تعليقاتي
هوية بريس – د. صفية الودغيري
حين يتصَدَّر رُوَيْبضَة الأقلام ساحةَ الكتابة، ويُفْسَح للرَّجُل التَّافِه والمرأة التَّافهَة أن يَحْمِلا عَلَم الكلمة، ويكونَ لهما شأنٌ عظيم بين الناس، ويُصَفِّق لهما الجمهور بحَرارة كأنَّهما من زُمْرَة المبدعين النَّابغين، وفَطاحِل الكُتَّاب اللاَّمِعين، والنُّجوم المُتَألِّقين في فَنِّ الكتابة وقَرْضِ الشِّعر ونَظْْمِه، فلا غَرابة أن نَرى ما لا يُصَدِّقه العَقل، وما لا يَخْطُر على قلبِ الإنسان السَّليمِ الحِسِّ والذوق، النقيِّ الفطرة والصَّاحي الضَّمير..
ولا غَرابة أن نجِد من يُحْتَفى بكتاباتهم يتَجاسرون اليوم على الدِّين، فيَخوضون في مَواضيع وقَضايا لا يخوضُ غِمارَها إلا أهل الاختصاص، من لهم دٍرايَة بفُنونِها وعلومِها، والحذق والإتقان لأصولها وأحكامها، والقدرة على التَّفصيل في شأنها..
وأن نجد من يَتكلَّمون بجَهل فيُخْطِئون ولا يدركون أنَّهم يُخْطِئون، ولا يَعْترِفون بأنهم على غير هُدى وبصيرَة، وإن اسْتَبانَت أمامهم الأدِلَّة القاطعَة والشَّواهِد الباهِرَة، بل ويُطْلِقون العِنان لأهوائهم، ويُرْسِلون أحكامهم السَّقيمة بلا رادع، ويَسْمحون لشَطحاتهم بالانْفِِلات عن الطَّوق، وخَرْق ما لا يجوز خَرْقُه، والسقوط في مَتاهاتِ الغِوايَة ومستنقع الجَهالة، كي يَفْتِنوا الناس عن دينهم، ويَنْحرِفوا بهذا الجيل عن جادَّة الحق، ويوقِِعوا أبناء هذه الأمَّة في مُنْحدر الأمِّية الثَّقافية، لتُعاني المزيد من السُّقوط والتَّخلُّف، بدل النُّهوض والتَّقدم والارتقاء إلى قمم المجد، ووَصْل حلقات حضارتنا الضائعة..
وفي هذا المقام أكرر أسئلتي التي طرحتها في مقالتي #الصواب_المغمور_والعلم_المهجور:
وأنَّى للقارئ أن يَعي فنون القراءَة والمَقْصودَ والغايَة، وقد أصابَه الإِغْراق في القراءة بالهَذيان، والسُّقوط في متاهَة التَّلْبيس وسِحْر الانْجِذاب، فلا يُدْرك من أين يبدأ التَّفكير، ولا إلى حيث سينتهي مَصيرُه بعد الرَّكض بين شِعاب العَرْض الذي فاقَ مُسْتَوى الطَّلب ومُؤَهِّلات ناشِئَة الفِكْر المُوَلَّد المُحْدَث لا المُوَلِّد للفِكر الأصيل!؟..
وكيف تَنْفكُّ الطَّلاسِم عن عُقولٍ الْتبسَ عليها الظَّن والتَّهْجين وفَسادُ الرَّأي، فاسْتَلانَت الضَّعف ومَرْكب العَجْز، ولم يَرْدعْ هَواها اليَقين، فأُشْرِبَت حُبَّ الاسْتِخْفاف والرُّكون لقَوْلِ الجُهَّال والمُبْطلين والمُدَلِّسين!؟
وكيف يَسْتنير الفِكْر بالقراءة وقد اسْتَمالَه التَّطْريب، فوسَم النَّفس بالَفْهم وهي أَبْعَد عن الفهم، وأَنْآها عن روايتِه ودرايتِه!؟