تعديلات المدونة وسؤال الأغلبية الحكومية

12 يناير 2025 18:20
النظريات الفلسفية الثلاث التي أطرت القراءة المعاصرة للقرآن عند الدكتور محمد شحرور

هوية بريس – أحمد الشقيري الديني

أحدثت التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة التي تم الإفصاح عنها حراكا مجتمعيا بزخم كبير على المستويات السياسية والثقافية والعلمائية، تم التعبير عنه على منصات التواصل الاجتماعي والفني والإعلامي،أظهر تباينا كبيرا بين القاعدة الشعبية العريضة والأقلية الحداثية التي تم تنصيبها على رأس الحكومة بعد الانتخابات السابقة..!

المنطق يقتضي أن الحكومة المنبثقة عن انتخابات نزيهة لا يمكن إلا أن تعبر عن رأي الأغلبية الشعبية التي صوتت لصالحها فتأتي مقترحاتها منسجمة مع المزاج العام وبالتالي لا تحصل مثل هذه الهزات المجتمعية المهددة للاستقرار..

فسؤال تدبير الانتخابات السابقة يطرح نفسه علينا بقوة ونحن نراقب هذا الحراك الشعبي على هامش المقترحات المقدمة لتعديل مدونة الأسرة.

لا يخفى أن أمام إقرار تلك التعديلات مراحل مهمة تمر عبر البرلمان والحكومة والأمانة العامة للحكومة، ويتم تمريرها من خلال أغلبية لا تعكس حقيقة الخريطة السياسية لمجتمع محافظ متشبث بدينه وأعرافه وحضارته التي تميزه عن الحضارة الغربية التي أبانت عن إفلاس كبير في تدبير قضايا الأسرة حتى أمست مجتمعات تهددها الشيخوخة والانقراض..!

إن جحر الضب الذي تقودنا إليه الأقلية الحداثية هو القبر الذي ستدفن فيه الأسرة والمجتمع، ونتائج الإحصاء الأخير ينذر بأن المجتمع المغربي مهدد بالشيخوخة إذا لم يتم تدارك الأمر بسن قوانين تشجع على الإقبال على الزواج والنسل، وتحاصر ظاهرة العنوسة وضعف الإنجاب الذي يهدد تعويض الأجيال..!

ففي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن؟!) أي فمن غيرهم..!

” يخبر صلوات الله وسلامه عليه أن هذه الأمة ـ أمة الإسلام ـ ستأخذ بمأخذ القرون والأمم قبلها، وتسير على سيرهم، وأنها سوف تقلدهم في عاداتهم وتقاليدهم ومناهجهم وفي كل ما يعملون، سواء كان ذلك في أمر دنياهم وطرائق معايشهم، وسياسات دولهم، أو حتى في ملابسهم وأساليب حياتهم، وسواء كان في أمر دينهم وبدعهم، وحتى في كفرهم.. والسير على ما استحدثوه من قوانين واخترعوه من أفكار..”!

نحن لا ننكر أن هذه الأمم اليوم تحتكر القوة وتريدنا أسواقا لها، نستهلك منتجاتها، وتستفيد هي من تحقيق مصالحها؛ وأن ذلك لايتم إلا من خلال استهلاكنا لمنتوجها الثقافي أولا، فالثقافة هي المدخل الرئيس للتهافت على استهلاك المنتجات الغربية..

وبما أن تغيير القوانين بما يناسب التحول الثقافي القسري المنشود لا يتم إلا عبر قنوات السياسة ومؤسسات الدولة فإن الغرب لابد أن تكون له كلمته في تشكيل الأغلبية لدى دول الجنوب وإلا رفع في وجهنا البطاقة الصفراء عبر تقارير منظماته الحقوقية وتصنيفنا بمؤشرات التقدم في القاع..!

إننا مازلنا عالة على الأمم في غذائنا ولباسنا وسلاح دفاعنا، وما لم نستقل اقتصاديا عن الغرب فلا أمل في استقلال سياسي ولا في استقلال ثقافي..!

إن معركتنا الحقيقية اليوم هي معركة تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء والتسلح..

وإذا فهمنا هذه المعادلة التي تفرضها علاقتنا بالغرب المهيمن، يمكننا حينها تدبير اختلافاتنا الداخلية بمرونة لا تسمح بتهديد الاستقرار والأمن في دولتنا.. وكما دبر المغرب خلافاته مع جارته المعتدية دون الانخراط في حرب تحطم قدرات البلدين الشقيقين، فإنه بحول الله وقوته قادر على تدبير خلافاته الداخلية ،سواء في تطوير مدونة الأسرة أو غيرها، بما يحقق المصلحة العامة والأمن المجتمعي والاستقرار السياسي، وتبقى مسؤولية المواطن قائمة خصوصاً في المحطات الانتخابية ليدرك أن صوته أمانة لا يجوز بيعه بحال، وأن لصوته أثر على التحولات السياسية مهما كانت المساحة التي يتحرك فيها الناخبون الكبار حفظا لمصالحهم، سواء تمثل هؤلاء الكبار في لوبي رجال الأعمال أو الدول الأجنبية ذات المصالح.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M