ترامب وماسك و”الجمع بين المال والسلطة”

01 يناير 2025 13:53

هوية بريس- محمد زاوي

هناك من يتحدث عن تحالف “ترامب وماسك” وكأنه حدث جديد وطارئ لتوه في التاريخ السياسي للولايات المتحدة الأمريكية. ولنكن هذه المرة واضحين في وصف أصحاب هذه القراءة؛ إنها تنم عن وعي زائف لا يعلم أصحابه من الواقع الأمريكي إلا ما يشاهدونه على القنوات الفضائية أو ما يقرؤونه في هذه الصحيفة أو تلك، وهي وسائل إعلامية وظيفتها “إنجازات البروباغندا” بتعبير ناعوم تشومسكي، لا الحديث عن حقيقة السياسة الأمريكية.

يدّعي أصحاب هذا الوعي الزائف أن العلاقة بين المال والسلطة أصبحت أقوى من أي وقت مضى في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وليس هناك تزييف للتاريخ الأمريكي أكثر من هذا، لأن هذا التاريخ تاريخ اقتصادي منذ بدايته، حيث ثورة البورجوازية الأمريكية على نظيرتها البريطانية المستثمرة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولأن العولمة سابقة على ترامب، واتفاق واشنطن والمؤسسات والاتفاقيات الناتجة عنه أقدم من ترامب بأكثر من 4 عقود؛ وليس ترامب هو مبتكر “بريتن وودس” ولا “جمايكا” ولا “البترودولار” ولا إملاءات “صندوق النقد الدولي” ولا “استهداف رأسمالات دول الجنوب”.. فعن أي استثناء جديد في هذه العلاقة يتحدث المعجبون بكارتر على حساب ترامب، ب”الديمقراطيين” على حساب “الجمهوريين” ، بسياسات “السوق السوداء” على حساب “السياسات الرأسمالية وفق قانون الرأسمال”، ب”الرأسمال العسكري” على حساب “الرأسمال المدني”؟!

المعجبون بكارتر لا يهمهم كثيرا الحديث عن الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري الإمبريالي الذي يدعم كارتر وأمثاله، لا يهمهم الغوص الحقيقي في علاقة الرأسمال بالسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، يهمهم فقط الرقص على أنغام “نقد الشعبوية الترامبية”، وما ذلك إلا قناع من أقنعة “المجمع الصناعي العسكري” في أمريكا، لتلميع صورة أمثال كارتر وأوباما وكلينتون وبايدن وهاريس، وتشويه سمعة أمثال ترامب ومن يدعمه من أصحاب الرأسمالات المدنية المتقدمة من قبيل رأسمال “إيلون ماسك”.. الصراع إذن، ليس بين نموذج حقوقي ديمقراطي ونموذج يجمع بين المال والسلطة، كما يزعم “عاشقو” كارتر.. وإنما هو صراع موضوعي وملموس بين رأسمالين؛ بلغة الاقتصاد السياسي النقدي: بين طرفين من نفس الطبقة، بين رأسمال صناعي عسكري ورأسمال صناعي مدني..

السؤال هو: هل يصنع إيلون ماسك السلاح؟ الجواب هو أنه لا يصنعه، إذن بديهي أن يكون نقيضا للرأسمال الصناعي العسكري وسياسييه وصحفييه ومثقفيه، ومن البديهي أن يكون حليفا للجمهوريين والرأسمال الصناعي المدني وترامب (صاحب رأسمال صناعي مدني بدوره).. وعليه فكل حديث عن خطورة إ. ماسك بالحديث عن الربح والتحلل من قيود الدولة وخطر التقدم التكنولوجي ما هو إلا تجلّ من تجليات الوعي الزائف، وما هو إلا استدعاء لبعض “قوانين الرأسمال” كحجة على الرأسمال الصناعي المدني، وما هو إلا دفاع مقنّع وربما غير واعٍ عن الرأسمال الصناعي العسكري الذي يستثمر في المخدرات والدعارة والقمار وبيع السلاح وضخ ملايين الدولارات في التصنيع العسكري الخاص، وهو نفسه الرأسمال الذي يمول ممارسة حزبية وإعلامية بعينها وبخطاب ديمقراطي وحقوقي ينطلي على كثير من السذج!

إنه إذن ربح أبشع، وخروج عن قواعد الدولة بشكل أفظع، وخطر على البيئة والإنسان أخطر بكثير من الخطر الذي قد يشكله الرأسمال المدني عليهما.. هذا هو الرأسمال الأكثر رجعية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن عشاق “سياسات الحروب” التي يستنكرونها -ويا للمفارقة- لا يرون ذلك.. وبدل التفكير في السياسة الأمريكية الأصلح، أو الأقل سوءا، بالنسبة للعالم انطلاقا من تحليل التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية الأمريكية؛ بدلا من ذلك، ينزع عشاق “كارتر وكلينتون وأوباما وبايدن وهاريس” إلى ترديد الشعارات، وليس هناك شعار أكثر تضليلا من شعار “الجمع بين المال والسلطة”، وذلك لأن المال لا ينفصل عن السلطة، بل به تتحدد في كل مجتمع، خاصة وبتركيز أكبر في المجتمعات الرأسمالية/ الحديثة.

الخلاف مع وجهة النظر هذه، ليس في غياب هذا المعطى أو ذاك، وإنما هو في منهج القراءة والتحليل.. إن قراءة شعورية في السياسة الأمريكية لا تنتج إلا العواطف الجياشة، وقد تنتهي بالدفاع عن أبشع رأسمال تحت قناع “الديمقراطية وحقوق الإنسان”. وجهة النظر التي نختلف معها يحتاج أصحابها إلى مراجعة نظرية شاملة للطريقة التي يتصورون بها علاقة الاقتصاد بالسلطة، وعلاقة المجتمع بالدولة، وعلاقة الرأسمال بالحداثة السياسية والقانونية، وقبل ذلك علاقة التاريخ بالإنتاج المادي للإنسان.. هذه دروس في المادة الاقتصادية/ السياسية/ التاريخية، هناك من يقفز عليها إلى التحليل فينتج الزيف السياسي لا أقل ولا أكثر!

السياسة الأمريكية ليست مختبرا للمبادئ الكبرى التي يؤمن بها هذا الشخص أو ذاك في مجتمع من مجتمعات الجنوب، السياسة الأمريكية ظلت طيلة ثلاثة عقود تنتج المبادئ للعالمين أجمعين، بما في ذلك المبادئ الحقوقية العولمية التي يعتنقها البعض ويحاول اختبارها من جديد في بلاد نشأتها، في عملية أشبه برجع صدى لا يكاد يفارق ذهن صاحبه! إذا كان من رهان ينبغي التركيز عليه، فهو الرهان الموضوعي الملموس والموافق للشروط التاريخية الأمريكية والدولية، أي سيطرة الرأسمال المدني (الأقل رجعية) داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وقدرة رأسمالات كبرى على منافسته (أبرزها الرأسمال الصيني وبعده الأوروبي والهندي والياباني والكوري الخ)، وقدرة الدول العربية على تدبير هذا الشرط الجديد..

كل رهان غير هذا ما هو إلا إطالة لأمد الأزمة بمزيد من الحروب والاضطرابات السياسية في جو من اللغو الحقوقي والديمقراطي.. “ومن لغا فلا جمعة له”، لا سياسة له ولا أفق، لأنه لم يبذل الجهد المطلوب لاستيعاب النظرية قبل التحليل، ومن لا نظرية له لا تحليل له ولا فهم له.. ورحم الله عبد الله إبراهيم الذي كان يقول: “لا ممارسة سديدة بدون نظرية سديدة، ولا نظرية سديدة بدون ممارسة سديدة”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M