تطور الوطنية المغربية في الوسط البربري 1937م
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
تقديم:
تعتبر سنة 1937 من المراحل الفارقة في مناهضة الحكم المباشر الذي انتهجته الحماية الفرنسية بالمغرب، فقد توج العمل الوطني في السنوات السبع الأخيرة ردا على عدد من التصرفات الاستعمارية لتنزيل مفهوم إدماج المغرب في منظومة الإمبراطورية الفرنسية -من خلال مجموعة من القوانين التميزية العنصرية- بالاحتجاجات وتقديم المطالب المستعجلة لتنفيذ بنود الحماية، قبل أن تتحول للمطالبة بالاستقلال.
وهذا البحث يبين الرؤية الاستعمارية التي قوبلت تلك السنة بمظاهرات ونفي وسجن الوطنيين وقتل البعض منهم، مثل ما وقع للعالم القُري في سجن كلميم، ونقدم في آخر البحث منشورا للحزب الوطني يشرح ما انتقده البحث المنوه به، الذي نشر في مجلة “la revue diplomatique et coloniale 1938″، باسم مستعار xxx.
نص البحث
يجب أن تكون هناك نقطة لقياس ارتباطنا نحو ما نحب، هذا القلق أحسته فرنسا في خريف 1937 مؤخرا تجاه آخر مولود في العائلة الاستعمارية، المغرب.
منذ خضوع عبد الكريم سنة 1926 ربح المغرب هدوء سياسيا تاما، فانهمك في تنفيذ الأشغال الهامة المبرمجة من قبل الإقامة العامة المتدرجة نحو تعميم التهدئة بالمغرب التي تمت بحلول 1934، شاملة لكل المناطق التي تم الاتفاق الدولي عليها مع الإيالة الشريفة.
هذه المدة الطويلة من الهدوء التي عرفها المغرب كان أكثر تقديرا من المتربول، في نفس الوقت عرفت ممتلكاتنا المجاورة في إفريقيا الشمالية الجزائر وخاصة تونس موجة تحريض على مطالب أهلية اتخذت أحيانا طابعا شديد العنف ولد شيئا فشيئا في العقلية الفرنسية اعتقادا قويا بأن فرنسا قوية بتجربة استعمارية ناجحة لأكثر من مائة سنة، ستحمل للمغرب شكل تنظيم سياسي يضمن له التطور والتنمية بعيدا عن مصاعب عارضة من قبل جهات القوى الاستعمارية الأخرى.
فجأة حوادث الصيف وخاصة الخريف الأخير وضعت حدا لهذا الاعتقاد الذي انتقل من جانب لآخر.
الرأي العام والصحافة ضخموا الصعوبات المكتشفة وبالغت في فهم وإدراك ما كان مزودا للحكمة منذ بعض الوقت.
مع نهاية 1937 عاد الهدوء بفضل سرعة التدابير المتخذة من قبل حكومة الحماية بالاتفاق مع السلطان، وتراجعت الحوادث، هذا التراجع المسجل في الشهور الأخيرة سمح لنا بالتدقيق فيما جرى وتحديد أهميته لاستخلاص العبر والدروس.
حقيقة هيمنة انتشار التحرك
للمرة الأولى حكومة الحماية وجدت نفسها أمام تحريض منسجم متشعب في كل أرجاء المغرب.
في غضون السنوات الماضية شهدت بعض المراكز العربية الكبرى كفاس والرباط وسلا اضطرابات من قبل محرضين وطنيين لكن لم تكن أبدا تتجاوز أسوار المدينة القديمة بهذه المراكز، وكان ذلك التحريض يخلق هيجانا تستخدم في احتجاجه الحجارة والخطب العنيفة كلا أو بعضا من قبل من يعتبرون أنفسهم حماة الوطن، كما يتحدثون في المساجد ومقالات الصحف المعارضة والإغلاق الجماعي للمتاجر والأسواق، وإضرابات الطلبة بجامعة القرويين.
في سنة 1937 الحركة الوطنية التي اشتهرت في المدن العربية ضربت لأول مرة الوسط البربري، فلم يتم الإحتجاج فقط في مدن مكناس مراكش حيث السكان المعربون من البربر، بل انتقل الاحتجاج للنواحي البربرية الخالصة بالأطلس المتوسط، وهذا هو العمل الجديد؛ والأمر الخطير الذي حدث في حركة المغاربة في شهري شتنبر وأكتوبر سنة 1937 لأن ارتباط هذه القبائل بفرنسا كان يظهر كأنه أمر دائم ونهائي بالنسبة لكل العارفين والمتنبئين والقائمين على السياسة الأهلية بالمغرب.
بالنسبة لهم عناصر البربر يجب أن تكون للأبد مصانة عن التحريض الوطني، وكل سياسة أعدت ورسمت على افتراض أن هذه القبائل ستشكل في المستقبل قطاعا بربريا سيطور في فضاء مغلق مؤطر من قبل إدارة خاصة، يعتبرون فصلهم عن الأوربيين أمرا خطيرا، زيادة على إبقاء العداء التقليدي الظاهر في كل وقت ضد عرب السهل والمدن من قبل البرابرة الذين يكونون لاحقا تهديدا مستمرا بالنسبة لهذه الساكنة المستدعاة يوما أو آخر للاشتراك في حركة الوطنيين بفاس والرباط.
بيد أن هذه التوقعات فندت من قبل الأفعال، ذلك أن الجوهري عند البرابرة هو أن الدعاية الوطنية لقيت نجاحا في القبيلة، بين: زيان، زمور، بني يازغة، أيت سغرشن.
في بلاد تازا حيث القبائل بربرية خالصة، في مكاتب استعلامات البور القديمة بتازا ظهر الوطنيون ونموا، بالمقابل القبائل العربية في السهل وأيضا في نواحي الدار البيضاء وبلاد مزكان، وآسفي، وعبدة، والشياضمة، مع أنهم ابتلوا بالجفاف لم يتأثروا قطعا بدعاية الوطنيين.
أثناء جولة تفتيشية للمقيم العام في تلك النواحي سجل حسن تدبير مكنه من القول لأعيان أهالي أسفي: “أتواجد هنا بسرور وإحساس في هذا السفر لمدن الساحل الجنوبي بأثر هدوء الوفاء والأداء الجيد المتفائل الذي يميز عمالتكم، هذه الخاصية بانت بمناسبة الأحداث الأخيرة حيث المدن الأكثر اضطرابا عملت على تقوية قلق كبير في البلاد.
هنا السبب بيِّن الوضوح، مرونة وثبات حركة المسؤولين الأهليين والفرنسيين وتأثير المعمرين والتجار والصناعيين هو الذي واجه ما يمثل خطرا يمكن اتباعه من الأهالي”.
ما هي إذن مصادر هذه الحركة بنواحي البربر؟
رأي سريع أجاب ملمحا بأن انحراف الصيف الأخير كان بسبب الصعوبات الأساسية التي أثقلت اقتصاد الأهالي، وليس فقط قادة رؤساء الأحزاب الوطنية علال الفاسي والوزاني، وقادتهم الذين لم يترددوا في التصريح بأن فرنسا جاءت للمغرب بالفقر، لكن أيضا كل الصحف الخارجية، ألمانيا وإيطاليا لم تفوت الفرصة بتناول الموضوع والمبالغة في تحليل هذه الأطروحة.
هذه الأطروحة خاطئة لأن الأحداث نفسها تكذبها، إذ أن هناك مناطق بالمغرب النقص المستمر في الأمطار حرم الأهالي المحصولات لعدة سنوات، ومع ذلك لم تكن هناك مجاعة بعكس ما يحصل سابقا في المحمية، كان ذلك يتم بفضل الخدمات المتبصرة ومساعدات الأهالي بالتموين وإنقاذ مئات الآلاف منهم من قبل حكومة الحماية التي وزعت البذور لمواصلة إنتاجهم الفلاحي، وإذن هذا الجذب والمجاعة لم تكونا مصدر حوادث الخريف الأخير؛ الاضطرابات التي منعنا، انفجرت في النواحي المصابة بوجه خاص في الجناح الجنوبي بوارزازات وسوس، وحول مراكش بسهل الحوز، وهنا تكذب الحقائق الصارخة أطروحة الوطنيين، لأن هذه النواحي لم تظهر فيها الحوادث بسبب الجفاف، لكن بالعكس تم ذلك في نواح حيث المحاصيل كانت أكثر من المعدل بمكناس والأطلس المتوسط، وهو ما لوحظ أثناء زيارة وزير فرنسي لأسواق مراكش حيث دوَّت على طول طريق الموكب الرسمي صيحات المعادين، تبين وتشير إلى أبعد من كون السبب الحقيقي لتذمر المحتجين يوجد في مصادر أخرى غير المحاصيل الناقصة للفلاحين.
من خلال التعاطف مع عرب المدن الذين أبدا لم يقبلوا فيما مضى غير سيادة السكان البرابرة في شمال المغرب وخاصة الأطلس المتوسط، استقبلوا أيضا بترحاب الدعاية الوطنية الآتية من فاس؟
بالتأكيد لا، ليس أيضا، لا لأنهم كانوا مضللين مفتونين من قبل برنامج الإصلاح المقدم من قبل الوطنيين، فأغلب المنتمين لهم غير قادرين على معرفة ما نقل الوطنيون من النقط إلى بعض القبائل البربرية.
الحزب الوطني تكوّن كطائفة دينية جديدة بنفس العنوان كالتيجانية أو الدرقاوية.
في الحقيقة انتساب عدد من القبائل البربرية للحركة الوطنية أخذت هذا العمل دون شك من كون البربر في إطار تنظيمهم القبلي الذي هو نفسه منذ ألفي سنة بقي فوضويا لا يقبل أية هيمنة.
الوطنيون وعدوهم بالاستقلال وتحدث لهم قادتهم المحليين عن القيام بطرد الفرنسيين من البلاد، احتمالات الاضطرابات هذه ستتأثر بذكريات الاستقلال.
انضمامهم للوطنيين يرون فيه قبل كل شيء فرصة لإظهار فوزهم بوضع سيترجم من وقت لآخر لثورة.
عبر قرون من التاريخ بإفريقيا الشمالية، عانى البرابرة الذين هم فقط أهالي البلاد كثيرا من الغزو، لكنهم أبدا لم يقبلوا سلطة المنتصرين عليهم.
إذا كانت المسيحية قامت بمجهود سريع في طانجتان كما في باقي البرابر تحت سيطرة الأباطرة الرومان الأول فلأن المنتصرين وثنيون وأن روما قضت على العقيدة المسيحية، سريعا البرابر تخلوا عن الأرثدكسية لصالح بدعة ستؤدي بهم لشكل جديد من المعارضة للأباطرة الرومان الذين صاروا مسيحيين، لاحقا بمجرد ما بدأوا يقرأون سورا من القرآن حتى احتضنهم مبتدعون مسلمون بواسطة فكر معارض وردة فعل مضادة لخلفاء بغداد الذين استسلموا للأمر الواقع.
طيلة الهيمنة العربية ولغاية إقامة الحماية كان البرابرة يثورون باستمرار على سلطات السلاطين الذين لم ينجح منهم إلا القليل في التهدئة والسيطرة على كل القبائل المضطربة المغرمة بالحرية في جبال البربر.
البرابرة يرددون مثلا عربيا يقول: “ضعوا لجاما للملك كلجام الخيل“، قبل وصولنا كانوا متمردين على مسؤولي السلطان، اليوم هم يدعموننا بشكل سيء، الحماية عوضت المخزن، فقوتلت بالأمس من قبل البربر، فطبيعي أن يعاني هذا المخزن الفرنسي اليوم من العداء الذي كان يواجه به السلاطين.
هل يمكن القول بأن مسألة سياسية في هذه النواحي لن تكون مسألة قوة بيننا وبين البرابرة؟
سيتطلب ذلك بعض الثقة والاستخفاف في روحنا الاستعمارية.
إلى هنا عمليتنا بنواحي البربر تقتصر على بسط الأمن على الرغم من أن القطاع على الخرائط الإدارية يوصف بـ”مناطق غير آمنة”.
سياسة مختصينا في الشؤون الأهلية ترتكز على ترك البربر في التنظيم الذي وجدته طائراتنا في الأرجاء غير الملائمة للارتفاع الأعلى، الدال على أنهم الآن في تنظيمهم القديم، سنعمل على استمرار احتفاظهم عدائهم التقليدي لعرب السهل، التغييرات الوحيدة المحدثة المتماسكة المفروضة عليهم ضد كل تقليد لديهم هو استبدال أمغارين -رؤساء القبائل وفخذاتها الذين يعفون دوريا- بالقياد.
اليوم نحن نتعجب من كون هؤلاء الأهالي الذين نريد طوعا تثبيتهم في إطارهم القديم بعدما كنا رفضنا ما أمكن اتصالهم بالسكان الأوربيين، لَيحتفظون بنفس ردود فعل المرة السابقة، من عدائهم المتأصل ضد كل تحكم؛ لنتصور صعوبة أن يكون لهم وجه آخر.
عطفا على حوادث الصيف الفائت، حاول البعض التقدير المناسب لفتح صمام أمان اضطراب البربر بإصلاح محكم يشتمل على حذف القياد شيئا فشيئا وكل كبار الرؤساء الأهالي المنَصبين بعد غزونا للبربر وترك الساكنة من جديد تختار كالسابق أمغارين، هذه الطريقة ستكون قطعا ميزة لحذف الأخطار التي تظهر كثيرا للرؤساء الأهالي بالنواحي، تحت حجة أن المراقبة الصارمة تحمل أضرارا لمكانة وسلطة القياد الذين نريد تنصيبهم ووفاء لبعض رسائل ليوطي التي تعتبر خيانة لمبدئه على طول الخط.
نحن كثيرا ما نغض الطرف على الابتزازات التي تساهم في تذمر البرابرة، هذا الإصلاح يبدو مع ذلك غير ملائم، لأنه ليس هناك أي سبب للرجوع للماضي، ووضع حد لروح الفوضى المبينة أعلاه.
هناك وسيلة أخرى للإصلاح يمكن أن تعطي نتائج جيدة، أكثر ملاءمة مع رؤيتنا، لقد أثبتت التجارب بأن البربر لديهم استعداد للتكيف والتوافق والتطور والترقي الذي يتجاوز كثيرا مما عند السكان العرب، يدل عليه أن العناصر البربرية القادمة للعمل في فرنسا عبر السنوات الفائتة بمعاملنا، بحيث تشرب الكثير منهم عاداتنا وتزوجوا في بلادنا وأقاموا نهائيا في المتربولـ ولم يعودوا يفكرون في العودة لمسقط رؤوسهم.
فلماذا لا نعمل أيضا على تطور السكان البرابرة بالمغرب؟
يشتهر أن تلك السياسة هي الأكثر في تقاليدنا الاستعمارية، يمكن أن نتفادى الصعوبات المفترضة.
إذا لم يتم ذلك التطور بمبادرتنا نخشى أن يستخدم ضدنا: علينا أولا تهدئة النواحي البربرية، ثم نطور وسائل المواصلات بينها وبين باقي أرجاء المغرب.
لقد أنشأنا وضعية تساعد على إقامة روابط بين البرابرة والعرب لكن لحساب الأكثر تطورا، فيما مضى لم يتخوف تاجر فاسي من التردد على نواحي البربر وهو اليوم ما يفتأ في القيام بالاتجار فيها مرارا وتكرارا.
منذ قدومنا، اللسان البربري في تراجع، وهو مكون من عدة لهجات لا تكتب أيها، تتراجع أمام العربية، التي نفسها في كل المغرب وفي كل أفريقيا الشمالية والتي تكيفت بسهولة أكبر مع حاجيات ومتطلبات التجارة، مع انتشار العربية، إسلام البربر نمى بسرعة مما سهل الدعاية للوطنيين بينهم.
في المغرب هدف سياستنا بالقبائل البربرية هي أن نأخذ وضعية مشابهة للتي حصلنا عليه عند وصولنا للقبائل العربية.
وعليه فإن القواعد المعاكسة لذلك اختفت ولعبت ضدنا، فحوادث الصيف الأخير دليل على أننا أخطأنا، وأن شرقا جديدا قد بدأ يلوح.
بمراكش تواصل تقدم الوطنيين متبعين نفس السياق الذي يوجد في نواحي بربرية أخرى، بين كل أسباب نمو هذه الحركة هناك سبب واحد يبدو أنه أكثر تحديدا من كل هذا في مكان آخر: إنه استياء محميينا من كيفية إدارة الرؤساء الأهليين للمناطق المكلفين بها جنوب المغرب.
فمنذ بداية الحماية، ناحية مراكش كانت خاضعة لنظام إداري أهلي خاص، إنه نظام القياد الكبار العديم الفعالية المنظم في هذا العصر المفروض من قبل الجنرال ليوطي، بفضل تأييد أربع رؤساء قياد وباشوات جنوب المغرب خضع للحماية طيلة مراحل الحرب الكبرى ضد القبائل التي بقيت عاصية، بعدها ببضع سنوات من هؤلاء الرؤساء من شارك في تهدئة تخوم المغرب.
هؤلاء القياد يجدُّون دائما في الاحتفاظ بالارتباط بالمخزن المركزي وخاصة الدولة الحامية، ومن بينهم أحد الاستقلاليين في إدارته الذي واصل استخدام أساليب التعسف المناسب للمغرب القديم، بالرغم من تناقضه مع المبادئ المعلنة من قبل حمايتنا.
من جهة أخرى الحكام الفرنسيون مسؤولون عن هذه الجهات، لم يريدوا القيام بمراقبة صارمة، من شأنها إلحاق أضرار بهيبة ومكانة هؤلاء القادة فيقل اعتبارهم عند الأهالي وسلطتهم الداعمة لسياستنا.
لقد انبهر هؤلاء الرؤساء بما أحطناهم به من تشريف، قياد الجنوب الكبار هؤلاء تسير وضعيتهم الشاذة نحو التهميش بالمغرب نتيجة تقليل ما منحناه لهم من سلطات تخيلوا معها أن مصلحتنا في حاجة ماسة لهم.
من أجل أن نؤكد داخل هذه السياسة على تقوية الفكرة التي نريد من أبّهتهم ومكانتهم لدى الأهالي نريد عرضها -أمام أعيننا وفي بعض المرات عرضها أمام أعين الأجانب- ببهاء ونخوة تتجاوز بكثير إمكانياتهم، بالرغم من فقدهم تقريبا المظهر الشخصي للتمكن من تحصيل الضرائب في بعض النواحي.
مع المساعدة المالية المعتبرة الممنوحة لهم يلجأ هؤلاء الرؤساء الأهليين لفرض التكاليف على الفلاحين وسكان المدن بوتيرة لا تعرف الانتهاء ولا نظاما للجباية، هدفهم هو تغطية وضعيتهم المالية المثقلة بالديون بوسائل تحكمية نسيت عندنا من زمان.
هذه الوضعية ستنشئ مع المدة مناخا استثنائيا مساعدا على الدعاية الوطنية خاصة في ظل المصاعب الاقتصادية، ونتهم بأننا أغمضنا عيوننا تلقائيا على بعض التعسف، ليلعب الوطنيون على هذا الموضوع الضريبي الذي تم تسجيله من قبل وزير فرنسي زار مدينة مراكش في شتنبر الأخير.
فواجبنا اليوم هو استخلاص الدرس لإبعاد مثل هذه الحوادث، لقد ثبت الآن بأنه وراء واجهة الأبهة صيانة ورعاية مالية كبيرة، وسياسة القياد الكبار مخفية؛ في الحقيقة استياء الأهالي من الذعائر غير المقبولة إطلاقا التي أجازوها أولا، والتصور الثاني تقدير وتثمين بالضبط قيمة هؤلاء الرؤساء الذين نضحي بمبادئنا التي لن تنجح إلا في تحريض المحتجين المعادين دون أن يكون باستطاعتهم التوقعات ولا الإعاقات.
سياسة القياد الكبار التي نخدمها أكثر مما هي تخدمنا وضعت في ظروف استثنائية ولم تكن توجد في عقل ليوطي إلا كحالة وقتية، دوامها من غير تغيير أبدا يراد منه المحافظة على استياء الحزب الوطني فقط الذي لا يعدم ما يمكن استغلاله شيئا فشيئا ضدنا.
إذا لم تمل علينا المعرفة بالأوضاع المكتسبة الناتجة عن حوادث هذا الصيف في مدينة مراكش ما يمكن عمله في المستقبل مع رغبات الأهالي السياسية والاجتماعية بهذه النواحي التي هيجناها وغرمناها عن كل شيء في أي مكان، فإن الحكمة والنضج في إدارة البلاد سيتأخر ليس في كبريات المدن فقط ولكن في بلاد البربر كافة وهو ما ينذر بعواقب وخيمة”.
المنشور الملحق
نص المنشور الموزع من قبل الوطنيين المعنون بـ(الميثاق الوطني)
إن المؤتمرين المجتمعين بدار الأخ السيد أحمد الشرقاوي بالرباط مساء يوم الأربعاء 7 شعبان سنة 1356 هجرية الموافق 13 أكتوبر1937 الممثلين لفروع الحزب الوطني بأقاليم: وجدة، وتازة، وبركان وفاس ومكناس ووزان وسيدي قاسم وسيدي يحيى والقنيطرة وسلا والرباط والدار البيضاء والجديدة وآسفي والصويرة وسطات ومراكش.
نظرا للأزمات المادية والمعنوية التي تجتازها بلادنا المغربية في الوقت الحاضر والتي نتجت عن سياسة الميز والإرهاق التي تسير عليها الإقامة العامة.
ونظرا لكون الحماية لم تحقق ما وعدت به في الكثير من المناسبات من تنفيذ مطالب المغرب المستعجلة بالرغم مما تتطلبه حالة البلاد في ميادين الإسعاف والاجتماع والعدالة.
ونظرا لحادثة مكناس المؤلمة التي أهرقت فيها دماء الشهداء الأحرار، ورمي فيها الجمهور الأعزل بطلقات الرصاص، واعتقل فيها العديد من الأبرياء ليعرضوا على المحاكم العسكرية، والكل لمجرد تضامنهم مع المسجونين المقاومين لنزع ملكية الماء.
ونظرا للإضطهادات التي تقوم بها السلطة في بوادي المغرب لكل من ينتمي لحركتنا أو يتصل بنا حيث سجنت المئات وعذبتهم أشد العذاب وأثقلتهم بالحديد والأغلال، وشردت (المداشر)، وفوتت العقارات والأمتعة.
ونظرا لكون الإدارة سلَّطت فريقا من الجيش المنظم (الصبايحية الثامنة) على مدشر المطرناغة من (بني يازغة) حيث أباحت لهم السبيل، فارتكبوا أشنع الفظائع من هدم الخيام ونهب الأموال والأنعام والفتك بالأعراض وتعذيب البرآء.
ونظرا لكون السلطة أطلقت اليد للبياز والكلاوي وأعوانهما ليرهقوا المراكشيين، فسجنوا ونفوا وعذبوا وجلدوا وكبلوا وانتهكوا الحرمات، فاعتدوا على علماء الشريعة ورجال الدين، وأقفلوا ديار الصناع والوطنيين بعدما طردوا سكانها، وبددوا أمتعتها، وهجموا على المدارس فشردوا تلامذتها ونفوا أساتذتها، وأتلفوا الكتب والألواح والدفاتر ثم أقفلوها، وصادروا الصحافة الوطنية وفرضوا العقوبات والغرامات على من يقرأها.
وبما أن المسؤولين من الولاة سمحوا بتنظيم حج تبشيري لكنيسة “سانت تريز” بصفتها قديسة البعثات التبشيرية بلخميسات ومنع الطلبة بايت اوربيلمن قبيلة زمور من عقد موسمهم القرآني السنوي إلا بشرط عدم قراءة القرآن وعدم الدعاء لجلالة مولانا السلطان، كما سمحوا من قبل بمنع الاحتفال بعيد المولد النبوي بمراكش، مما يدل على أن روح السياسة البربرية ما تزال تسيطر على إدارة الحماية.
ونظرا لخنق الصحافة المغربية بالحجز والتعطيل والمراقبة.
ونظرا لرفض الطلبات الموجهة للحكومة في شأن تأسيس الجمعيات المختلفة.
ونظرا للاتهامات التي توجهها الصحف الاستعمارية المأجورة لحركتنا وتصويرها بصورة مخالفة للواقع.
وبعد أن استمع المؤتمرون لبيانات الحزب الوطني بكل ما تقدم ودرسوا الموقف من جميع وجوهه قرروا ما يلي:
1- يستنكر المؤتمرون باسم الشعب المغربي جميع أنواع الاضطهادات المفجعة بمكناس ومراكش وبني يازغة والبوادي المغربية، ويحتجون على تلك الأعمال الهمجية التي تمثل روح العصور المظلمة، ويطالبون بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وإعطاء تعويضات عاجلة لسائر المنكوبين وعائلاتهم عما غصب منهم.
2- يحتج المؤتمرون بصفة خاصة على مقاومة الصحافة ويقررون محاربة كل التدابير والمحاولات المراد منها تعطيل الصحف أو حجزها أو وضع عقوبة عليها، ويطلبون للصحافة المغربية بالحقوق التي تتمتع بها الصحافة الأجنبية بالمغرب.
3- يستنكرون إصرار الإقامة على رفض السماح للمغاربة بتأسيس الجمعيات كيفما كانت غايتها.
4- يعتبر المؤتمرون مسؤولية هذه السياسة ملغاة على الروح الرجعية التي تسيطر على دوائر الحماية والتي سبق لها أن أثارت سخط المغرب والعالم الإسلامي في القضية المغربية.
5- يلتزم المؤتمرون بمقاومة هذه التصرفات الجائرة بكل الطرق المجدية المشروعة، ويكلون اختيار الوسائل والظروف للمسؤولين في الحزب الوطني.
6- يستنكرون كل التهم الباطلة والافتراءات المصطنعة التي تلصقها الدوائر الرجعية والصحف الاستعمارية بحركتنا، ويعلنون أن حركتهم ليست لها صلة بأي عامل خارجي، ولا تعتبر أبدا مسؤولة إلا عما يصدر من طرف المسؤولين في الحزب الوطني.
7- يقررون أن كل تفاهم مع الحكومة لا يمكن إلا بعد العدول عن خنق الحريات والإضطهادات، وبعد تنفيذ مطالب المغرب المستعجلة، ويعتبرون أن رعاية جلالة مولانا المنصور بالله لشعبه الكريم وفي عطف الأحرار من رجال الديموقراطية الفرنسية ما يسهل الوصول لذلك.
8- يعاهد المؤتمرون الله على تنفيذ محتويات هذا الميثاق، ويعلنون استعدادهم لتقديم التضحية اللازمة لذلك.
نص الميثاق الوطني الصادر عن الحزب الوطني 1937″.
(الحركات الاستقلالية) لعلال الفاسي ص253-255.