تفاعلا مع ما جاء في تدخل رئيس حركة التوحيد والإصلاح.. ملاحظات بسيطة ذات دلالات كبيرة
هوية بريس – د.ادريس أوهنا
استمعت وأعدت الاستماع مرات ومرات لمقتطف ما أوذع من كلام رئيس حركة التوحيد والإصلاح، على هامش ندوة أقيمت في موضوع الحريات الفردية بالرباط، فسجلت الملاحظات الآتية، أرى على بساطتها أنها تحمل دلالات كبيرة، لمن شاء أن يفهم ويعتبر:
موضوع الحريات الفردية موضوع شائك وحساس، ورائحة الإغراض في الإكثار من إثارته اليوم تفوح من كل ناحية، ولذلك وجب على الخائض فيه من ذوي النيات الحسنة التحلي بكثير من اليقظة والاحتياط، وضبط الحرف قبل الكلمة، والتحلي بالمسؤولية، حتى لا يترك فرصة اصطياد الزلات لمن عادته الاصطياد في الماء العاكر.. وحس اليقظة والاحتياط والضبط والتحلي بالمسؤولية هذا أراه غاب عن الرئيس المحترم في تدخله ذاك، وإن كان معروفا به من قبل، فنتمنى أن تكون مجرد كبوة:
1- قال في مستهل خطابه: “لي وجهة نظر في الموضوع” ثم سار يدلي بوجهة نظره في الموضوع الشائك الخطير.. لو كنت أخانا الكريم شخصا عاديا، لا يمثل تيارا إسلاميا كبيرا، لحق لك أن تبدي وجهة نظرك بما شئت، ومتى شئت، وكيف شئت، والحال أنك على رأس حركة إسلامية مقدرة نوعا وكما، فالتعبير عن وجهة النظر بالنسبة إليك، خصوصا في النوازل الخطيرة، ينبغي أن يكون موزونا بميزان المشورة والتروي والرجوع إلى أهل الاختصاص قبل إصدار الأحكام.
2- قلت: العلاقات خارج إطار الزواج “أنا لا أعتبرها جريمة” من أعطاك الحق؟ وما أعطاك الحق؟ بأن تتكلم بضمير الأنا في إصدار حكم خطير ملتبس كهذا.. أهي إمامة في العلم شهد بها أهله؟؟ أم تفويض ممن تمثلهم توحدت عليه كلمتهم؟؟ لا شك أنه لا هذا ولا ذاك. فلم هذه: “الأنا”؟؟
3- قلت كذلك إن العلاقات خارج إطار الزواج على اختلاف درجاتها باتت أمرا واقعا في زمننا، والكل يربطها…
على فرض: فإن الانتشار لا يبرر الإقرار؟! وانا لا أقول أنه صدر منك إقرار، ولكن نفي الجريمة الشرعية مطلقا عن محرمات الوسائل قد يفهم منه ذلك عند كثيرين.. وحق لهم، وإن لم تقصده قصدا،
ثم التعميم لا يستقيم، فما زال في الأمة خير كثير، وما زال فيها ومنها من يمتثلون أحكام شريعتهم، سواء كانت محرمة تحريم وسائل، أو كانت محرمة تحريم مقاصد وغايات، وقل الشيء نفسه عن أحكام الوجوب.
4- قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه:” لا تظن بكلمة خرجت من أخيك شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا” بناء عليه، ارى أخي الفاضل أنك عندما استعملت كلمة: جريمة، استعملتها بحمولتها القانونية الوضعية التي تستلزم العقاب القضائي على الفعل بشكل خاص، هذا قصدك.. لكنك رتبت على ذلك أن ما دون الزنا لا يعتبر جريمة لا في الشرع ولا في القانون، هكذا بإطلاق، والحال أن الجريمة والجرم والتجريم وكل مشتقات مادة “جرم” في الاستعمال الشرعي، لم ترد في سياق المحظورات الشرعية التي زجر الله عنها بحد او تعزير فقط كما هو تعريف الماوردي للجريمة في الأحكام السلطانية، بل استعملت للدلالة على كل فعل او قول يخالف شرع الله، ويعصى فيه الله ورسوله؛ قال أبو زهرة: “الجريمة هي فعل ما نهى الله عنه وعصيان ما امر الله به” (التشريع الإسلامي الجنائي مقارنا بالقانون الوضعي، ص66، مؤسسة الرسالة)، ولذلك جرم القرآن التكبر والحقد والظلم وغيرها من قبيح الفعال وفاسد الأعمال.
واستنادا إلى هذا الفهم وعلى قاعدته. فإن ما دون الزنا من الخلوة بالأجنبية، والتقبيل، واللمس، واتخاذ الأخدان، وما إلى ذلك مجرم شرعا وديانة وإن لم يجرم قانونا وقضاء.
ثم تصور معي هذه المخالفات الشرعية التي نفيت الجرم عنها شرعا وقانونا، لو انتشرت أكثر وأكثر في حياتنا العامة، لا شك أن الناس سيصيبهم حرج كبير جراء انتشارها وعدم تجريمها، وسينتج عنها ارتفاع مهول في المحرمات تحريم الغايات، وكفى بذلك فتنة وفسادا، او قل خرابا ودمارا.. فبالنظر إلى فقه المآلات، وسدا لذرائع الفساد وجب التعامل بنوع من الصرامة – قد يصل بالاجتهاد إلى حد معاقبة الفاعل ولو عقابا مخففا – مع هذه العلاقات التي تستبيح الأماكن العامة، وتنشر الرذيلة والفسوق في المجتمع، لا التطبيع معها، واعتبارها حريات فردية عادية، لا يحق تجريمها بحال من الأحوال.
5- ما يحز في النفس ويثير الغرابة والحنق فعلا هو هذا التراجع والارتكاس والتنازل حتى بتنا نناقش المعلومات من الدين بالضرورة!! لإرضاء مزاج كل متهتك مغرض. في حين أن المطلوب هو أن نعتز بمبادئنا وغربتنا، وأن نثبت على ما عاهدنا الله عليه مهما كانت الضغوطات وتوالت الاستهدافات وعظمت الانزياحات عن الدين والملة.
يكفي أن التجربة السياسية تعدم وتقتل، يوما عن يوم، دون إراقة قطرة دم، كما نقول باللسان الدارج (غير بالفن/ غير بالبارد).. لأن الفاعلين أذكياء وخبراء في ذلك. فلا نريد للعمل الحركي الدعوي ان يؤول هو كذلك إلى المآل نفسه، بتفريط وتنازل منا، ودهاء وجلد من خصومنا الإيديولوجيين!!
جزاك الله خيرا. نفست عن قلوب اغمها هذآ المدعو الشيخي. اذا كان متعمدا فنشكوه الى الواحد القهار