرات سيكون هدرا للطاقة بسب وعورة الناحية وتشتت الأعداء الغير مجتمعين في مكان واحد يسهل قصفهم، لقد ثبت من التجربة الفرنسية التي وصلت لنفس النتيجة التي مفادها، أن الطيران الفرنسي لم يحصل على نتيجة إلا حول مراكش وبالضبط في دار بن القاضي الموجودة بناحية ملائمة للعمليات الجوية، من حيث مكان القصف وتجمع الأعداء.
أثناء ذلك النقاش كتب المركيز دوموريا مدير المدرسة المدنية للطيران بجيطاف التي أنشئت مؤخرا من قبل الوزير السابق في جريدة المراسل الإسباني ينتقد بشدة طريقة تنظيم أسراب الطيران العسكري الإسباني بصفة عامة، مبينا أن الطائرات قديمة والطيارين ممركزين في قاعدة واحدة، مطالبا بفتح مباراة لولوج الطيارين المدنيين للخدمة العسكرية لكفاءتهم، وقد تم الاستجابة لعدد من مقترحاته فأدخلت إصلاحات كبيرة على الطيران العسكري الإسباني.
وهكذا أصبح الطيارون العاملون في المغرب يتميزون بخصائص عالية على مستوى التدريب ونوع الطائرات التي سارت مصفحة.
في 28 نونبر 1913 توجه ليوطنا أسبين لبيبلان فارما وعاد بلا عائق بعدما حلق فوق المنطقة الثائرة التي بين تطوان وأزيلا عرضا، قاطعا حوالي مئة كلم فوق أرض وعرة، محلقا لمدة خمسين دقيقة.
حاول الطيارون إطلاق النار أثناء طيرانهم خاصة على مسار واد جوبز، أحد المراقبين كلف أثناء تحليقه من قبل الجنرال سلفستر قائد ناحية الغرب، بجمع معلومات حول وضع الحركات التي يمرون فوقها للاستفادة منها لاحقا.
طائرة أخرى التحقت بالأوليتين في أصيلا لتكون معهما سربا هناك مخصصا بجهة الغرب.
في الثاني من دجنبر 1913 الجنرال سلفستر طار هو نفسه مع اليوطنا اسبين مخفورا من قبل باخرة للقيام باستطلاع جوي على طول الساحل بين العرائش وأزيلا.
وأخيرا في السادس منه، حلق الولد ألفونس من أزيلا للقصر وعاد في نفس اليوم، بالتزامن معه قام القبطان بايو ومراقبا الطائرتين بتحديد معالم مكان معسكر الريسوني في حمدا، الذي أمر قائد الثوار بإخلائه فورا بعد التنبه لاكتشافه.
في نفس الوقت خص المركيز دارطا سرب تطوان بطائرتين جديدتين وصلتا تطوان في فاتح دجنبر، رفعت عدد طائرات السرب لـ15 طائرة، وقد صرح الكلونيل فيفي بمدريد في استجواب معه لما مر بها قال فيه:
(السرب المبعوث لتطوان أنجز مهمته بشكل جيد مهما كانت الظروف والأحوال صعبة لأن أقل تعطيل مفروض يرغمه على الاستمالة ليس فقط لأراضي الأعداء لكن نحو أرض غير صالحة تماما.
لكن المحركات تعمل بشكل جيد مما يجعل الطائرات تقلع بسرعة، كما أن الشاحنات قامت بتقديم خدمات جيدة بالرغم من انعدام الطرق.
بؤرتنا تفجرت بالهجوم والمراقبة لأنه غير صحيح أن الولد ألفونسو قام بأولى المحاولات لإسقاط القنابل مثلما تسقط في غارات تطوان أصيلا، لكن الكل جاهز من أجل مباشرة ذلك بمجرد ما يسمح الوقت به.
المعنويات عالية من أجل متابعة الطيران فوق الأهالي أضعاف ما تم في هذا الهجوم.
أثناء تلك العمليات لم يتوانى الثوار في إطلاق النار على الطائرات والعمل على تجنيد وتمركز أحسن الرماة من كل النواحي.
القنص متواصل وكذا مراقبة الوضع وتحديد مسح أمكنة تواجد الأعداء في محيط تطوان وطريق تطوان أصيلا، وشن غارات ناجحة على معسكر الريسوني في حمدان).
دور الهجوم الأخير كما أوضح الكولونيل فيفي في استجوابه الأخير يبين أن الطيارين الإسبان سيجدون المناسبة للعب أدوارهم.
بعد طيران المراقبة الذي نفذ في 14 دجنبر 1913 من قبل المقيم العام ماريانا نفسه الذي طار مع ليوطنا أوليفيي فوق سهل بني معدن على علو 2000م قامت طائرتان بالمشاركة في معركة 17 بدار بن قريش ليس فقط للإرشاد عن تحرك الأعداء ولكن لإمطارهم بعدد من القنابل باليد لإحداث الذعر بينهم أكثر من قتلهم.
وقد تم التأكد من ذلك من خلال حديث ثلاثة أسرى عند المغاربة، جندي إسباني، مهندس ألماني وتركي شاهدا المعركة واسترجعوا يوم 21 حيث حكوا أن إحدى القنابل سقطت على دوار فقتلت ثلاثة رجال وجرحت عددا آخر.
فيما بعد هذا النوع من الهجوم بالطائرات سمح به كما هو معلوم من قبل اتفاقية لاهاي ضد المقاتلين الغير المعروفين الذين يصعب التعرف عليهم بسبب صعوبة الظرف، لكن يمكن القول بأن إجراء التجربة دون أن نأسى على ضحايا جدد للطيارين، لأن ليوطنا إسبين مؤخرا مات بالعرائش مريضا.
هذه النتيجة شجعت القبطان هريرا الذي خلف القبطان كيلدن على رأس سرب العمليات عزم على إعادة خط الطيران بين مدريد وتطوان، وقيام طيار آخر بالتحلق نحو أصيلا من قبل القبطان بيري نينزو والعودة من هناك في رحلة لمدريد، لكن هذا المشروع لم يتحقق لأنه لم يكن واقعيا.
(إفريقيا الفرنسية 1914؛ ص:39/40).