ذ. إبراهيم الطالب يكتب: تشكيل الحكومة وخصوصيات المشهد السياسي المغربي
هوية بريس – ذ. إبراهيم الطالب
يعيش المغاربة طيلة شهر أسوء شريط يتابعوه منذ أن بدأت أولى حلقات مسلسل “اللعبة الانتخابية” في مستهل ستينيات القرن الماضي، والتي مافتئ يلعب فيها رجال “أم الوزارات” الدور الأبرز في تحديد الأدوار ورسم مربعات رقعة الشطرنج التي سيقف داخل إطارها البيادق المتحركة وفق إرادة اللاعب الأساسي والوحيد، الذي يوزع فقرات المشهد التمثيلي ليس لإرادة المغاربة بل للأدوار المحددة سلفا المرسومة وفق ما تقتضيه خريطة سياسية كانت توضع بمكر وذكاء.
لكن يبدو أن المشرفين على الطبخة السياسية اليوم أعيتهم المحاولات الفاشلة بعد أن تم استهلاك كل الوصفات، خصوصا بعد فضيحة المسيرة البيضاوية اللقيطة، ومهزلة الانتخابات التي استبيحت فيها كل الوسائل المشروعة والممنوعة على حد سواء.
ومع كل ذلك العناء الكبير ومع كل تلك المخاطرات المتهورة والمكشوفة، وبعد كل تلك المليارات التي استخدمت لاستمالة الناخبين إلى ركوب الجرار، أحرز حزب المصباح الذي يعاديه جانب من المحيط المخزني الذي لم يستطع إيجاد صيغة للحكم تقبل بالإسلاميين شريكا سياسيا حقيقيا، وليس ممثلا بديلا يلعب دور الكومبارس لبضع دقائق من عمر الفيلم ليخرج على وجه السرعة من المشهد ويأخذ جائزته من الباب الخلفي.
فلا أحد يشك بأن وجود الحزب “الإسلامي” “الرجعي” “الإخواني” “الظلامي” في الحكومة كان رغما على أنوف الجميع، حيث كان دخوله اضطراريا، لنزع فتائل القنابل القابلة للانفجار في وجه جميع السياسيين سواء داخل الحكومة “المنتخبة” أو حكومة الظل؛ خصوصا بعد أنواع الإفلاسات المتعددة والتي شملت كل القطاعات العمومية قبل الرياح العاتية لِـما سمي ربيعا عربيا.
إن الوضع السياسي في المغرب بعد تجربة الخمس سنوات الماضية، لم يعد فيه معنى للسياسة، ولم يعد يبعث على التفاعل الإيجابي، وذلك بعد فقدان الثقة في نزاهة الانتخابات، حيث تضاءل الأمل في إمكانية حدوث إصلاح على أرض الواقع.
وذلك نظرا لافتضاح الأسلوب البليد الذي استُعمل من طرف ما يسميهم رئيس الحكومة بالتماسيح والعفاريت.
فطيلة خمس سنوات حاول مَن لا يزال يرى في الإسلاميين خطرا على البلاد والعباد، أن يشوه صورة الحزب ورجالاته، وعرقل أغلب الإصلاحات ولم يسمح إلا بالتدابير التي ظاهرها الإضرار بالمغربي الضعيف، في حين أسبل ثوبا أسود على كل الإنجازات التي تبني الثقة بين المغاربة وحكومتهم، واستمرت أساليب الشيطنة والتعتيم في الاشتغال الدؤوب إلى يوم جمعة الاقتراع، حيث استعمل المال والجاه والسلطة لمنع حدوث نجاح متميز يحقق للحزب الأول في المغرب أغلبية مريحة لا يحتاج معها إلى معالجة هذه الابتزازات التي يعيش مشاهدها المغاربة اليوم وهم يتطلعون إلى الأحزاب التي ستقبل بالانخراط في تشكيل حكومة الولاية الثانية التي سيقودها بنكيران.
فمن يدفع بالأحرار ليبتزوا بنكيران؟
ولماذا يفرض أخنوش الذي أصبح زعيم حزب الأحرار حزب الحصان على بنكيران شرطا لمشاركته؟
ومن يخطط لولاية ثانية تلعب فيها الأحزاب الإدارية التي تؤثث الرقعة السياسية الشطرنجية، دور المانع من الاستقرار؟ تماما مثل الدور الذي لعبه وزيرنا المفعفع في الولاية الثانية.
ومن يغضبه أن تتجلى خيارات المغاربة بشكل حر في تشكيل حكومة منسجمة متآلفة؟
المضحك في الحالة المغربية أن لها ملامح وخصوصيات تمنع من ممارسة تنافسية حقيقية شريفة نزيهة تعلي من شأن المصلحة العامة للشعب المغربي، وتقوي الحكومة المنتخبة حتى تكون لها الشجاعة الكافية لاتخاذ القرارات الصعبة التي يقتضيها الإصلاح.
ومن أهم هذه الخصوصيات والملامح هو هذا الانشطار الواضح على مستوى الإرادة السياسية بين حكومة الظل والحكومة المنتخبة، الأمر الذي يجعل القرار السياسي بل حتى الإداري مرهونا بتوافق رئيسي الحكومتين.
فكيف يمكن الاشتغال في ميدان يحتاج إلى إصلاح بفاعلين أساسيين مختلفين في الغالب سواء من حيث المنطلقات أو الرؤى أو المصالح؟
هذا الانشطار السياسي هو ما يفسر عجز رئيس الحكومة عن ترويض مجرد مديرة في قناة إعلامية عمومية يعتبر هو مسؤولا عنها، ويعجز وزير اتصال في حكومة منتخبة أن يطبق سياسته الإعلامية، بل لا يستطيع هو ولا رئيس حكومته المنتخبة أن يحظيا ولو بالحياد من طرف وسائل الإعلام الرسمية العمومية.
ولعل من أخطر تداعيات هذا الانشطار أن نجد البطرونا المشكلة من رجال الأعمال المسيسين الذين يستفيدون من خيرات البلاد الطبيعية والبشرية والاقتصادية التي هي ملك للشعب، يأتمرون بأوامر حكومة الظل، ويشكلون جماعات ضغط تمنع من أي إقلاع حقيقي نحو التنمية الفعلية.
فهل يمكن لحزب مهما كان حظه من الثقة الشعبية أن يشكل حكومة قوية في ظل خريطة سياسية مسطرة مسبقا تلعب فيها حكومة ظل الدور الأساس في توجيه قرارات الأحزاب وتحديد تموقفاتهم؟
وكيف يمكن لبرلمانيين خسروا مئات الملايين من أجل الظفر بكرسي داخل البرلمان أن يكونوا نزهاء مستقلين، قادرين على المشاركة في حكومة ترفع شعارات الإصلاح، يعلمون يقينا أنها ستمنعهم من استغلال السلطة لتيسير استثمار أموالهم وتنميتها على حساب الشعب المغربي؟
لا شك أن هكذا حالة لن تفرز إلا حكومة ناقصة الإرادة تحمل من يومها الأول عوامل “البلوكاج” السياسي و”الفريناج” الإديولوجي، غالبا ما سنضطر معهما لمتابعة النسخة الثانية لقصة شباط ومزوار لكنها ستكون مزيدة ومنقّحة خصوصا مع اندحار سائق الجرار الذي استوجب المراهنة على الملياردير زعيم الأحرار مصحوبا بالأرانب السياسية الدستورية.
لكن تبقى أهم الخصوصيات الطريفة للمشهد السياسي المغربي هو أن الجميع يعلم أن الحزب الذي يريده المغاربة، ويضعون فيه ثقتهم هو حزب غير مرغوب فيه من طرف حكومة الظل، وكذا جل السياسيين الذين يلعبون الأدوار الأساسية -سواء في الحكومة أو في المعارضة- وفق إرادة مهندسي الشأن العام في الدهاليز “العليا!” للمطبخ السياسي، وليس وفق برامج أحزابهم.
لقد كان خطاب الملك من دكار دقيقا حيث وصف ما يجري طيلة مدة ما بعد انتخابات السابع من أكتوبر المنصرم “بتقسيم غنيمة انتخابية”، حيث جاء في الخطاب: “إن المغرب يحتاج إلى حكومة جادة ومسؤولة، غير أن الحكومة المقبلة، ينبغي ألا تكون مسألة حسابية تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية”.
فهل سيستجيب “وزراء” حكومة الظل الدائمة وكذا تجار السياسة المبتزون المستفيدون من تفكك المشهد السياسي وفساده وترهله، للتوجيهات الملكية التي حددت حاجة المغرب إلى حكومة جادة ومسؤولة؟؟
وحتى لو استجابوا فالمنطق والتجربة يؤكدان أنه من المستحيل أن يستقيم الظل والعود أعوج، لأن اعوجاجه أصبح طبعا له غالبا ما تنهار أمامه كل محاولات التقويم، مادامت اشتدت بنيته وطال عمره في ممارسة الاعوجاج.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
مقال جميل الى حد بعيد.. لكن هل يمكنك استاذنا واخانا ابراهيم أن تذكر لنا بعض الأمثلة على الإصلاحات التي قامت بها حكومة ’’بنكيران’’ والتي يحاول حكوميو الظل إخفاءها عن المواطنين؟؟؟ مشكورا لا مأمورا.