تعديلات مدونة الأسر.. هذا ما على العاقل في سياق مناكفة هذا الخطر

هوية بريس – عبد الحميد بنعلي
عزفت عن إبداء عوار المدونة:
والسبب: أن مَن وراءها ليسوا فقهاء لنناقشهم على أصول الفقهاء، ولم يقترحوا هذه المواد بناء على أصل تشريعي، أو موافقة لقصد الشارع، أو أخذا بما شذ من الآراء والأقوال.
إنما القوم انطلقوا من (المواثيق والاتفاقيات الأممية) التي أمليت على الدول المسلمة تحت سطوة الابتزاز والارهاب، ولم يهمهم شرع ولا ملة ولا دين.
لا جرم أنهم اضطروا لأكل الثوم بفم (الفقهاء)، وتملقوهم أن يشرعنوا مقترحاتهم، ويصبغوا عليها صبغة فقهية ولو بتأويل بارد، أو تعسف سمج، أو اجتهاد باطل، وهذا لكي يتجنبوا مصادمة الجماهير، ولكي لا يقال: إنهم خالفوا دستور المملكة الذي ينص على مرجعية الإسلام في مثل هذه القضايا، ولكي – وهذا أهم – لا يكون ذلك طعنا في مقتضى (البيعة) و(إمارة المومنين) التي هي أساس الحكم في المملكة.
إذن، فالعاقل هنا لا يشتغل بتحصيل الحاصل، وتقرير ما يعرفه المسلمون من دينهم بالضرورة، وكأن المسألة (اجتهادية) أو (ظنية) أو مما يعزب علمه عن الناس.
بل عليه في سياق مناكفة هذا الخطر:
1- أن يُذكر (العلماء) بمراقبة الله سبحانه، وبالأمانة المنوطة بأعناقهم، وأنهم إن وقعوا على حكم يناقض الشرع والملة فهم على خطر عظيم أن يلقوا ربهم وهو غاضب عليهم، ولن يكون لقولهم (كنا مأمورين) أي اعتبار، {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله، ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم، أوليس الله بأعلم بما في صدر العالمين، وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}.
وقد قال الإمام سحنون التنوخي رحمه الله ((أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره)).
2- أن يُذكر القائمين على هذه المدونة ومن لهم الكلمة الأخيرة بمقتضى (البيعة) و(إمارة المومنين) التي ينعم بها المغاربة منذ قرون سحيقة، وهي السبب في أمنهم واستقرار أوضاعهم، وأن الشرع الإسلامي هو الركن الركين لهذه البيعة، وأن أي تفريط في هذه الأركان هو تفريض بالضرورة فيها، {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ياتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}.
3- أن يشتغل على بيان أهمية الأسرة في المنظومة الأمنية لأي مجتمع وأي كيان، فالإنسان لا يهنأ له بال، ولا يستقيم له حال إلا في كنف الأسرة، وهو من دونها في شقاء ونكد واضطراب، والعلم يؤكد أن ثمة جملة من الأمراض ارتبطت علمياً بالوحدة، والحرمان من الأسرة، والفراغ العاطفي، وهي أمراض مزعجة للإنسان مثل القلق والأرق والاكتئاب والخوف وأمراض القلب، وأمراض أخرى تعجل بالشيخوخة والوفاة.
4- أن يبين أهداف الدول الامبريالية والمنظمات (الحقوقية) من فرض مثل هذه الاتفاقيات والمواثيق على الدول الاسلامية، وهي أهداف تجتمع في إضعاف بنية هذه الدول وإدامة هشاشتها، ومن ثم الإجهاز عليها بدون رصاصة ولا دبابة ولا جندي.
وذلك أن المسلم إنما يهتدي بأسرته، وينتظم شمله بعائلته، وينسى نفسه في سبيل رعايتها وخدمتها والذود عنها، فإذا لم تكن له أسرة يسعى عليها، وقرابة يأوي إليها، ونسب يعتزي إليه، فما الذي يربطه بمجتمعه؟، وما الذي يمنعه من بغضه وكرهه؟، ولأي شيء إذن يجود بنفسه عند الخطوب، ويحمي مجتمعاً لا تربطه به أية رابطة ؟!
5- وأخيرا على أهل العلم والفقهاء والباحثين: أن يبرئوا ساحة الشريعة من مثل هذه الأحكام الفاسدة، والقوانين الجائرة، وأن يبينوا للناس المفاسد الموجودة فيها، وأن ما يُدعى فيها من المصالح المعتبرة هو عين الدجل والكذب والزور والبهتان وقلب الحقائق، بل المصالح الموجودة في الخمر والميسر هي – والله – أبين من هذه المصالح المدعاة، ومع ذلك قد حرمتها الشريعة وصنفتها ضمن الكبائر الموبقة.
فإن شرب الخمر مثلا: مفسدته قاصرة على الشارب ومن يحيط به، أما مفاسد هذه المدونة فهي تشمل المجتمع كله، وتجهز عليه بالدمار والخراب حتى يعود الناس في قابل الزمان ما بين لقيط وقتيل وعانس وشريد، والله المستعان.



