تعليق على خطبة “العقد الاجتماعي”

هوية بريس – أيوب أبسومي

تعليق على خطبة الجمعة ليوم 21 جمادى الآخرة 1447هـ الموافق لـ 12 ديسمبر 2025م:

تعتري هذه الخطبة جملةٌ من الإشكالات والملاحظات التي تستدعي التنبيه إليها، ومن أهمها:

1. الخلط بين ماهية القانون الوضعي وماهية الشريعة، وهو خلطٌ لا تقبله الدراسات الشرعية ولا المقاربات الأكاديمية الحديثة، بما فيها الأطروحات الغربية؛ إذ إن لكلّ من المصطلحين أصوله وقواعده وطبيعته التي يمتاز بها عن الآخر؛

2. الوقوع في خطأ التعميم بجعل كل ما في القانون الوضعي لازمًا شرعًا، مع أنّ كثيرًا من فصول القانون مما تأباه الشريعة على جهتي القطع أو الظنّ؛

3. عدم سلامة التخريج على الكليات الشرعية؛ فالتعليل بالمعاني العامة في مسائل تفصيلية ليس من سَنَن أرباب الشريعة، بل كل مسألة تقاس إلى دليلها، وتُسبَر بميزانها، وتوازَن فيها الكليات، وينظر في حالها ومآلها، لا أن يُدخل حكم (وجوب الالتزام بالقانون الوضعي جملةً) تحت وصف الشرعية وإن كان منه الوضعي المحض؛

4. كان الأولى أن تلجأ الخطبة إلى قاعدة الضرورة التي عمت بها البلوى أو إلى قواعد السياسة الشرعية، لا أن تستدل بحديث: «المسلمون على شروطهم» [وهو مسوقٌ للشروطٍ المعلومة بين أطرافٍ معلومة] لتأصيل مشروعية مصطلحٍ فلسفيٍّ حادثٍ مثل (العقد الاجتماعي) الذي صاغه جون جاك روسو، وهو مصطلح دخيل على اللسان الشرعي ومباين لمدلولاته.

5. التمثيل بمثال متفَقٍ على أكثر ما فيه لإثبات المختلَف فيه -على كثرته- ليس من شيم الهداة؛ فالتذكير بقانون السير [وهو نظامٌ وضعيٌّ حادثٌ لتنظيم أمر دنيوي معيّن] لا يصح أن يُتخذ دليلاً عامًّا على وجوب الالتزام بكل ما يقع تحت مسمى (القانون) المشترك، إذ إنّ بعض ما في القوانين اجتهادات بشرية جرت تحت مقتضيات الحداثة لا تحت سلطان الاعتبار الشرعي. فهل يلزمنا شرعًا التزامُها مطلَقًا، أم أنها تخرج من دائرة التعميم؟ وهل نلتزمها لأن القرآن والسنة يفرضان ذلك أم أننا نلتزمها من باب الضرورة الحالَّةِ حفظا للجماعة وللسلم العامّ؟

هذه إشارات موجزة يُقصد بها إبراء الذمة وجمع الكلمة، إذ غايتنا أن تكون الخطبة مؤثرةً في الناس، صادقة العبارة، سليمة المعلومة، بعيدة عن الصياغات الفضفاضة التي قد تحمل أكثر مما تطيق، أو تُحمَّل غير ما يراد بها.

والله المستعان.