تفاعلا مع قضية ذ. ياسين العمري.. غلاء الأسعار وفساد الأخلاق!
هوية بريس- محمد زاوي
نفسُهم الذين يرفضون غلاء الأسعار وينتفضون ضده، هم أصحاب التوجهات الليبرالية في السياسة والاقتصاد. عجبا لهم، يطالبون بتحرير الرأسمال ومعه السلطة هنا، ويرفضون نتائج ذلك، ومنها غلاء الأسعار، هنالك!
ولم يكتفوا بترديد التناقضات المنطقية كالتناقض أعلاه، بل انتقلوا إلى ما هو أكبر، إحراج الدعاة والوعاظ والفقهاء ومطالبتهم بإصدار مواقف واضحة من قضايا السياسة والاقتصاد، وكأن فسادنا من هذه القضايا فحسب.
أوليس لكل امرئ مجال؟!
أوليست الأدوار موزعة في دولة “الحداثة” بحسب الحرفة وما يتقنه كل أحد، بل كذلك كانت في كل دولة مهما تعددت الأدوار في اليد الواحدة؟!
ما ذنب الدعاة والوعاظ إذا تخصصوا في تهذيب النفوس وتحصين الأخلاق في زمن الفتن؟!
وما ذنب الفقهاء إذا حقق الساسة والخبراء مناطهم وفق ما يقتضيه حفظ النظام العام؟!
إن في القضية وجهين للنقاش:
– أولا؛ للسياسة والاقتصاد أهلهما. ولا يعني ذلك امتناع الفقيه والواعظ عن القول فيهما، بل إنه لا يقول فيهما إلا بحسب المصلحة الواقعية، فالأحكام أردية باحثة عن أجسامها، وأجسامه الوقائع كما هي، وهذه لا يعرفها إلا أصحاب التخصصات في الاقتصاد والسياسة وغيرهما مما هو مطلوب. فكيف جاز، إذن، أن يردد الفقيه أو الواعظ موقف فئة بعينها، هي فئة مستنكري ارتفاع الأسعار، بحجة أنه “ظلم بين”؟!
– ثانيا؛ للأخلاق والقيم والأسرة والدين وغيرها من قضايا الشريعة وذهنية الإنسان؛ لكل ذلك أهله. فإذا لزم الدعاة والوعاظ وعلموا الناس طرق التربية والتنسك وتحصين الذات ضد الفتن ما ظهر منها وما بطن، فقد أدوا ما عليهم من أمانة، وحسبهم ذلك في زمن سرعان ما ترتبك فيه المصالح ويتخبط الناسَ فيه الموجُ! وللفقه والأصول، أي لمعايير الشريعة، أهلها. فإذا اجتهد الفقهاء في حفظ الأصول واستمرار أحكام الشريعة وفق مناطاتها، فقد أبلوا البلاء الحسن و”نفوا عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”.
الفقيه والواعظ، يقولان في الدين والخلق.
وعالم السياسة وخبير الاقتصاد، يقولان في الأسعار وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية.
أما الذي يعقب عليهما ويعاتبهما، فلا هو من ذوي الاختصاص، ولا هو ممن يصمت تواضعا وحكمة!