تذكير المسلم الأبي بمسألة التأريخ بالشهر العربي
هوية بريس – وديع غوجان (أستاذ باحث)
عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتاريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع الأول.
تخريجه: رواه الإمام السيوطي في الشماريخ في علم التاريخ (ص11) بسنده عن ابن جريج عن أبي سلمة عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتاريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع الأول.
قلت: وفيه ثلاث علل، الأولى: إرسال ابن شهاب.
الثانية: في سنده أبو سلمة وهو سليمان بن سليم الكناني، وإن كان لابأس به إلا أنه مضطرب الحديث عن ابن شهاب كما قال ابن حجر والنسائي والعقيلي وابن حبان.
والعلة الثالثة: تدليس عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج، وقد رواه عن أبي سلمة معنعنا!
فالحديث من هذه الطريق ضعيف مفتقر لشاهد معتبر، ولم أقف له على شاهد يقويه، فيبقى على ضعفه، والله أعلم.
ويغني عنه ما أخرج الإمام البخاري في جامعه في باب التاريخ من أين أرخوا التاريخ؟ عن سهل بن سعد قال: ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة -وقيل سنة سبع عشرة، أو ثماني عشرة- في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك -أي حجة- لرجل على آخر وفيه، أنه يحل عليه في شعبان. فقال عمر: أي شعبان؟ أشعبان هذه السنة التي نحن فيها أو السنة الماضية، أو الآتية؟ ثم جمع الصحابة فاستشارهم في وضع تأريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك. فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس فكره ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحدا بعد واحد. وقال قائل: أرخوا بتاريخ الروم. وكانوا يؤرخون بملك إسكندر بن فلبس المقدوني فكره ذلك. وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: بل بمبعثه، وقال آخرون: بل بهجرته، وقال آخرون: بل بوفاته صلى الله عليه وسلم. فمال عمر رضي الله عنه إلى التأريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره. واتفقوا معه على ذلك” البداية والنهاية (3/251).
قال الإمام السهيلي رحمه الله: “فيه من الفقه؛ صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة؛ لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام، والذي أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأسس المساجد، وعبد الله آمنا كما يحب، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل، وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه: ﴿من أول يوم﴾ أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن، فإن كان أصحاب رسول الله رضي الله عنهم أخذوا هذا من الآية فهو الظن بأفهامهم، فهم أعلم الناس بكتاب الله وتأويله، وأفهمهم بما في القرآن من إشارات وإفصاح؛ وإن كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد، فقد علم ذلك منهم قبل أن يكونوا، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أول يوم إلا بإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم وليس هاهنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو قرينة حال فتدبره ففيه معتبر لمن اذّكر، وعلم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر والحمد لله” الروض الأنف (4/155-156).
ثم اختلفوا بأي شهر يبدؤون أبرمضان أو رجب، أوذي الحجة؟ ثم أجمعوا على المحرم؛ لأنه شهر حرام، ومنصرف الناس من الحج؛ فرأس التاريخ قبل الهجرة بشهرين، واثنتي عشرة ليلة؛ لأن قدومه صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، وكانوا يؤرخون بعام الفيل، وحرب الفجار، وببناء الكعبة، وقيل: المؤرخ بالهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: أما القول الأخير فقد تبين ضعفه من الناحية الحديثية.
فتبين بهذا الملخص أن الواجب على الأمة الحفاظ على هذا التاريخ الذي تم بإجماع الصحابة، وارتبط بيوم أعز الله فيه الإسلام، وفيه استقلال الأمة الإسلامية، وبعدها عن التقليد والتبعية لغيرها. كيف لا يُعنى به وقد ارتبطت به عبادة المسلم ومعاملته، مثل: الصيام وعيد الفطر ويوم عرفة وعيد الأضحى وإخراج الزكاة، والحج إلى بيت الله، وقضاء الديون والوفاء بالنذور وغيرها. فأمة تستحيي من التأريخ بأشهرها (إن علمتها) أنى لها أن تحرر المسجد الأقصى.