تفكيك الأوطان تحت قناع حقوق الإنسان في استهداف “منظمة العفو الدولية” للسيادة المغربية
هوية بريس – محمد زاوي
1-في حقوق الإنسان: الحرية للناضجين ويد الدولة على القاصرين أمر لازم
لقد بلينا بجيل جديد لحقوق الإنسان، جيل عولمي، لا يؤمن بالإنسان في المكان والزمن. جيل لا يعترف إلا بحقين: حق التمرّد دون تحمل أدنى مسؤولية، وحق ممارسة كل سلوك غابوي ما قبل إنساني. جيل ترك الوطن، وارتمى في أحضان المنظمات الحقوقية الدولية. جيل زهد في الحزب والنقابة، وأخذ يبحث عن ذاته في الجمعيات الأجنبية. أفراد لا يهب الشعب للدفاع عنهم، وإنما أول من يهب للدفاع عنهم هي المنظمات التي تتخذ من بريطانيا أو أمريكا مقرات مركزية لها. ويا للعجب، حيث تحتضن بريطانيا وأمريكا من يدافع عن حقوق الإنسان. يا للعجب، حيث ينسى أبناء جلدتنا المستلبون إجرام بريطانيا في الهند، وإجرام أمريكا في العراق وفلسطين. هل راجعت بريطانيا سياستها وتخلت عن رأسماليتها الاحتكارية؟ هل حدث نفس الشي بالنسبة لأمريكا؟ أم أن الصلاة مع “علي” أقوم والأكل مع “معاوية” أدسم؟ ألا لا يصليّنّ معنا من يأكل مع غيرنا، فمتى كان العميل ابنا بارّا للوطن؟
ليست كل عمالة مقصودة، بل إن هناك من العمالة ما هو ليس كذلك. فساد الوعي هو ما يؤدي إلى فساد الموقف، وفساد الموقف هو الذي يجعل الكثير من المناضلين الأبرياء يسقطون في حبال الأجنبي، وضدا على مصالح أوطانهم، ودون وعي منهم. “ضرب الدولة بالمجتمع” هو الأسلوب القديم الجديد الذي يعاد استدعاؤه، وبأساليب أكثر تعقيدا. لا بد إذن من فئات تشرف على عملية التفكيك والتعبئة للفتنة من الداخل، كما فعل شيوخ الزوايا والقبائل في مغرب المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ. لا بد من توفير الظروف المناسبة للابتزاز من جهة، وقلب المعادلة لصالح الأجنبي إذا اقتضى الحال من جهة ثانية.
كل هذا يراد له أن يختفي تحت قناع حقوق الإنسان، فأي حقوق هذه؟ أي حقوق هي هذه الحقوق التي تستهدف الدولة وتريد الفتنة في المجتمع وتهدد الوحدة والتراكم الوطني ومصالح الشعب المغربي؟ إن كل خطاب حقوقي عولمي، لن تجده في نهاية المطاف إلا خطابا إنسانويا يساق بغرض خدمة مصالح الرأسمال المتوحش. وفي الخاص من هذا النقاش، وجب التمييز بين صحافتين. الأولى وطنية تعبر عن المواقف الوطنية (أحزاب، نقابات، جمعيات وطنية…)، والثانية عميلة خائنة تعمل لصالح “الاستعمار الجديد”. الأولى تتمسك بحرية التعبير للدفاع عن مصالح الشعب واستقرار الدولة، والثانية تتمسك بها نكاية في الدولة وضدا على الوحدة الوطنية.
الإشكالية غير الإشكالية، والجنوب غير الشمال، والمغرب غير أمريكا… ورغم ذلك، تردنا أخبار تلو أخبار تؤكد أن الدولة الأمريكية دولة قومية أكثر مما يتصور أولئك الذي صدّعوا رؤوسنا بالحريات وحقوق الإنسان. لقد حققت الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث ثورات: ثورة الاستقلال، ثورة الوحدة، ثورة الديمقراطية (1). ورغم ذلك، أبت إلا أن تحافظ على قوميتها المتطرفة في عالم تشرف على عولميته وسيولته بنفسها. الاستعمار الجديد، تهديد التجزئة ومشكل الوحدة الترابية، عرقلة مسار الانتقال الديمقراطية. هذا هو الواقع الذي نتخبط فيه، ووجب أن نطلب له الوطنية والوعي القومي أكثر مما تطلبه أمريكا.
لا حياة لمن تنادي، فهناك من يريد لحقوق الإنسان أن تتحقق على حساب استقرار الأوطان. لا أحد يريد أن يفهم أن إشكالياتنا هي: وحدة الوطن، تدخل الدولة في الاقتصاد، التحرر من التبعية والاستعمار الجديد، الانتقال الديمقراطي… لا يريد العملاء من أبناء جلدتنا أن يفهموا كل هذا، فيبعثرون أوراق الدولة، ويقفون على النقيض منها ومن المجتمع، ويطالبونها بمباركة ما يفعلون. يفككون الوحدة، ويباركون الرأسمال الأجنبي بمقاطعة الوطني منه، ويلعلعون الساحة بالحديث عن الحريات الفردية وعولمة الثورة، ويطالبون بديمقراطية تمثيلية كاملة أو يدعون لأخرى تشاركية كبديل في شرط الانتقال الديمقراطي… وإذا تحركت الدولة للدفاع عن مصالحها ومصالح شعبها، نعتوها بالظلم وعدم احترام حقوق الإنسان والحريات.
ونحن نقول: “الحرية للناضجين، ويد الدولة على القاصرين أمر لازم”. ولا يعتقدنّ أحد أننا سنخاف من أن ينعتنا أحدهم بالانزياح عن خط النضال والمناضلين، بل إننا نعتبر هذا النعت ميتافيزيقيا. لا نضال خارج التاريخ، فأن تناضل ألف مرة مع الدولة إذ تحمي حدودها وتستكمل وحدتها وتؤمم اقتصادها وتكشف مؤامرات العملاء من أبنائها، خير من أن تناضل ولو نصف مرة مع من وضعوا أيديهم في أيدي الاستعمار ضدا على الشعب والدولة معا. ضدا على: الذاكرة، والتاريخ المشترك، والرموز الوطنية، الوحدة الترابية، والثقافة الوطنية، والاقتصاد الوطني، ومعركة الديمقراطية (وهي في جزء كبير منها معركة مع الأجنبي)…أ
2-الاستخبارات في العالم: تغول للكبار بفرض التبعية والاستعمار/ وعرقلة للصغار في حماية أمنهم القومي
لكل دولة استعلامات خاصة بها، حيث يُستعمل “المشروع” وغير “المشروع” (2)، في الداخل والخارج، وفي سرية تامة، تشمل أغلب الأنشطة، وكذا بعض الأجهزة الاستعلامية أحيانا. أمريكا تستعلم بهيئتين: مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف. بي. آي/ التابعة لوزارة العدل الأمريكية/ أغلب نشاطاتها داخلية)، وكالة المخابرات المركزية (سي. آي. أيه/ “السيئة” المستقلة/ تنشط في الداخل والخارج). روسيا الاتحادية تستعلم بواسطة عدة وكالات للأمن والاستخبارات، على رأسها مديرية الاستخبارات الرئيسية للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية. لدى الصين جهاز استخباري ينشط في الداخل والخارج، كشفا للتحديات والاختراقات الخارجية، وحفاظا على الأمر القومي، هو “وزارة أمن الدولة الصينية”. فرنسا تشتغل بجهازين تابعين لوزارة الدفاع: الأول داخلي هو المديرية العامة للأمن الداخلي، والثاني خارجي هو المديرية العامة للأمن الخارجي… نفس هذا الأمر يصدق على كل من بريطانيا وألمانيا وكندا… وكافة دول العالم، بما في ذلك الدول العربية.
يمكن تلخيص أنشطة أجهزة الاستخبارات فيما يلي:
– حماية الأمن القومي للدولة.
– الكشف عن كل استهداف محذق بالدولة.
– التنسيق مع أجهزة الدول الأخرى لحماية الأمن العالمي (لصالح الإنسان ككل)، وهذا يقع في قضايا الإرهاب والهجرة السرية وتهريب المخدرات.
– إضعاف الدول الأعداء، وذلك بين الدول المتصارعة، وحيث توازن القوة والتخوف المتبادل.
…
هناك بعض الدول التي تحترم نفسها، ولا توظف أجهزة مخابراتها إلا لصالح أمنها القومي. وهناك بعض الدول التي تجاوزتها واستقلت عنها أجهزة مخابرات كبرى، حيث تعدّت هذه الأخيرة حماية الأمن القومي إلى ما هو أبعد منه، فأفسدت ونشرت الفوضى والعبث في كل مكان لصالح: رجال المخدرات، وأرباب البنوك الكبرى، وتجار الدعارة وكل ما ينتمي إلى تجارة السوق السوداء… وبعبارة أخرى: لصالح الرأسمال المتوحش. وطبعا، ليس المغرب دولة من هذه الدول. وإنما هو دولة تحمي أمنها القومي، وتوظف جهازها المخابراتي لصالح الدولة والمجتمع. قد يتساءل متسائل: هل هذا يعني أن المخابرات المغربية لا تخطئ؟ ونحن نجيب: ليس هناك مخابرات لا تخطئ في العالم بأسره، وذلك لأن مجال الخطأ يكون فيها أكثر اتساعا مقارنة مع غيرها من القطاعات الأخرى. والعيب كل العيب، بل والجرم كل الجرم، أن تغضّ المنظمات الدولية لحقوق الإنسان الطرف عن تغول بعض الأجهزة المخابراتية في دول الجنوب، فيما تسلط الأضواء على أجهزة مخابراتية كل شغلها الشاغل هو حماية أمنها القومي.
أين يتجلى المشكل إذن؟
هل هو ناتج عن خلل في محض وعي المنظمات الدولية لحقوق الإنسان؟
أم أن الاستعمار يشتغل بعدة أذرع، الأجهزة المخابراتية الكبرى والمنظمات الدولية جزء منها؟
إننا نزعم أن هناك علاقة قائمة بين الأجهزة المخابراتية النافذة من جهة، وبين المنظمات الدولية لحقوق الإنسان من جهة أخرى. وإلا فلماذا تستهدف هذه المنظمات الأمن القومي لدول الجنوب (ومنها المغرب) غاضة الطرف عن الفساد الذي تعيث به أجهزة مخابراتية نافذة في كل مكان من العالم؟
3-المغرب خط أحمر: الوطن أم ولود والوطنية لا حدود لها
ادعت “منظمة العفو الدولية”، في تقرير سابق (10 أكتوبر 2019)، “استهداف المغرب للمدافعين عن حقوق الإنسان (ذكرت منهم: المعطي منجب، عبد الصادق البوشتاوي) ببرنامج تجسس تابع لمجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية، وجاء في تقرير “المنظمة”: “ويعتبر هذا الكشف مهما بشكل خاص في سياق تستخدم فيه السلطات المغربية بشكل متزايد الأحكام القمعية من قوانين العقوبات وقوانين الأمن لتجريم وتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين لممارستهم حقوقهم في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتوجه السلمي. ويواجه المدافعون عن حقوق الإنسان المغاربة المضايقة والترهيب والسجن. ويكشف هذا التقرير أنه، على الأقل منذ 2017، تستخدم سلطات الدولة أيضا برنامج التجسس التابع لمجموعة “إن إس أو” كأداة لتقليص الحيز المتاح للقيام بأنشطة حقوق الإنسان أكثر فأكثر من خلال استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان”. (3)
يمكن حصر عناصر هذا الخطاب–في هذا النص وفي غيره-فيما يلي:
– ممارسة نوع من الرقابة اللامشروعة على السيادة المغربية، حيث يصبح المعيار في “حقوق الإنسان” هو معيار “منظمة العفو الدولية” والجهات الاستعمارية المتحكمة فيها.
– العمل على تشكيل جيش احتياطي من “المدافعين عن حقوق الإنسان”، والذين هم يشتغلون لصالح سياسة استعمارية أجنبية، في نهاية المطاف، بوعي منهم أو بغير وعي.
– اعتماد المرجعية العولمية لحقوق الإنسان، والتي هي عينها المرجعية الغربية (الأمريكية) لهذه الحقوق.
– إهمال الشرط التاريخي الحالي للدولة المغربية، الشرط الذي للاستعمار اليد الطولى في إنتاجه، حيث العمل على نشر الفوضى واستهداف الثقافة الوطنية وعرقلة استكمال الوحدة الترابية والسعي إلى تجزئة الدولة وتفكيك المجتمع… ومن أنتج الاستعمار، كان من باب أولى أن يهمله ويخفيه بأقنعة “حقوق الإنسان” و”الحريات الفردية” و”الديمقراطية” و”التنوير”… وما شابه ذلك من الشعارات المشبوهة.
– التركيز على حقوق الأفراد أو الأحزاب والجماعات والجمعيات العولمية، في تهميش تام لحقوق الدولة والنقابات والأحزاب الوطنية. والحال أن الحداثة بنت الدولة القومية الحديثة والمجتمع المدني الوطني الحديث، وليست بنت الفوضى والعمالة وخيانة الأوطان تحت قناع الغيرة على حقوق الإنسان.
– التداعي على الجهود المغربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، وذلك بإظهار الدولة المغربية كدولة مطبعة مع شركات إسرائيلية للتجسس.
– استهداف الدولة المغربية العريقة كغيرها من الدول العربية العريقة: مصر، السعودية، سوريا… وليس ذلك من العشوائية والعفوية، ولكن الدراسة تقول: “تفكيك الدول العريقة هو المدخل لتفكيك الوطن العربي ككل، وإضعاف هذه الدول هو السبيل للتحكم وقلب الموازين في أخرى ضعيفة وذات شرعية تاريخية أقل”.
…
وفي تقرير جديد (22 يونيو 2020)، وفي سياق مناقشة المغرب لسبل تحصين أمنه السيبيراني (قانون 20-22)، أبت “منظمة العفو الدولية” إلا أن تستمر في استهدافها للمغرب وأمنه القومي. ولم يتم ذلك على غير المعتاد، بل كان المدافَع عنه–كما هي العادة-صحفيا تعتبره “المنظمة” من “المدافعين عن حقوق الإنسان” (عمر الراضي). وقد ادعت “المنظمة” تجسس السلطات المغربية على هذا الصحفي باعتماد برنامج تابع لمجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية (مجددا، بعدما ادعت “منظمة العفو الدولية” نفس الأمر بالنسبة للمعطي منجب وعبد الصادق البوشتاوي) (4)، الأمر الذي نفته الدولة المغربية متحدية “المنظمة” في الإتيان بدليله. إنه موقف وطني للدولة المغربية، وهو يطلب تعبئة جماهيرية لكافة أبناء الشعب المغربي على أساس حماية أمننا القومي والوقوف في وجه كل من يستهدف سيادتنا. وإننا إذ نكتب هذا المقال، نضع بين يدي الشعب المغربي الخلاصات التالية:
– لا حقوق للإنسان المغربي إلا في إطار وطني.
– العولمية الحقوقية عرقلة لمصالح الشعب المغربي، وليست دفاعا عنها.
– لا موقف في قضية حقوق الإنسان إلا موقف الدولة والحركات الاجتماعية الوطنية، وباقي المواقف فهي إما مواقف فردية تابعة لهذا أو ذاك، وإما مواقف مشبوهة ومدانة حتى تثبت براءتها.
– من حق الشعب المغربي، في شخص أحزابه ونقاباته وحركاته ونخبه الوطنية، الانتفاض في وجه كل منظمة “دولية” تستهدف دولته وتضرب وحدته وتفكك ذاكرته وتعرقل مصالحة السياسية والاقتصادية. وذلك، جنبا إلى جنب وتحت قيادة إدارة دولته.
…
لقد كان المغاربة في أمس الحاجة إلى توافق بين المجتمع والدولة، أي بين محمد الخامس وحزب الاستقلال، لطرد الاستعمار العسكري. فكان التوافق، وبالتوافق كان استقلال 18 نونبر 1956.
وقد كانوا في أمس الحاجة إلى توافق مماثل بين الحسن الثاني وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وذلك لاستكمال الوحدة الترابية. فكان التوافق، وبالتوافق كانت ملحمة المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975.
وقد كانوا في حاجة ماسة إليه بين محمد السادس والعدالة والتنمية، درءا لفتنة “الربيع”. فكان التوافق، وكان خطاب 9 مارس 2011، ودستور 2011، والانفراج الديمقراطي، واستعادة زمن الزعامة الوطنية (عبد الإله بنكيران).
واليوم، نحن في حاجة إلى توافق جديد بين كافة الأحزاب والنقابات والحركات والنخب الوطنية من جهة، وإدارة الدولة من جهة ثانية. إننا في حاجة إلى تنسيق من هذا النوع، حتى نحمي أنفسنا في عالم تريد فيه أكثر الرأسماليات رجعية العيش على أنقاض من لم يستطع البقاء على قيد الحياة.
الهوامش:
(1): عبد الصمد بلكبير، من محاضرة بعنوان: “الظاهر والخفي في الصراع الأمريكي”، بتاريخ 8 يونيو 2020.
(2): لقد اطلعنا على عدة حوارات مع مسؤولين كبار سابقين في مخابرات عدة دول (الاتحاد السوفييتي، العراق…)، فوجدنا أن ما يكون غير مشروع في حياتنا العامة والخاصة قد يصبح مشروعا في ممارسة الأجهزة الاستخباراتية. كلهم يقرون بأن مساحة الخطأ تكون في هذه الممارسة أوسع، لسرية العمل ومدى أهمية الوصول إلى المعلومة بمختلف الوسائل المتاحة. كلنا نعلم مدى أهمية المعلومة، فما بالك إذا كانت تلك المعلومة تساوي استقرار وأمن دولة.
(3): منظمة العفو الدولية، التقرير الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 2019.
(4):منظمة العفو الدولية، التقرير الصادر بتاريخ22 يونيو 2020.