تعديلات “مدونة الأسرة”.. حديث توريث الدور لنساء المهاجرين

29 ديسمبر 2024 19:56

هوية بريس – إبراهيم أيت باخة

مما تمسك به من يدعو الآن ـ وليس قبل الآن ـ إلى إيقاف بيت الزوجية؛ ما ورد عن المهاجرات أنهن كن (يَشْتَكينَ مَنازِلَهُنَّ أنَّها ‌تَضيقُ ‌عَلَيهِنَّ ويُخرَجنَ مِنها، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن تُوَرَّثَ دُورَ المُهاجِرينَ النِّساءُ، فماتَ عبدُ اللَّهِ بنُ مَسعودٍ فوَرِثَته امرأتُه دارًا بالمَدينَةِ).

وهذا الحديث مما غلط فيه متداولوه الآن غلطا كبيرا؛ ولو سألوا أنفسهم قليلا؛ عن سبب غياب هذا الفهم عن كافة العلماء؛ لعلموا أن المسألة مسألة فهم.

فقوله في الحديث: (فيخرجن)؛ أي فيخرجهم أهل المدينة وهم ملاك الأرض في أصله؛ لا أن الورثة من يخرجهم؛ ولهذا ورد في نهايته أن زوجة ابن مسعود ورثت دارا بالمدينة؛ وأي مناسبة لذكر المدينة هنا تنصيصا؛ فالمسألة لا علاقة لها بالإرث؛ إنما هي بخصوص وجه التمليك.

وسياق المسألة أن المهاجرين لما قدموا المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم؛ أقطعهم النبي صلى الله عليه وسلم أرضا بالمدينة؛ وقد آثرهم إخوانهم بذلك؛ لكن لم يكن توصيف هذا الإقطاع ظاهرا: هل هو ملك أم عارية؟؟

وقد وضح الإمام الخطابي هذا الأمر توضيحا لا مزيد عليه فقال: (فتأولوها علي وجهين أحدهما أنه إنما كان أقطعهم العَرصة ليبتنوا فيها الدور، فعلى هذا الوجه يصح ملكهم في البناء الذي أحدثوه في العرصة. والوجه الآخر أنهم إنما أقطعوا الدور عارية، وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي، وعلى هذا الوجه لا يصح الملك فيها وذلك أن الميراث لا يجري إلاّ في فيما كان الموروث مالكاً له).

وثمة وجه آخر ذكره الخطابي وغيره؛ وهو أن ذلك من قبيل الأرض الموات التي لم تكن ملكا لأحد؛ ولهذا أورد أبو داود هذا الحديث في باب إحياء الأرض الموات.

فالنقاش كله منصرف إلى كون هذه الدور: للأنصار لأنهم أهل الأرض والدار؛ أم هي للمهاجرين؟ وهل تصرف المهاجرين فيها؛ على سبيل الإقطاع الكلي؛ أم على سبيل العارية؛ أم على سبيل إحياء الموات؟

وحصول هذا النقاش في زمن الصحابة، هو الذي جعل المهاجرات يتخوفن من مصيرهن بعد وفاة أزواجهن (في مواجهة أهل المدينة؛ لا الورثة)؛ فشكون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقضى لهن بتلك الدور.

ولم نجد في قضاء النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين حقيقة التصرف القائم حينئد.

لأجل ذلك خرج العلماء المسألة على الاحتمالين:

1- أن يكون تصرفهم عارية؛ وعلى هذا قضى لهن بتلك الدور هبة؛ أو من باب الإرفاق؛ وهو أشبه بما يسمى اليوم (المرافق العامة)؛ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أوقفها للمصلحة العامة؛ قال في عون المعبود: (نوع من الإقطاع إرفاقا من غير تمليك، وذلك كالمقاعد في الأسواق والمنازل في الأسفار فإنما يرتفق بها ولا تملك).

وقد تكون هذه الدور مبنية في أصلها؛ وأنهم منحوا إياها اختصاصاً أو استفادة من غير أن يكونوا ملكوها، فتكون زوجاتهم تبقى فيها؛ لأنها ليست من جملة الميراث الذي يقسم على الورثة، وإنما شيئاً مكن منه المهاجرون ليستفيدوا منه مع بقاء ملك المانح والمعير له، فتبقى زوجته بعد موته في هذه الدار، وتكون أولى من غيرها.

2- أن يكون تصرفهم إقطاعا تاما في أصله أو إحياء؛ وعلى هذا يكون على سبيل القسمة بين الورثة، وخصَّهن بها؛ لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن، فاختار لهن المنازل ولغيرهن بقية الممتلكات. [الخطابي في معالم السنن]؛ ويتأيد هذا التفسير برواية الطبراني: (فَوَرِثَتْ نَصِيبَهَا مِنْ دَارِ عَبْدِ اللهِ، وَأَحْرَزَتْ دَارَهَا بِالْمَدِينَةِ)، فليس ذلك اختصاصا، بل تقسيما.

وعلى هذا فالحديث مشكل؛ ولا يمكن أن يكون أصلا؛ لأنه محتمل؛ وهذا ما يفسر انصراف العلماء عنه؛ حيث لم يعدوه من أصول الأدلة في باب الفرائض.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M