تفنيذ شبهات المتطرف العلماني أحمد عصيد التي نقلها عن الشيعي نزار الحيدري ..
هوية بريس-رضوان نافع
اطلعت مؤخرا على مقال للشيعي نزارالحيدري نشره العلماني أحمد عصيد على صفحته و نقله عنه كثير من أتباعه من الحداثيين ..هذا المقال الذي حشاه كاتبه الشيعي بالتدليس و الشبه و التساؤلات الملغومة يستهدف دواوين السنة النبوية عند أهل السنة في محاولة فاشلة لإسقاطها جملة.
افتتح هذا الكاتب مقاله بمقدمة يزعم فيها أنه طالب حق ,وأن بحثه موضوعي وأن له أسئلة مهمة ,و لم يصرح طبعا بمذهبه الشيعي لأنه يناصره بالطعن في أصول مذهب أهل السنة؛ ونقل المتطرف العلماني عصيد وأتباعه لمقاله مظاهرة من الحداثيين للشيعة على أهل السنة .
أشارالكاتب بعباراته الركيكة إلى أن أصحاب الكتب الستة – ذكر خمسة منهم وأغفل أبا داود ولا أدري سبب إغفاله له – يعتبرون أهم مراجع الحديث و ذكر بأن علماء الامة أجمعوا على صدق نقلهم وتوثيقهم لكل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد حرص على وصفهم بأنهم رووا كل السنة حتى اذا شكك فيهم أوأسقطهم أسقط السنة كلها ، ومعلوم أن هؤلاء الأئمة لم يرووا كل السنة في دواوينهم لكن حرص على هذا الوصف لما أشرت إليه آنفا وهو مكر وتدليس يستغفل به عوام المسلمين .
الشبهة الأولى التي طرحها هذا الكاتب وكررها في ثنايا مقاله هي كون الأئمة أصحاب دواوين السنة المشهورة أعاجم وليسوا بعرب وهذه الشبهة لعمرالله أوهى من بيت العنكبوت ..
فهذا الكاتب يريد أن يصورللقارئ أن هؤلاء الأئمة أعاجم مستغلقين، ولدوا في أقطار أعجمية ،وعاشوا فيها فكيف أمكنهم تحمل هذا الكم الكبير من الأحاديث وأدائه و روايته بهذا الإتقان؟! وهذا أول سهم يرسله إلى قلب القارئ ليبث فيه التشكيك في نقلة السنة ، و التسليم لفرضياته المتهافتة .
ولرد هذه الشبهة نقول: الذي يقرأ تراجم هؤلاء الأئمة سيجد أنهم عاشوا في بيئة علمية و توجهوا إلى العلم في صغرهم و ترعرعوا وهم يعانون العلم من تعلم للقرآن ولغته و تعلم للحديث رواية ودراية حتى اشتد عودهم وقويت ملكتهم وأصبحوا في حال يماثلون أو يفوقون فيها أبناء العرب الاقحاح ، وليظهر لنا هذا جليا سأذكر نتفا من ترجمة المقدم عليهم وكبيرهم في العلم والفضل محمد بن إسماعيل البخاري – رحمه الله – وما يقال فيه يقال في باقي الأئمة ..
البخاري رحمه الله تربى في بيت علم وفضل كان فيه اللسان العربي مألوفا ،فأمه كانت من العابدات تكثر من قراءة القرآن والذكر ،ولها كرامة مشهورة ذكرها غنجار في تاريخ بخارى فقد نقل بأن البخاري ذهبت عيناه وعمي في صغره ؛فأكثرت أمه من الدعاء له بالشفاء حتى رأت في منامها الخليل إبراهيم عليه السلام و قال لها:
“يا هذه قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك.”
قال: فأصبح وقد رد الله عليه بصره.
ووالد البخاري كان عالما من كبار المحدثين من تلاميذ أصحاب الامام مالك ،بل سمع من مالك وحدث عنه .
ذكر ابن حبان في كتابه “الثقاب” أنه سمع من مالك وحماد بن زيد وصحب ابن المبارك وروى عنه العراقيون، وقال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام: كان أبو البخاري من العلماء الورعين، وحدث عن ابن معاوية وجماعته وروى عنه أحمد بن جعفر ونصر بن الحسين.
و قال عنه ابنه البخاري في التاريخ الكبير :” سمع أبي من مالك بن أنس و رأى أحمد بن زيد قد صافح ابن المبارك بكلتا يديه “
فقد نشأ البخاري نشأة علمية حيث بدأ حياته بحفظ القرآن وأمهات الكتب الصغيرة في الكتاب ,كما كان الشأن في زمانه حتى إذا بلغ عشر سنين من عمره بدأ في حفظ الحديث والاختلاف إلى الشيوخ لجمع مروياتهم .
قال القسطلاني- رحمه الله – في مقدمته عن البخاري ” فقد ربي في حجر العلم حتى ربا، وارتضع ثدي الفضل فكان فطامه على هذا اللبا”.
بالإضافة إلى ما حباه الله به من حدة الذكاء وجودة الفهم وقوة الحفظ الذي شهد به كل من قابله من شيوخه واقرانه, بل كان شيوخه يهابونه وهو لا زال صغيرا ، وكان يستدرك أحيانا على مشايخه .
روى القسطلاني عن أبي جعفر محمد بن أبي حاتم أنه قال: قلت للبخاري كيف كان بدء أمرك فقال:
ألهمت الحديث – أو حفظ الحديث – في المكتب وفي عشرسنوات أوأقل، ثم خرجت من المكتب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي – وهو من أهل الحديث في عهده – فقال لي يوما فيما كان يقرأ للناس:
روى سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت :إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني فقلت له :ارجع إلى الأصل إن كان عندك فجعل ينظر فيه ثم خرج فقال لي:
كيف هويا غلام فقلت هوالزبير بن عدي عن إبراهيم فأخذ القلم وأصلح كتابه وقال: صدقت.
قال وقد سأله بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ ذاك فقال ابن إحدى عشر سنة.
إلى أن يقول فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء يعني أصحاب الرأي ثم حجت أمه فحج معها ومعهما أخوه أحمد ،وكان أسن منه فأقام البخاري بمكة يطلب العلم بينما عاد أخوه إلى بخارى مع أمه.
فبقي في مكة حتى أحكم حديث كبار شيوخها منهم إسماعيل الصائغ و العلامة القرشي عبد الله بن الزبير الحميدي وهو أجل شيوخ البخاري من المكيين.
ثم توجه إلى المدينة النبوية وعمره في الثامنة عشرة فسمع من أكابر محدثيها كمطرف بن عبد الله و إبراهيم بن حمزة و إبراهيم بن المنذر والأويسي وغيرهم .
ثم رحل إلى البصرة -و قد دخلها أربع مرات في أربع رحلات مختلفة- ، ثم رحل إلى الكوفة ثم دخل بغداد وأخذ عن كبارالمحدثين فيها فسمع من أحمد بن حنبل ومحمد الصباغ وشريح بن النعمان وغيرهم. ثم رحل إلى الشام ,ثم إلى مصر ,ثم رحل إلى الجزيرة و دخل خراسان ونواحيها ومرو و بلخ وهراة ونيسابور ،فكانت رحلته في طلب العلم عظيمة وحافلة بالتحصيل والجمع للحديث رواية ودراية ,والأخذ عن كبار النقاد والحفاظ قال البخاري :”سمعت عن ألف شيخ وزيادة وليس عندي حديث إلا أذكر إسناده “
فهذه نبذة يسيرة عن نشأة البخاري العلمية ليعلم هذا الكاتب ومن نقل عنه أنه أمام جبل من أساطين العلم والسنة، وما ضره أن كان أصله أعجميا، بل أعجميته من دلائل عظمة هذا الدين وأنه لا يفرق بين أهله إلا بالتقوى والعمل الصالح .
ومن شواهد ما قررنا آنفا أن كثيرا من العلماء الذين أسهموا في بناء الصرح العظيم للغة العربية، ووضعوا قواعده وشيدوا بنيانه ، لم يكونوا من العرب.
كسيبويه وأبي علي الفارسي وابن جني والجرجاني والجاحظ والفيروزابادي وابن آجروم وغيرهم .
ثم طرح هذا الكاتب شبهته الكبرى وفرضيته المحورية وهي أن البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة جاؤوا بعد قرنين أوما يقاربها من زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهم لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعايشوا الصحابة ولا التابعين ولاتابعيهم فمن أين لهم هذه الأحاديث ؟!
ولا يشك من له أدنى اشتغال بالعلم الشرعي أن سؤال هذا الكاتب من أين جاء هؤلاء الأئمة بالحديث؟ دليل جهل مطبق برواية الحديث وعلومه, وهذا حال الطاعنين في السنة من الحداثيين وغيرهم فهم جهال لكنهم يتصايحون في فضاءاتهم ،ويخوضون المعارك ضد علماء الأمة في وسائل إعلامهم، وفي غير مواجهة ولو ووجهوا لانكشفوا وافتضح أمرهم عند الناس، وقديماً قال الشاعر:
إذا ما الجبان خلا بأرض … تمنَّى الطعنَ فيها والنزالا.
وهذه الشبهة نقلهاهذا الكاتب عن بعض أسياده من المستشرقين من أمثال شاخت وجولدزيهر،وتجدرالإشارة إلى أن هذه الشبهة كان المستشرقون يلوكونها في بداية دراساتهم ثم تركوها وأعرضوا عنها لما علموا تهافتها وسهولة تفنيذها بل ظهر منهم من أثبت خطأها ،ثم يعول هذا الشيعي والعلماني الذي نقل عنه على هذه الشبهة وذلك لجهلهم ومراهنتهم على جهل من يقرأ لهم .
والحداثيون وبعض أساتذتهم من المستشرقين لهم إشكالية معرفية كبيرة متعلقة بالعلوم الشرعية عموما وبعلم الحديث خصوصا فهم بثقافتهم التي لا تعرف الحفظ، يستغربون أن يثق المسلم في حفظه ,أو أن يحفظ هذا الكم الكبير من الأحاديث بألفاظها الدقيقة ، وقد تجد صعوبة في إفهام بعضهم معنى أن يكون المسلم حافظا لدواوين السنة، وأن طلاب العلم لا يزالون إلى يومنا هذا يحفظون الكتب الست بل والتسع وفيها آلاف الأحاديث بأسانيدها ومتونها ،ومنهم أطفال دون سن البلوغ، فغاية ما يعرفه هؤلاء من الحفظ ما يكون باستظهار المعنى العام دون ترتيب و لا تقيد بالألفاظ لذلك يشككون في كون الأئمة كانوا حفاظا حفظوا أحاديث النبي صلى الاله عليه وسلم و أما التدوين و التصنيف فإنما كان تقريبا منهم للسنة وإسهاما في نشرها في عموم الأمة .
إن نقل الحديث قائم على الرواية الشفهية ,لكن كان للمكثرين من الرواية كتبا أثبتوا فيها مروياتهم جعلوها مرجعا لهم للاستذكار في حالة النسيان ،والاستيثاق في حالة الشك ,وأما التدوين بغاية التصنيف والتأليف فهو شيء مختلف عما يقيده المحدث لتوثيق محفوظه ,و قد دونت السنة وظهرت تصانيف كثيرة قبل أصحاب الكتب الست ,ولكن الجهل جعل أعداء السنة -ومنهم صاحب المقال والناقل عنه – يظنون أن الكتب الست هي أول ما دون من السنة .
الإمام مالك ( ت 179ه) شيخ شيوخ أصحاب الكتب الست ألف كتابه الموطأ قبل ظهور الكتب الست بأجيال وذكر فيه أن عمر بن عبد العزيز (ت 101 ه) كتب إلى ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ت120):” أنظر ما كان من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أو سننه، أو حديث عمر، أو نحو هذا فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء”.
وانظرإلى قوله ذهاب العلماء فمعلوم عندهم أن العلم والحديث وعاؤه صدورالعلماء و التدوين إنما هو زيادة توثيق .
وكون الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله هو أول من أمر بتدوين السنة من الحكام مما ينقض فرضية المؤامرة التي يلوكها المستشرقون وتلقفها هذا الشيعي و الحداثيون ,وذلك أن عمر بن عبد العزيز قد أجمع العلماء و أصحاب السير والمؤرخون على علمه و حسن سيرته وعدله وقد سار في الناس بسيرة الخلفاء الراشدين حتى عده كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين ,فلا يصدق هذه الفرية عاقل .
وأما قوله أن الحقبة التي كانت بين تدوين السنة و عهد النبوة مفقودة لا يعرف عنها أحد شيئا فهي من المضحكات التي تكشف جهل هؤلاء ، وأنا سائل الكاتب إذا كان لا أحد يعرف عنها شيئا فكيف عرفت أن هناك مؤامرة ,وكيف عرفت أن الحكام والعلماء تآمروا على دين المسلمين كما تحاول أن تغالط من يقرأ هراءك ؟؟!
إن هذه الحقبة التي تزعم أن لا أحد يعرف عنها شيء نعرف عنها كل ما نحتاجه في هذا البحث وغيره بل نعرف عنها ما لا حاجة له وما هو معدود في ترف المعرفة .
وكان العلماء يتناقلون أخبارالرواة وأحوالهم ابتداء من الصحابة الكرام وأخبارالحكام و سيرهم وغزواتهم وفتوحاتهم بل والفتن التي وقعت في الأمة وقد تزامن تدوين السير مع تدوين السنة.
و الحديث الشريف قيد الله له رواة عدولا من كل جيل يحملونه إلى عدول في الجيل الذي بعدهم -و ليسوا رواة مجاهيل كما يصورهذا الشيعي مسود المقال – وقد ألهم الله هذه الأمة منذ صدرها الأول العناية بتراجم وأخبارحملة السنة ,ومن ثمار ذلك أن أصبح بين يدي الأمة كشف دقيق عن كل رواة الحديث, فيه بيان حالهم من جهة العدالة والحفظ و مرتبتهم في الرواية بل وحصر مروياتهم فكان ذلك علما قائما بذاته وضعه العلماء إلى جانب بقية علوم الحديث الدقيقة كعلم العلل .
وهذه العلوم وضعت لهدف سام وهو كشف الخطأ أوالكذب الذي يمكن أن يدخل رواية الحديث.
ومن الأدلة القاطعة المرتبطة بعلم الحديث والتي تدل على سفاهة فرضية المؤامرة و تزوير السنة :
– وضع المحدثين شروطا للحديث المقبول فمتى توفرت حكم بصحة الحديث والا كان مردودا.
– تجريد صحيح السنة من ضعيفها كما فعل البخاري ومسلم ، مالذي يدعو المتآمرين إلى إفناء أعمارهم في سبرآلاف المرويات لاستخلاص طائفة قليلة منها يزعمون أنها صحيحة .
– تأليف المحدثين في الموضوعات و جمعها في أسفار تحذيرا للأمة منها ونفيا للكذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وفي هذه الموضوعات ما يسر الحكام نشره وبثه في الناس.
– تأليف المحدثين في أبواب من علم الرجال كطبقات الضعفاء و المدلسين وهذا التدقيق في أحوال الرواة لا يصدر إلا عمن يريد حماية السنة وصيانتها عن كل ما يمكن أن يشوبها .
– تصنيف المحدثين في علم العلل وهوعلم جليل ودقيق لم تعرف الدنيا له مثيلا وقد شهد بفضله وشرفه حتى المناوئون للسنة من المستشرقين أمثال: باسورث سميث عضو كلية التثليث في اكسفورد، وكارليل، وبرنارد شو، والدكتورسبرنكركان,فقد أعلن هؤلاء إعجابهم بالطريقة التي تم بها جمع الأحاديث النبوية، وبعلم الحديث عند المسلمين.
لم يكن المحدثون يقبلون كل ما يروى عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، حتى تتوفر فيه شروط الرواية الصحيحة وتنتفي فيه كل ما يمكن أن يشك في صحة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شذوذ أو علة خفية كانت أو جلية ، وهذا يدفع بكل قوة ما اثاره صاحب المقال ومنكرو السنة من أن رواة السنة بشر يخطئون ويصيبون، ويعتريهم من النقص وتقلب الاحوال ما يعتريهم مما يسقط الثقة في مروياتهم ,وما تقدم يفنذ هذه الفرضيات فما وضعه علماء الحديث من علوم كان لتحقق الإصابة في الرواية ودفع الخطأ، وهم أعلم بأسباب الإصابة والخطأ من هذا الشيعي وكل الحداثيين المشككين في السنة ،فالطريقة التي سلكها العلماء في التثبت من صحة الحديث سندا ومتنا، وما ابتدعوا لأجل ذلك من علوم أشاد بها كثيرمن الغربيين.
إن عناية علماء الأمة بالسُّنّة كانت عظيمة جدا ,فقد ألهمهم الله وضع علم الحديث ,وجعله سببا لحفظ السنة المطهرة , فمن خلال هذا العلم الشريف تمكن المحدثون من تمييز ما يصحّ مِن أحاديث الراوي الواحد ،وما لا يصحّ مِن أحاديثه ؛ وعرفوا مَن وقع في الاختلاط ومتى كان ذلك فميزوا ما يُقبَل مِن حديثه وما يُردّ ، وما يُتوقّف فيه ، وعرفوا مَن عرض له النسيان في بعض حديثه ،ومن احتراقت كُتبه ،أوضاعت لسبب من الأسباب وميزوا ما حدث به قبل ضياع كتبه وما حدث به بعد ضياعها ، وعرفوا كل بلد ومن حدث فيه ومن دخله من الحفاظ فضَبَطوا مواطن الرواة و رحلاتهم فعرفوا من رووا عنه ومن روى عنهم ، وذكروا ما يُقبَل مِن حديث أهل بلجد عن راو وما يُردّ , وعرفوا الثقات الضابطين والضعفاء مع تمييز مراتبهم والمدلسين بطبقاتهم , وكشفوا العلل الخفية بدقة تبهرالعقول بل وصل بهم الحال الى حصر أحاديث الرواة ومعرفة عددها فلا يستطيع احد أن يزيد فيها أو ينقص الا كشفوه ,وهذا من بديع صنعتهم في خدمة السنة الشريفة …
فعلى سبيل المثال : قال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام مالك بن أنس :
فأخَذَ عن: نافع ، وسعيد المقبري ، وعامر بن عبد الله بن الزبير ، وابن المنكدر ، والزهري ، وعبد الله بن دينار ، وخَلْق سنذكرهم على الْمُعجَم ، وإلى جانب كل واحد منهم ما رَوَى عنه في ” الموطأ ” ، كم عدده . ثم ذَكَرهم ، وأعداد الأحاديث التي رَوَاها عن كل واحِد منهم .
لا شك أن من اطلع على علوم الحديث ,وكان متجردا سيبقى منبهرا من متانتها ودقتها التي يجزم معها انتفاء تلكم الشبه التي يثيرها المشككون في السنة .
قال المستشرق مرجليوث ” ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم “
وقال العالم الألماني أشبره نكر في مقدمة كتاب تولى تصحيحه وطبع في”كالكوتا” اسمه “صانه” : “إن الدنيا لم تر ولن ترى أمة مثل المسلمين فقد درسوا بفضل علم الرجال الذى أوجدوه حياة نصف مليون رجل كما في سيرة المؤلف الهندى المار الذكر”.
الكاتب في مقاله يوهم القارئ بأنه كان هناك تدوين للسنة النبوية على عهده صلى الله عليه وسلم، وأن كل صحابي كان له كتابه من السنة و أن هذا الأمر كان مستفيضا وهذا كذب صريح و تدليس فاضح ،بل الثابت أن التدوين كان منهيا عنه ولم يرد الأذن فيه إلا في أحوال ضيقة .
ومن عجائب أعداء السنة من الروافض و العلمانيين تناقضهم وتقلب أحوالهم فقد كانوا من قبل يستميتون في إثبات أن السنة لم يدون منها شيء على عهده صلى الله عليه وسلم و يجترون دعاوى محمد توفيق صدقي ، وأحمد أمين وأبي رية الذين يزعمون أن أحاديث النهي عن كتابة السنة أقوى و أصح بل يزعمون أنها متواترة واليوم يدعون أن السنة دونت على عهده صلى الله عليه وسلم وعلى نطاق واسع بل هذا كاتب المقال يصور بأن كل واحد من الصحابة كان له كتاب جمع في الحديث الشريف ,وتقلبهم هذا راجع إلى أنهم لم ييأسوا من تشكيكهم في السنة المطهرة وكلما رسموا ملامح شبهة أو تلقفوها من أعداء هذا الدين نصبوا لها الفرضيات والسيناريوهات المناسبة ,ولم يجدوا غضاضة في اتهام أئمة المسلمين الأماجد بل والصحابة الكرام أن اقتضى الحال ،ومن هذه الفرضيات أن الأمراء والحكام المسلمون قد تآمروا على السنة ,و زوروها وأن ما في دواوين السنة التي بين أيدينا مختلق ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم , فهذا الكاتب ألقى هذه الشبهة مرارا في مقاله ثم يتساءل بكل وقاحة في آخر المقال : ( هل رجال الدين عقدوا صفقات مع الخلفاء على حساب الدين ؟) كبرت كلمة تخرج من في هذا الحاقد ,وهذه فرية عظيمة فيها اتهام لعلماء الأمة قاطبة بأنهم تواطؤوا مع الحكام على هذا الجرم العظيم ؛ كيف يتصور هذا في من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة )، لو وجد ممن انتسب إلى العلم من باع ذمته يوما فإن جل علماء الأمة لا يتصور فيهم هذا بل كان يمتحن الواحد منهم و يسجن و يعذب وقد يقتل ولا يتقول على الله حرفا بله تحريف دين الله كلية لهوى حاكم أو غيره ؛ مع ما استفاض عنهم من تقوى وورع وحسن ديانة وصدق وعدم ركون للظالمين .
البخاري رحمه الله طلب منه حاكم بخارى أن يخص أبناءه بمجلس للحديث في قصر الحاكم فرفض البخاري واستنكر ذلك وقال العلم يؤتى إليه ولا يأتي إلى الناس , فطلب منه الحاكم أن يعقد لهم مجلسا خاصا في المسجد فأبى الإمام البخاري رحمه الله وقال: ليس لهم إلا أن يجلسوا في مجلس السماع كبقية المسلمين ولن أفضلهم على ابناء المسلمين ,فأبطن له هذا الحاكم العداوة وتآمر عليه مع من اتهم البخاري بالقول بخلق القرآن ,وامتحن بسبب ذلك حتى ضاقت عليه الارض بما رحبت وكان ذلك سبب دعائه بان يقبضه الله اليه فقبضه .أفمن أبى أن يخص ابناء الحكام بالحديث تعظيما للحديث و حفظا لأمانة العلم والعدل بين الناس يمكن أن يقدم على التآمر على السنة والكذب على رسول الله ؟؟! !
والمستشرقون أنفسهم يقرون بأن اتهام المحدثين باختلاق الحديث سفاهة وفرية, يقول المستشرق روبسون : إن بعض المستشرقين فطنوا إلى أن ما يروى عن كبار الصحابة من الحديث أقل بكثير مما يروى عن صغارهم ، وقد رأى أن ذلك يحمل على الاعتقاد بصحة ما نقله المحدثون أكثر مما نتصور – أي مما يتصوره المستشرقون – إذ لو اختلق المحدثون الأسانيد لكان بإمكانهم جعلها تعود إلى كبار الصحابة ” .(عن :Robson , The Isnad in Muslim Tradition , P . 26)
بل نحن نزعم أن الذي يتآمر على دين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هم الحداثيون الذين جعلوا شغلهم الشاغل التشكيك في السنة ,وإثارة الشبه حولها ويتتبعون كل ما يتفوه به الحاقدون على هذا الدين الحنيف والسنة الغراء من المستشرقين اليهود والنصارى و من الروافض فيلوكونه ويبثونه في الناس حربا على دين المسلمين وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
من الشبه التي كررها في مقاله أين هي النسخ الأصلية لدواوين السنة ؟ أين هي النسخة الأصلية للبخاري؟! و ما يقال في البخاري يقال في غيره طبعا..
أولا أشيرإلى التناقضات الفجة للحداثيين والطاعنين في السنة فهم ينقلون عن سقراط وأفلاطون و أرسطو و بولص وغيرهم من أهل الأزمان الغابرة , و لم يثيروا يوما ضجة عن النسخ الأصلية لما كتبوه ولا عن كيفية نقل هذه النقول ، ثم يعمدون إلى أوثق ما عرفته البشرية من المدونات فيثيرون حولها الشبه والفرضيات للتشكيك في ثبوتها بأسلوب خبيث لا يمت للعلم بصلة.
و هل عدم وجود نسخة البخاري الاصلية دليل على عدم وجود البخاري أو عدم صحة ما فيه ؟!
البخاري روى عنه 90 الف شخص أغلبهم كانت له نسخته الخاصة ,و هذه النسخ نسخت منها نسخ وهكذا تعاقب الناس على نقل البخاري رواية و كتابة ولا شك أن عوامل الزمان تعمل في السابق من النسخ لكن يبق اللاحق موجودا وشاهدا ,بل بعض الطبعات الحجرية أصبحت مخطوطات وقد يكون اصلها المخطوط اتلف او ضاع لا يدري عنه أحد ..
أصل البخاري كان عند الفربري وانتسخه من عنده المستملي : قال الباجي في كتابه التعديل والتجريح(١/٣١٠) وأخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي الحافظ رحمه الله ثنا أبو إسحاق المستملي إبراهيم بن أحمد قال انتسخت كتاب البخاري من أصله كان عند محمد بن يوسف الفربري. ونقل القاضي عياض في مشارق الأنوار (٤/٣٠٠) قال الفربري كذا في أصل البخاري . ويقول عنه ابن رشيد الفهري في إفادة النصيح (١/١٨٢) كان عنده أصل البخاري ومنه نقل أصحاب الفربري. (روايات الجامع الصحيح ونسخه ١٩٧- ١٩٨ باختصار).
لا يخفى على مشتغل بعلوم الشريعة أن صحيح البخاري قد استفاض نُقله و تواتر بعد مؤلّفه، وتناقله أهل المذاهب جميعا واشتغلوا به رواية ونسخا وشرحا ودراسة فأصبحت الزيادة فيه والنقصان مما يستحيل أن يروج على العلماء دون ان يكشف .
سلمت يمينك أستاذ نافع نفع الله بك
كلما حاولت التقرب من هذا الدين أكثر ؛ دراسة أصوله وفروعه دراسة قوية ومستوعبة … أبعدتموني عنه وحرمتموني منه أيها السفلة ! وذلك بسبب قصر نظركم وتفكيركم السطحي والسخيف وتكبركم وحقدكم على كل من خالف رأيكم وأيُّ رأي وعنصريتكم ؛ هذا ديموقراطي هذا علماني هذا سني هذا شيعي هذا بهائي هذا درزي هذا شافعي هذا مالكي هذا حنفي هذا هذا والكل خاطئ ونحن على صواب ونمتلك الحقيقة …باسم آلدين تحرمون وتحللون ، وباسمه تغطون الطرف عن من ينهب ويرتشي ويستعبد ويظلم ويحتقر وتقفون في وجه من يريد حياة حرة وعيشا كريما وعدالة وتتهمونه بنشر الفوضى والفتنة . فمن المحيط إلى الخليج نهب و تجهيل وتركيع وتفقير للشعوب وحط لكرامتها وأنتم تسبحون وتحوقلون وتحمدون الله هذه المهزلة !
وزعما طفرو عصيد..
لا يعدو مرتزقا يأكل بدوره أموال المغاربة في مؤسسات لا تسمن ولا تغني من جوع (إركام والقناة الأمازيغية)..
ويغتصب مزان باسم ياكوش، ومن لفوق ملي تبغي تبان قدامو، يعتدي عليها سبا وضربا..
ان كان هناك سافل و منحط فهو انت فاما ان ترد على المقالة بادب او ان تصمت هذا شرعنا وتراثنا اهل السنة و الجماعة اما غيرنا فهم احرار يسموا انفسهم بما شاؤو ا