تعرّف على “جروح الكونغو” التي اعتذر عنها ملك بلجيكا
هوية بريس – متابعات
لم يكن الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، يعلم أن عبارة “لا أستطيع التنفس” التي لفظ معها أنفاسه الأخيرة ستكون منصّة لـ”محاكمة” الرواية التاريخية المتعلقة بالاستعمار والعنصرية والعبودية، تلك الرواية التي تسلّم، ضمناً، بتفوق العرق الأبيض وتعترف شكلاً بالانتهاكات التي تمّ ارتكابها بحق ملايين البشر على مدار قرون من الزمن، كتجسيد لوحشية مفاعيل الثالوث المذكور.
اجتاحت العالم حملة شعبية احتجاجاً على مقتل فلويد على يد شرطي أبيض، وجدها الكثيرون بأنها مستمدّة من مرحلة الاستعمار والعبودية، واستهدفت الحملة التماثيل والشواهد والرموز التاريخية التي تذكّرُ بتلك المرحلة، وعلى وقع تلك الحملة أعرب الملك البلجيكي لويس فيليب ليوبولد ماري، وللمرة الأولى في تاريخ بلاده عن “بالغ أسفه للجروح” التي تسببت بها فترة الاستعمار البلجيكي لجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي رسالة وجهها، أمس الثلاثاء إلى رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، بمناسبة الذكرى الستين لاستقلال الكونغو، كتب الملك فيليب: “أود أن أعرب عن أسفي العميق لجروح الماضي هذه التي يستعاد ألمها اليوم عبر التمييز الذي لا يزال حاضرا في مجتمعاتنا”، ولعلّ البعض لا يدرك ماهية الجروح الكونغولية التي تحدث عنها الملك البلجيكي.
أرض الأيادي المقطوعة
بدأت القصة البلجيكية في الكونغو خلال مؤتمر برلين منتصف العقد التاسع من القرن التاسع عشر، حين أطلقت الدول الاستعمارية حينها يدَ الملك البلجيكي، ليوبولد الثاني على الكونغو، وذلك بغطاء “خيري” وذريعةٍ “علمية” لمساعدة القارة السمراء على النهوض بأوضاعها الاقتصادية.
المشروع البلجيكي في الكونغو الذي تلطّى خلف واجهة خيرية وأخرى حضارية، كان في حقيقة الأمر يستهدف الموارد الطبيعية الهائلة، ولم يطل الوقت حتى انكشف مخطط الملك ليوبولد الثاني الاستعماري، هذا المخطط الذي قام على الاستيلاء على ثروات الكونغو واستعباد شعبها.
استخراج المطاط والحصول على العاج ووضع اليد على الثروات الباطنية وسرقة المحاصيل الزراعية، كانت في أعلى سلم أولويات المستعمر البلجيكي في الكونغو، حيث أُجبر بقوة السلاح المواطنين على العمل في تلك المجالات مقابل الطعام في أغلب الأحيان، ومن لم يكن يعمل بشكل مرضٍ كان جزاؤه أن تقطع يده، وعلى إثر ذلك تم قطع أيادي أعدادٍ كبيرة من أبناء الكونغو التي عُرفت حينها في الصحافة العالمية بأرض الأيادي المقطوعة.
السياسة الاستعمارية وملايين القتلى
وقامت عصابات محلية تعمل كمرتزقة مع المستعمرين بمهاجمة القرى وحقها واعتقال السكان لإجبارهم على العمل كـ”عبيد” لساعات طويلة من دون مقابل مالي، هذا إضافة لعمليات الجلد والحرمان من الطعام التي كان السكان يتعرضون لها أثناء العمل.
وجرّاء السياسة الاستعمارية البلجيكية تفشت في الكونغو الأوبئة القاتلة وعمّت المجاعة مناطق واسعة من البلاد، ما أدى إلى مقتل أعدادٍ كبيرة من السكّان، بسبب الجوع والمرض،
وتؤكد مصادر محلية وغربية أن الاستعمار البلجيكي للكونغو (1885-1908) أدى إلى مقتل نحو 10 ملايين شخص، وهؤلاء قتلوا إمّا قتلاً أو تحت التعذيب أو من خلال تفشي الأمراض والأوبئة أو من نتيجة الجوع الذي كان يفتك بالسكّان خاصة الأطفال وكبار السنّ.
ووفق “الأورونيوز” خلال العقد الأولى من القرن العشرين، تعرّض الملك ليوبولد الثاني لحملة انتقادات واسعة جراء عمليات القتل والفظائع التي تعرض لها الكونغوليون في ظل الاحتلال البلجيكي، وعلى إثر ذلك أعلنت بلجيكا رسمياً على ضم الكونغو وتحويلها لمستعمرة وكان ذلك في العام 1908.